استقالة رئيس مجلس الأمة الجزائري
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يوافق على طلب عبدالقادر بن صالح إعفاءه من رئاسة مجلس الأمة بعد 17 عاما من احتفاظه بمنصب الرجل الثاني.
وافق، السبت، الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، على طلب إعفاء من المنصب تقدم به عبدالقادر بن صالح من رئاسة مجلس الأمة.
استقالة بن صالح من رئاسة مجلس الأمة التي تعد الغرفة العليا للبرلمان الجزائري تأتي بعد 17 عاماً كان فيها الرجل الثاني في هرم الدولة الجزائرية.
- البرلمان الجزائري يعين عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد بعد إقرار شغور المنصب
- تنصيب الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون
وأصدرت الرئاسة الجزائرية بياناً نقلته وكالة الأنباء الرسمية، ذكرت فيه أن "رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون تلقى رسالة من رئيس الدولة السابق، عبدالقادر بن صالح، يخطره فيها برغبته في إنهاء عهدته على رأس مجلس الأمة".
وبعد أن وافق على استقالة بن صالح، أشاد عبدالمجيد تبون بالدور الذي لعبه الرئيس المؤقت السابق خلال فترة الأزمة السياسية التي عاشتها الجزائر بعد خلافته الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي.
وعبّر تبون لـ"بن صالح" عن "بالغ تقديره وامتنان الأمة، نظير إخلاصكم وتفانيكم في خدمة المؤسسة البرلمانية والدولة وشعبنا، سوف يشهد لكم التاريخ، لا محالة، أنكم كنتم دوما رجل الموقف متى احتاج إليكم الوطن"، كما جاء في بيان الرئاسة الجزائرية.
ومن المرتقب أن يجتمع مجلس الأمة في الأيام القليلة المقبلة لانتخاب رئيس جديد خلفاً للمستقيل عبدالقادر بن صالح، فيما بقي صالح قوجيل رئيساً بالنيابة لمجلس الأمة الجزائري باعتباره أكبر النواب سناً.
وذكرت وسائل الإعلام الجزائرية أن استقالة بن صالح من على رأس مجلس الأمة جاء بسبب وضعه الصحي، إذ يعاني منذ عدة سنوات من "مرض السرطان".
كما ذكرت وسائل إعلام محلية أن المرض اشتد على صالح خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة الجزائر مؤقتاً، وتغيرت ملامحه كثيراً بعد ذلك مقارنة بفترة رئاسته لمجلس الأمة، حيث يتنقل بشكل دائم إلى مستشفى "عين النعجة" العسكري بالعاصمة للعلاج الكيميائي.
رجل المهام الصعبة
في 9 أبريل/نيسان الماضي، تسلم عبدالقادر بن صالح رئاسة الجزائر مؤقتاً بعد استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في مراسم "سريعة".
قاد خلالها بن صالح البلاد في واحدة من أصعب الأزمات السياسية التي مرت بها في تاريخها الحديث، حيث منحه تبون وسام الاستحقاق الوطني من درجة "صدر" الذي يعتبر أعلى وسام شرف بالجزائر نظير جهوده ودوره الكبير في قيادة البلاد في ظروف سياسية صعبة.
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، سلم بن صالح رئاسة البلاد للرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون، واعترف في "كلمة الوداع" التي ألقاها بأنه "لم يكن مهيأ لتولي رئاسة البلاد ولم يكن يطمح لذلك".
بن صالح الذي دخل قصر "المرادية" الجمهوري "مرفوضاً شعبياً" كواحد من "الباءات المطالَبة بالرحيل" من قبل الحراك الشعبي، غادره "باحترام شعبي كبير ووضع صحي متردٍّ" في واحدة من المفارقات الغريبة التي أفرزتها الأزمة السياسية بالجزائر وفق المراقبين.
ومنذ توليه رئاسة الجزائر مؤقتاً، حدد بن صالح أجندة ولايته المؤقتة في إجراء الانتخابات الرئاسية ودعا إلى انتخاب خليفة لبوتفليقة في 4 يوليو/تموز 2019، ودعا إلى جلسة حوار وطني، لكنها فشلت بسبب مقاطعة أغلبية التشكيلات السياسية، وكان تاريخ 4 يوليو/تموز، ثاني موعد لانتخابات الرئاسة يتم إلغاؤه في عام واحد بعد انتخابات 18 أبريل/نيسان.
وفي خطاب متلفز له في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، استدعى بن صالح الهيئة الناخبة لموعد 12 ديسمبر/كانون الأول، وقدم ضمانات لنزاهة الانتخابات بمشروع "السلطة المستقلة للانتخابات" الذي صوت عليه البرلمان وكانت الهيئة المشرفة على جميع مراحل العملية الانتخابية للمرة الأولى.
وطوال تلك الفترة، كان بن صالح مع رئيس الحكومة السابق واحداً من "الباءات" التي طالب الحراك الشعبي برحيلها، معتبرين أنها "وجوه من نظام بوتفليقة وأن بقاءها التفاف على مطالب الحراك".
غير أن المتابعين بمن فيهم معارضون لتولي بن صالح رئاسة الجزائر مؤقتاً، أقروا بعد اختراق الحراك الشعبي ورصد الجيش الجزائري مؤامرات داخلية وخارجية بأن "بن صالح كان الشخص المناسب في الوقت المناسب والصعب"، وحافظ على "الحدود الدنيا من حل الأزمة السياسية بعيداً عن الحلول الراديكالية مثل المجلس الانتقالي التي دعت إليه أطراف سياسية على رأسها الإخواني عبدالله جاب الله"، وكان رقماً مهماً في "ضمان انتقال الجزائر من الأزمة السياسية إلى الشرعية الدستورية وتحمّل عبء مرحلة خطرة مرت بها الجزائر رغم وضعه الصحي، بمرافقة وصرامة الجيش الجزائري.
وكانت جمهورية مصر العربية أول محطة خارجية لرئيس الجزائر المؤقت السابق في 19 يونيو/حزيران الماضي، لحضور نهائي كأس أمم أفريقيا لكرة القدم التي جرت على أرض الكنانة وفاز فيها المنتخب الجزائري، أجرى خلالها لقاء مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي.
الرجل الثاني في هرم الدولة
ويعد عبدالقادر بن صالح أطول الشخصيات التي ترأست مجلس الأمة منذ إنشائه عام 1997، وبقي في منصبه لمدة 17 عاماً، بعد انتخابه للمرة الأولى في 2 يوليو/تموز 2002 وأعيد انتخابه في المنصب ذاته في 11 يناير/كانون الثاني 2007، وفي 10 يناير/كانون الثاني 2016.
ويعد بن صالح ثاني رئيس لمجلس الأمة في تاريخه، بعد الراحل بشير بومعزة الذي كان على خلاف "تاريخي" مع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة كما ذكرت شخصيات سياسية، وأُجبر بومعزة على الاستقالة من منصبه في 2002 بعد "ضغوط" مارسها عليه مقربون من نظام بوتفليقة وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام محلية.
وبموجب الصلاحيات الممنوحة له، عُيّن عبدالقادر بن صالح نائباً في "مجلس الشيوخ" من قبل الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ضمن ما يعرف بـ"الثلث الرئاسي" المخصص لرئيس الجمهورية في تعيين أعضاء مجلس الأمة، ليتم بعدها انتخابه رئيساً له.
وأنشأ مجلس الأمة بموجب الدستور الجديد الذي عرضه الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال على الاستفتاء الشعبي في 1996، وتحدد عهدته وولاية رئيسه بـ6 أعوام، بينما تُجدد تشكيلته بالنصف كل 3 أعوام، والمكون من الأحزاب المشكلة للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان)، وفق ما تنص عليه المادة 119 من الدستور الجزائري.
ويعتبر منصب رئيس مجلس الأمة من أهم المناصب في هرم الدولة الجزائرية والثاني بعد رئيس البلاد، وتحدد ذلك في عدة مواد بالدستور الجزائري، أبرزها المادة 102، الذي تخوله رئاسة الدولة مؤقتاً في حالات وفاة رئيس الجمهورية أو الاستقالة أو العجز.
ومنعت عنه عدة صلاحيات كـ"رئيس مؤقت" من بينها الترشح في انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة أو تولي منصب وزير الدفاع، وتحديد السياسة الخارجية ورئاسة مجلس الوزراء، وإعلان حالة الطوارئ.
بن صالح أيضا، وإضافة إلى كونه ثاني رئيس مؤقت للجزائر بعد رابح بيطاط، فهو خامس "رئيس للدولة" في تاريخ الجزائر، بعد رابح بيطاط (1979)، ومحمد بوضياف (1992) وعلي كافي (1992 – 1994)، واليامين زروال (1994 – 1995)، ورئيس الدولة هو الشخصية التي تتولى رئاسة الجزائر في ظروف استثنائية سواء بموجب الدستور في حالة الشغور، أو في حالات استثنائية "فرضت العمل خارج إطار الدستور" كما حدث في أزمة التسعينيات.
من هو عبدالقادر بن صالح؟
عبدالقادر بن صالح الأب لأربعة أبناء، ولد في 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941 بمنطقة "بني المهراز" في محافظة تلمسان (غرب الجزائر).
ويعتبر من جيل الثورة التحريرية (1954 – 1962)، حيث التحق بصفوف جيش التحرير الوطني الذي حارب الاستعمار الفرنسي عام 1959 انطلاقاً من المملكة المغربية، وكان عمرها حينها 18 سنة.
كُلف بن صالح في الثورة التحريرية الجزائرية "بزرع ونزع الألغام"، قبل أن ينتقل إلى قرية "بزغنغن" القريبة من مدينة الناظور المغربية، حيث أصبح محافظاً سياسياً إلى غاية استقلال الجزائر عام 1962.
وفي العام نفسه، طلب بن صالح تسريحه من جيش التحرير الوطني، واستفاد من منحة دراسية إلى جامعة دمشق، التي حصل منها على شهادة بكالوريوس في الحقوق.
ومع ذلك، لم يلتحق عبدالقادر بن صالح بالقضاء، بل عمل صحفياً بيومية "الشعب" الجزائرية الحكومية عام 1967، ثم مراسلاً ومديراً لمكتب الشرق الأوسط في مجلة "المجاهد" الحكومية الأسبوعية، وصحيفة "الجمهورية" اليومية.
وخلال الفترة الممتدة من 1970 إلى 1974، شغل منصب مدير المركز الجزائري للإعلام والثقافة ببيروت وأشرف خلالها على إصدار مجلة "الجزائر: أحداث ووثائق"، ثم مديراً عاماً لصحيفة "المجاهد" الحكومية من 1974 إلى 1977.
عام 1977 قرر بن صالح العودة إلى النشاط السياسي، وانتخب نائباً برلمانياً عن محافظة تلمسان (غرب الجزائر) لثلاث مرات متتالية، ما سمح له بالبقاء في منصبه 15 سنة كاملة، وتولى خلالها رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الجزائري لمدة 10 سنوات.
التحق بعدها بالسلك الدبلوماسي عام 1989، حيث عين سفيرا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية وممثلا دائماً لدى منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وبعدها تم تعيينه في منصب مدير للإعلام وناطقاً رسميًا لوزارة الخارجية الجزائرية.
في أكتوبر/تشرين الأول 1993، أصبح بن صالح عضواً وناطقاً رسمياً "للجنة الحوار الوطني" التي قادت الحوار والتشاور بين مختلف القوى السياسية وممثلي المجتمع المدني، وأعدت ندوة الوفاق المدني في فبراير/شباط 1994، التي انبثقت عنها أرضية الوفاق الوطني التي قامت بموجبها هيئات المرحلة الانتقالية في مرحلة الأزمة التي واجهت البلاد يومها، وتعيين اليامين زروال رئيساً للدولة.
وفي مايو/أيار 1994 انتخب عبدالقادر بن صالح رئيساً "للمجلس الوطني الانتقالي" (برلمان انتقالي) لمدة 3 أعوام، وهي الهيئة التي أوكل لها مهمة التشريع خلال المرحلة الانتقالية.
في فبراير/شباط 1997، أسس بن صالح ومجموعة من السياسيين حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يرأسه حالياً رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، وحصل خلالها على أغلبية مقاعد البرلمان الجزائري في تشريعيات 1997.
وبعد فوزه بمقعد برلماني عن محافظة وهران (غرب الجزائر) انتخب عبدالقادر بن صالح رئيساً "لأول برلمان تعددي" في تاريخ الجزائر في 14 يونيو/حزيران 1997، وانتخب في فبراير/شباط 2000 رئيساً لاتحاد البرلمان العربي لعامين، ورئيساً للاتحاد البرلماني الأفريقي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2004.
في 2 يوليو/تموز 2002، انتُخب عبدالقادر بن صالح رئيساً لمجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري) أو كما يسمى أيضا "مجلس الشيوخ"، وأعيد انتخابه في المنصب ذاته في 11 يناير/كانون الثاني 2007، وفي 10 يناير/كانون الثاني 2016.
عقب ما عُرف بـ"احتجاجات السكر والزيت" بالجزائر، عين الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2011 عبدالقادر بن صالح رئيساً "لهيئة المشاورات الوطنية"، وهي اللجنة التي تولت قيادة المشاورات مع الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وشخصيات وطنية، وخلصت إلى وضع تقرير عن هذه المشاورات تتضمن جملة من الإصلاحات السياسية.
في 2013، عاد بن صالح لتولي الأمانة العامة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي إلى غاية 2015.