"حسن كيف".. بربرية أردوغان تهدد بطمس جوهرة التاريخ البشري
نشطاء بيئيون يحذرون من تشريد نحو 80 ألف نسمة، فضلًا عن الضرر الذي سيلحق بالبيئة الطبيعية نتيجة تدمير حسن كيف.
بعد القيادة لمدة نصف ساعة من مدينة باطمان في جنوب شرق تركيا، تبدو مدينة حسن كيف القديمة، الموجودة على ضفاف نهر دجلة كما الواحة.
يعتقد أن حسن كيف واحدة من أقدم الأماكن التي عاش فيها البشر على الأرض؛ إذ يرجع تاريخها لـ12 ألف عام، ويوجد بها آلاف الكهوف والكنائس والمقابر، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
لكن المدينة الملقبة بـ"جوهرة التاريخ الإنساني" ربما ستضيع قريبًا نتيجة بربرية نظام الرئيس رجب طيب أردوغان؛ إذ من المقرر غمرها بالمياه في إطار مشروع سد "إليسو" المثير للجدل.
وقد بدأت أعمال إنشاء السد ومحطة الطاقة الكهرومائية التابعة له عام 2006، والمدينة الآن على بعد أسابيع من التعرض للتدمير رغم نضال السكان ونشطاء البيئة لإنقاذها، كما أمهل النظام التركي السكان فرصة حتى 8 أكتوبر/تشرين الأول 2019 لإخلائها.
- لاعتراضهم على سد "إليسو".. قوات أردوغان تعتقل 33 شخصا
- وزير الموارد المائية العراقي: ملء سد إليسو التركي فاقم أزمة المياه التي نواجهها
برزت فكرة تصميم مشروع السد في الخمسينيات، لكن لطالما كان محل خلاف، حتى إنه كانت هناك محاولة لتحديه بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بذريعة أنه سيضر بالتاريخ الثقافي للبلاد، لكن حتى تلك المحاولة كانت غير ناجحة.
لدى الانتهاء من المشروع سيكون رابع أكبر سد في تركيا، ومن المتوقع أن يولد 4200 جيجاوات من الكهرباء سنويًا لكن بتكلفة باهظة، لكنه سيؤدي المخطط إغراق 199 مستوطنة في المنطقة، وآلاف من الكهوف التي صنعها البشر، ومئات من المواقع التاريخية والدينية.
من جانبهم، حذر النشطاء من تشريد نحو 80 ألف نسمة، فضلًا عن الضرر الذي سيلحق بالبيئة الطبيعية، موضحين أن التنوع البيولوجي سيتعرض لمعاناة، وأن أعمال إنشاء السد ستهدد فصائل عدة معرضة للخطر.
رضوان آيهان، ولد بأحد الكهوف في حسن كيف، هو عضو نشط في مبادرة للحفاظ على المدينة حية، التي تأسست عام 2006، باعتبارها حملة شعبية لوقف مشروع السد.
وقال آيهان: "إنها ليست قصتنا فقط، حسن كيف قصتك أيضًا؛ لأنها قصة البشرية".
وأوضح آيهان أنهم طلبوا أن تكون المنطقة بمثابة متحف مفتوح، لكن الحكومة لم تقبل، مضيفًا: "إن حفرت هنا ستجد ثقافات متراكمة فوق بعضها البعض".
وبينما يسير بالجانب الجبلي المواجه للمدينة، وصل إلى مغارة منقوش عليها صليب تشير لوجود كنيسة قديمة، تحت الكنيسة هناك مقبرة بها أكوام من العظام البشرية، وقال آيهان: "النظام لا يحترم الموتى، إنه بربري".
في التاريخ الطويل، كانت حسن كيف جزءا من عدة ثقافات مختلفة، من بينها الإمبراطوريات العثمانية والعربية، لكن هاكان أوزوجلو، أستاذ التاريخ بجامعة سنترال فلوريدا، قال إن المستوطنات الموجودة هناك يعود تاريخها إلى ما قبل كل هذه الحضارات، مشيرًا إلى وجود إشارات إلى المدينة في عدة نصوص قديمة، بلغات مختلفة، مثل: الآشورية، والأرمنية، والكردية، والعربية.
وأكد أستاذ التاريخ أن حسن كيف تعد بمثابة مختبر يمكنه تقديم كثير من الأجوبة عن الماضي، مؤكدًا أن مثل هذا الدليل المادي النادر للماضي البشري يجب حمايته مهما كلف الأمر.
مع تحديد الحكومة للموعد النهائي، يأتي الناس من المناطق المحيطة لوداع الموقع التاريخي، على علم بأنها ستكون فرصتهم الأخيرة لرؤيته.
وقال أوزوجلو إن المنافع التي ستأتي من السد لا يمكن أن تقترب حتى من فوائد السياحة التي يمكن التسويق لها بشكل أفضل حال اقترنت باسم اليونسكو، مضيفًا: "لا يمكنني رؤية كثير من الأماكن الأخرى التي تستحق (أكثر) أن تكون على قائمة مواقع منظمة اليونسكو المحمية".
كانت مبادرة الحفاظ على حسن كيف حية قد حاولت من قبل إدراج المكان على القائمة، لكن انتهت محاولتهم بالفشل؛ إذ قال آيهان إن اليونسكو أوضحت أنه يتعين على وزارة الثقافة التركية التقدم بطلب من أجل هذا الأمر، ورغم أنهم كتبوا خطابًا للوزارة من أجل هذا الأمر، لم يأتيهم رد.
وفي حين لم ترد وزارة الثقافة التركية على طلب للتعليق على الأمر، قال متحدث باسم وزارة الطاقة عند التواصل معهم: "لماذا تريدون التحدث عن حسن كيف في حين هناك كثير من المشاريع الأخرى".
الآن وبينما ينتظر سكان حسن كيف غمرها بالمياه، يقولون إنهم سيواصلون رفع أصواتهم ونشر رسالة تاريخ المدينة، حتى بعد منع دخولهم إليها في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
aXA6IDMuMTQ1LjEwMy4xNjkg جزيرة ام اند امز