سؤال بمليار دولار.. كيف تعيد أجهزة "فاسدة" بناء بيروت؟
بعد انفجار كارثي هز لبنان الأسبوع الماضي تمس حاجة بيروت إلى المساعدات لكن اللبنانيون يخشون من أن تدخل الدولة سيزيد الأمور سوءا
بعد انفجار كارثي هز لبنان الأسبوع الماضي، تصبح حاجة بيروت إلى المساعدات ملحة، لكن اللبنانيون يخشون من أن تدخل الدولة سيزيد الأمور سوءا في ظل هيمنة قادة الميليشيات على البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قالت إن ثمة تساؤل حول سبل الاستجابة لأزمة إنسانية، وإعادة بناء عاصمة مدمرة، عندما لا يثق أحد بجهاز الدولة الذي يعاني من الفساد، ويلوح في الأفق نظام مصرفي منهار، ووباء في الخلفية.
واعتبرت الصحيفة أن هذا هو سؤال المليار دولار الذي يواجهه لبنان بعد أسبوع من اشتعال نحو 2750 طنًا من نترات الأمونيوم في ميناء بيروت، ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف.
وقدر محافظ بيروت الأضرار بما يتراوح بين 10 مليارات دولار و15 مليار دولار؛ لكن الكشف عن أن الحكومات المتعاقبة كانت تعلم بأن المواد الكيميائية الخطرة مخزنة بشكل غير آمن في الميناء ولم تفعل شيئًا، ساهم في تعميق ألم وغضب الشعب.
ورغم استقالة الحكومة اللبنانية، الإثنين، لكن الدولة كانت بالفعل غائبة بشكل أساسي في الاستجابة للانفجار، وفي المقابل احتشد المجتمع المدني والأشخاص من جميع أنحاء البلاد بسرعة لتنظيف الشوارع والبحث عن ناجين وإطعام وإسكان بعضهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من اللبنانيين يطالبون بتوجيه الأموال والمساعدات في شكل طعام ورعاية طبية وإسكان فقط من خلال المنظمات المحلية الموثوقة، لأنهم لا يثقون في مؤسسات الدولة التي تمتنع عن اتخاذ قرارات، بعد أن هيمنت عليها منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان شبكات من قادة الميليشيات الذين تحولوا إلى سياسيين.
دولة فاشلة
وقال محللون للصحيفة، إنه عندما يتعلق الأمر بمساعدات بملايين وربما مليارات الدولارات، فإن قول ذلك أسهل من فعله.
في هذا الإطار، قال نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، إنه في الأيام التي تلت الانفجار، كانت المبادرات المحلية فعالة بشكل ملحوظ في حشد الإغاثة الفورية.
وأضاف: "لبنان لديه مجتمع مدني متطور للغاية وحيوي بسبب الحروب والأزمات والصراعات العديدة الماضية".
وتابع: "لقد رأيناهم يسارعون إلى العمل. والكثير من المساعدات تحاول تجاوز بيروقراطيات الدولة، وإطعام المحتاجين".
وردد قادة العالم الدعوات لإعطاء الأولوية للمنظمات غير الحكومية، وشاركت فرنسا السبت في استضافة قمة افتراضية تعهد فيها المانحون الدوليون بتقديم مساعدات بقيمة 298 مليون دولار.
وقال 15 من قادة العالم في بيان "يجب أن تكون المساعدة في الوقت المناسب وكافية ومتسقة مع احتياجات الشعب اللبناني، وتسلم مباشرة للشعب اللبناني بأقصى قدر من الكفاءة والشفافية".
من جانبها، قالت سيبيل رزق، مديرة السياسة العامة في "كلنا إرادة"، وهي منظمة مدنية للإصلاح السياسي مقرها بيروت، إنه بعد الإغاثة الطارئة، هناك حاجة إلى حكومة لتنسيق إعادة بناء ميناء بيروت المدمر والشركات والطرق.
وأضافت: "الإغراء هو تجاوز سلطات الدولة والذهاب مباشرة إلى الناس. هذا ممكن فقط لمناطق محدودة، للمساعدات الإنسانية البحتة. وفي اللحظة التي تبدأ فيها دراسة جهود إعادة الإعمار، تحتاج إلى نوع من مؤسسات الدولة".
ولفتت الصحيفة إلى أنه العام الماضي، خرج المتظاهرون إلى الشوارع في لبنان مطالبين بالتغيير السياسي. وكافح المتظاهرون لتغيير الوضع السياسي الراهن الذي يضم زمرة من السياسيين الذين يعتمدون على شبكات المحسوبية الطائفية، والجغرافيا السياسية لتحقيق الربح والبقاء في السلطة.
من جهته، قال أليكس سيمون، المؤسس المشارك في "سينابس"، وهي منظمة بحثية وتدريبية مقرها بيروت، إن هذا هو السبب في أنه يجب على المانحين "مقاومة الرغبة في توجيه المساعدات عبر الهيئات الحكومية" في الوقت الراهن.
وأضاف: "إفلاس البلاد يعني أن الفصائل اللبنانية ستكون أكثر عدوانية وإبداعًا في السيطرة على هذا التدفق من تمويل المساعدات".
في هذا السياق، كتبت كريستيانا باريرا، الأكاديمية بجامعة ستانفورد، في تقرير عام 2019، لمؤسسة "سينابس": "غالبًا ما يمول المانحون الأجانب البرامج الواعدة ببناء قدرات مؤسسات الدولة، بينما يتجاهلون عمومًا الأسباب الوجودية الكامنة وراء أعطالها".
وأضافت: "وبالتالي، ينتهي المطاف بمؤيدي لبنان الغربيين بدعم النظام المعطل الذي يأملون في إصلاحه ".
أزمات اقتصادية طارئة
لا تزال البلاد في حاجة ماسة إلى المساعدة، حيث يواجه لبنان بالفعل 3 مشكلات، وهي اقتصاد منهار، وانتفاضة سياسية، وتفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، والآن هناك أزمة إنسانية يجب التعامل معها.
وخلال الاحتجاجات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حث النشطاء اللبنانيون المانحين الدوليين على دعم المبادرات والمنظمات المحلية، من "الصليب الأحمر اللبناني" إلى المالك المحبوب لمتجر أو مطعم مدمر في الزاوية.
وارتأت رزق، أن أحد الحلول هو تعبئة الشتات اللبناني لجمع الأموال وإرسال المساعدة؛ ولكن إلى أن توافق الحكومة اللبنانية المثقلة بالديون -المستقيلة الآن- على قرض طال انتظاره من صندوق النقد الدولي، فمن غير المرجح أن تحل الأزمة المصرفية.
وفي غضون ذلك، تستمر المشاورات لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في أعقاب استقالة حكومة حسان دياب بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت التي خلّفت 173 قتيلاً وأكثر من 6 آلاف جريح، وتشريد نحو 300 ألف إضافة إلى الدمار الهائل.
ورغم فرضية أن الانفجار كان "عرضيا" فإن ذلك لم يبرئ حزب الله اللبناني أو يخلِ مسؤوليته عن الحادث، في ظل الحديث عن أنشطته المشبوهة في مرفأ بيروت وحوادثه السابقة المرتبطة بنفس المادة المتسببة في الفاجعة. وكذلك لغز عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال هذه الكمية الهائلة من نترات الأمونيوم الموجودة منذ 2013 رغم مطالبات عدة بإعادة تصديرها والتخلص منها.
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز