القارة الأفريقية بواقعها اليوم أحد الأسواق الواعدة ومصدر مهم للموارد، وتعد فعلا موردا اقتصاديا بكل المقاييس.
تمثل القارة الأفريقية بواقعها اليوم أحد الأسواق الواعدة ومصدرا مهما للموارد، فأفريقيا التي ارتبط اسمها بالفقر والأمراض والحروب تعد فعلا موردا اقتصاديا بكل المقاييس، وهي ربما الحقيقة التي تدركها كثير من القوى الاقتصادية والشركات الكبرى، وفي ذلك نجدها تسعى للاستفادة من مقدرات القارة الأفريقية في إطار علاقة عمودية، يبقى فيها الطرف الأفريقي مجرد تابع أو مستهلك بلغة الاقتصاد.
يعد الاهتمام بالقارة الأفريقية مسألة قائمة على ثنائية الوجود والمنفعة، والعلاقة بهذا الفضاء الجغرافي تدار وفق مفهوم التبعية وبعيدا عن سؤال التنمية وبناء القدرات، وبخمسين سنة ضوئية تقبع أفريقيا بل وتبعد عن مفهوم الإدارة بالسعادة، ليس لأنها لا تستطيع بل لأن سياسة المشروطية أنهكت قواها، ورهنت طموحات شعوبها في التنمية وفي بناء قدراتها.
الواقع التنموي في أفريقيا اليوم قد يبدو مظلما، لكن الأفق يخبرنا بأن الأمل لا يزال قائما لصناعة مستقبل أفضل، فقط تبقى المسألة بحاجة إلى إرادة أفريقية مشتركة للخروج من دائرة التابع للاقتصاديات الغربية نحو نموذج بناء القدرات الذي يسعى أنصار الهاجس الأمني إلى عرقلته بكل السبل.
أعتقد أن تحرير السوق الأفريقية يحتاج إلى إرادة مشتركة يقودها الاتحاد الأفريقي كإطار مؤسساتي عبر دفتر شروط يحدد معالم وملامح الطموح الأفريقي في إطار مشاريع الشراكة الاقتصادية والتنموية، كما أن مقاربة تنويع الشركاء هي نهج عملي ومنطق يجنب أفريقيا اليوم دبلوماسية الضغط التي تنتهجها القوى الغربية الكبرى.
تحتاج أفريقيا إلى أن تفاوض من موقع قوة ومن منظور الشريك الذي يمتلك مقدرات ومقومات أصبح من الضروري تحريرها من السببية الأمنية التي أصبحت مدخلا لصناعة الإرهاب والتطرف وتجارة الآفات، ومن المشروطية السياسية التي أضحت أداة لتمويل وصناعة التهديد، وهو المسعى نفسه الذي يحمله مشروع التقسيم الذي يهدد المنطقة العربية، حيث تخدمه وتموله دول حاقدة على الرصيد الحضاري للدول العربية.
لعل أولى محاولات الانفكاك والهروب الأفريقي من هذا الواقع المضني، نلمسه ونلاحظه في إطار التحول نحو مقاربة تنويع الشركاء، حيث يبرز النموذج الصيني والمقاربة اليابانية في التعامل اقتصاديا مع أفريقيا، وعبر ذلك تطرح أسئلة البديل في مواجهة القوى التقليدية المتحكمة في السوق الأفريقية، سواء عبر منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي انطلق عام 2000، أو التيكاد الذي بدأ سنة 1993 كعنوان للاستراتيجية اليابانية تجاه أفريقيا، لكن ذلك يبقى مرهونا بمدى اعتبار المشروعين بديلا اقتصاديا مرنا، أم أن المساعي تعبر عن رهان سياسي جديد في أفريقيا يصنعه مسعى التنافس الميداني والدبلوماسي بين البلدين.
مما لا شك فيه أن لكل من الصين واليابان رؤيته تجاه أفريقيا، ونلمس ذلك من خلال التفاعلات والمواقف والآراء التي تسجل، لعل آخرها تفاعل وزير الخارجية الصيني الذي عبر عن رفضه للطروحات اليابانية التي جاءت في آخر اجتماع لقمة التيكاد بين اليابان والدول الأفريقية، والتي شككت بطريقة غير مباشرة في قدرة المساعدات الصينية في خلق الثروة وتحقيق التنمية في أفريقيا.
وعبرت اليابان صراحة على ذلك بقولها إنها لا تريد أن ترى أفريقيا ضحية مرة أخرى، وأن يتحول التمويل الصيني لأفريقيا إلى ديون، أسئلة وربما مخاوف تصنعها الطموحات اليابانية والتوجه الصيني في أفريقيا، لكن أعتقد أن السؤال المهم يكمن في الإجابة عن ماذا تريد أفريقيا من الصين واليابان.
أعتقد أننا سنشهد خطة أو مشروعا لليابان يشمل أفريقيا يوازي مسار طريق الحرير للصين، لكن يبقى ذلك في مدى قدرة اليابان على الدخول إلى أفريقيا دون الاعتماد في مشاريعها على فرنسا وتركيا والهند؛ لأن ذلك أصبح يرسم صورة يطبعها التردد الذي تواجهه الصين بدفع قوي لمشاريع البنية التحتية والمساعدات مختلفة الأوجه والمستويات لأفريقيا، من أجل ذلك أعتقد أن تحرير السوق الأفريقية يحتاج إلى إرادة مشتركة يقودها الاتحاد الأفريقي كإطار مؤسساتي عبر دفتر شروط يحدد معالم وملامح الطموح الأفريقي في إطار مشاريع الشراكة الاقتصادية والتنموية، كما أن مقاربة تنويع الشركاء هي نهج عملي ومنطق يجنب أفريقيا اليوم دبلوماسية الضغط التي تنتهجها القوى الغربية الكبرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة