الكاتب محمد أبوعرب: الذائقة البشرية الجمالية تدين لبيكاسو
"العين الإخبارية" تحاور الكاتب الفلسطيني الأردني محمد أبو عرب مؤلف كتاب "رسائل في جيب بيكاسو"، الذي صدر حديثا عن دار "دوّن".
يروي الكاتب محمد أبوعرب، في كتابه الصادر حديثا "رسائل في جيب بيكاسو"، حكايات سردية مكانها وشخوصها في قريته الكائنة على ضفاف نهر الأردن.
سرديات فلسفية
ويعرّف "أبوعرب" كتابه "رسالة في جيب بيكاسو" الصادر عن دار "دوّن"، بأنه سرديات ومرويات لـ15 شخصية رحلت عن قرية تدعى "القليعات" على الضفة الشرقية لنهر الأردن، وتمثل سيرة تجربتهم واقعا مفارقا وغرائبيا لم يجمع ولم يوثق ولم يسرد من قبل؛ فكل واحدة من الحكايات تكشف عن سر من أسرار تلك الشخصيات؛ حيث تتوزع الأسرار على أبواب ثلاثة، هي: الحب، والإيمان، والسحر.
والجديد في هذا الشكل السردي الحكائي -كما يقول الكاتب- أنه أتبع كل واحدة من الحكايات بقراءة فلسفية تأويلية؛ للوقوف عند المفاهيم الإنسانية الجمالية الكبيرة في سيرة البشرية، فصارت الحكايات مفتاحا لتناول: الحب، واللغة، والنسيان، والوشم، والجسد، والموت، والسحر، وغيرها من المفاهيم.
قبل ١٠٠ عام
يقول "أبوعرب" لـ"العين الإخبارية"، إن الأم والجدة كانتا الأكثر حضورا في كتابه، لأنه تعلم منهما معنى العيش، وإتقان الحكمة، والإصغاء إلى التفاصيل.
وأضاف: "جدتي ربت 9 أبناء وابنتين، وقادت بحكمتها كل واحد منهم إلى حلمه، علمتهم مهارة العيش، ودربتهم على الصبر حتى باتوا مثالا يحتذى به في القرية، وأمي كانت وما زالت توصيني كلما هاتفتها، وتفيض عليّ من تجربة عيشها، تظل تردد: الذي يرضى يعيش. وكأنها تعلمني فلسفة العيش بقوانين الماء التي قدمتها الفلسفة الكونفوشيوسية، كما أنها لا تبخل عليّ بسرد سيرة القرية وذاكرتها، فتروي كلما سنحت لها الفرصة تفاصيل طفولتها، وسيرة عمرها على ضفاف نهر الأردن شرقي فلسطين المحتلة، وكانت وما زالت تشير إلى التلال البعيدة في بيسان، وتقول: هناك كان جدك يزرع أرضه، ويطعم خيله، وكانت الأرض تسمع نداء الفلاحين وتجود عليهم".
ويرى "أبو عرب" أنه تعلم من جدته ووالدته التذكر، فيشعر كأنه عاش قبل 100 عام، ومنهن حمل روح مئات الشخصيات التي حفرت سيرتها في بلاده، فصارت ذاكرة المكان وأهله محفوظة لديه، ولا يملك إزاءها إلا أن يمنحها حياة جديدة على الورق.
ذائقة بيكاسو
عن علاقة الكتاب بالفنان الإسباني الشهير بابلو بيكاسو، أوضح "أبو عرب": "الذائقة البشرية الجمالية تدين لبيكاسو بما فتحه من تجريب وقراءة للشكل البصري، وهذا ما يحاوله في قراءة حكايات أسرار القرية، إذ يجدها مادة بصرية، وسردية، وغنائية، ولغوية غنية جدا، ولا يمكن معالجتها بقالب واحد، أو بشكل إبداعي واحد، كما أنه اقتبس عبارة من نص لبيكاسو تلخص الكثير من تجربة العيش، وتلخص تجربة الحكايات كلها في الكتاب، حيث يقول بيكاسو: كل شيء يمكنك أَنْ تتخيله هو حقيقي بالنسبة لك".
تحديات
ويشير "أبوعرب" في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الكتابة ليست حكرا على أحد، فكل من يملك مهارة بناء جملة ذات معنى، ويرغب في البوح والكتابة، عليه أن يكتب، لكن، بحسب رأيه، "ما هو حكر على المحترفين النص الذي يعبر عن ذائقة زمانه ومكانه، ذاك النص الذي ستحفظه المكتبات لمن سيعيشون بعدنا، وهنا مكمن الخطر، إذ علينا الالتفات إلى أن الذائقة الجمالية تُبنى وتتشكّل جيلا تلو آخر، وإذا صارت معرضة للعبث من دعاة الكتابة والإبداع، فإنها ستنهدم وتتراجع".
وعن تجربته ككاتب شاب، يرى "أبو عرب" أن التحديات لا تتوقف عن التشكل والوقوف في وجه العالم، وليس الشباب فحسب، فالتحديات، بحسب وجهة نظره، ليست وليدة زمانها بقدر ما هي تاريخية.
وتابع: "مهمتنا كبشر أن نواصل العمل والحياة بشغف، والنظر إلى التحديات بوصفها ضرورات لكسر رتابة الحياة".