كل الذين اعتقدوا بمبدأ "الإسلام هو الحل" في إطار سياسي، اتخذوا نفس الخطوات التي يتخذها الرئيس التركي الحالي الذي يعاني من مفارقات كبرى.
من يعرف تركيا يدرك أن أهم عمل قام به كمال أتاتورك (1881- 1938) هو إلغاء الخلافة التي سادت النظام العثماني لقرون طويلة، حيث حكم أتاتورك البلاد (1923 – 1938)، وقد نجم عن هذا الانقلاب على الخلافة تغيير كلي في المعايير الشرعية التي كانت سائدة في الدولة العثمانية، واستمرت تركيا بنهج متحول نحو نموذج الدولة العلمانية وفق تعقيدات كبرى في الإطارين المجتمعي والثقافي اللذين استوعب تدريجيا معنى الدولة العلمانية، ولكن ذلك لم يستمر طويلا.
منذ العام 2014م جاء الرئيس الثاني عشر إلى تركيا الحديثة، وسوف يستمر رئيسا لسنوات قادمة، وهذا يطرح سؤالا استراتيجيا حول تركيا وصراعها الأيديولوجي داخل تكوينها وبنائها السياسي، ولعل السؤال المهم يقول: مَنْ المستفيد من إعادة تركيا للخلافة على طريقة الرئيس الحالي؟ هل هو الشعب التركي أم الرئيس الحالي عبر وصفة الإخوان؟
الرئيس التركي الحالي لم يستطع قلب الميولات الغامضة للشعب التركي من أجل بناء خلافته، ولن يستطيع ذلك؛ لأن نقطة التجمع التي صنعها للمستقبل التركي بحسب تصوراته، سوف تُلغى مع نهاية حكمه، فهناك استحالة أن يولد المجتمع التركي من جديد على طريقة الإسلام السياسي
بالنظر إلى المجتمع التركي فهو مجتمع مسلم، ولكنه تشرّب علمانية أتاتورك الذي مهّد تركيا لتكون أوروبية الهوى، مع إدراك شامل من قبل أتاتورك أن المجتمع المسلم الذي اعتاد الخلافة لستة قرون مضت، قادر على الخروج إلى منهجية سياسية واجتماعية جديدة، ولكن ما يحدث اليوم في تركيا شيء مختلف عن ذلك الواقع الذي أراده مؤسس الجمهورية التركية؛ فبعد أحد عشر رئيسا حكموا تركيا أتى الخليفة الثاني عشر، وهذا التحول لم يكن وليد الصدفة أو الخيال.
كل الذين اعتقدوا بمبدأ "الإسلام هو الحل" في إطار سياسي، اتخذوا نفس الخطوات التي يتخذها الرئيس التركي الحالي، الذي يعاني من مفارقات كبرى في الداخل التركي تتعارض مع خطابه السياسي، ومع أنه حاول تنظيف المؤسسات العسكرية والسياسية على طريقته؛ كي يتم تمهيد الطريق أمامه وحقق الكثير من الانتصارات، إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف فكما يبدو أن المستقبل التركي ينتظر الرئيس الثالث عشر ولكن على طريقة أتاتورك.
ليس من المستبعد أن تعود تركيا بنَفَس متجدد، بعدما ثبت أنها تغرق بكل ما هو إسلامي سياسي اعتقادا من قادتها أنها مركز إسلامي، فالثقافة التي صُنعت خلال العقود الستة من القرن الماضي أثبتت قدرتها على بناء تحولات جذرية خرجت بتركيا من دولة توسعية في إطار خلافة امتطتها تركيا، ولكن ليس باسم قومي، إنما باستخدام ديني، بمعني تاريخي أن مفهوم الخلافة القومي والديني قد انتهي قبل الدولة العثمانية وما شكلته الدولة العثمانية ليس سوى إمبراطورية بنكهة مختلفة.
ليس هناك مستفيد من محاولة إحياء فكرة التاريخ والخلافة سوى الرئيس التركي الحالي، وكما هي الحقيقة تقول إنه لا يمكن للخلافة أن تدخل وبسرعة من الباب الخلفي للإسلام السياسي؛ لأن كثيرا من المعطيات ينبغي أن ينشأ من الداخل التركي ذي القومية الصارمة التي لن تجازف استراتيجيا، الرئيس التركي الحالي لم يستطع قلب الميولات الغامضة للشعب التركي من أجل بناء خلافته، ولن يستطيع ذلك؛ لأن نقطة التجمع التي صنعها للمستقبل التركي بحسب تصوراته سوف تُلغى مع نهاية حكمه، فهناك استحالة أن يولد المجتمع التركي من جديد على طريقة الإسلام السياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة