لم يكن العراق يعرف أصحاب القبعات الزرق إلا مع انطلاق ثورة تشرين، وهم يتسللون إلى المظاهرات السلمية.. وسرعان ما كشفت عن وجههم البشع
في كل يوم، يتصدر المشهد السياسي في العراق موضة جديدة وصادمة، آخرها القبعات الزرق التي تبناها تيار مقتدى الصدر وأنصاره من مليشيات ما يُطلق عليهم سرايا السلام، وهو جزء من جيش المهدي وأحد فروع الحشد الشعبي. استعار هؤلاء اسم القبعات الزرق من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام الشهيرة بهذا الاسم، ولكن المفارقة أن هؤلاء لا يمتون بصلة إلى جوهرها الأصلي. كان الغرض من القبعات الزرق أن تكون حيادية وبدون سلاح لفك الاشتباكات، إلا أن القبعات الزرق الحالية التي راحت تنتشر في أنحاء بغداد والنجف وغيرها من المحافظات لم يكتف أصحابها بحمل الهراوات "التواثي باللهجة العراقية" والعصي والأسلحة البيضاء مثل السكاكين، إضافة إلى الأسلحة النارية، ولم يتوانوا عن حرق خيام المعتصمين السلميين وقتلهم بدم بارد، سواء بإطلاق النار أو الطعن بالسكاكين والضرب بالهراوات، بحجة الحافظ على النظام، بينما هدفهم الخفيّ هو تفكيك هذه المظاهرات ووأد ثورة الشعب العراقي والإبقاء على نظام المحاصصة الطائفية والفساد. ووصلت جرائمهم إلى حد رمي أحد المتظاهرين من أعلى المطعم التركي ذي السبعة طوابق، ليسقط شهيداً مضرجاً بدمائه.
هل الدواء هو أصحاب القبعات الزرق أم أنهم الداء العضال الذي ينخر جسد ثورة تشرين، ويريد النيل من رموزها لأنها فضحت المدعين والمتسترين وراء العمامات الغليظة، والوعظ الكاذب، والخطابات النارية، وبات العراقيون يعرفون: مَنْ مع تحقيق أحلامهم ومستقبلهم ومَنْ يحاول إجهاضها ووأدها؟
لم يكن العراق يعرف أصحاب القبعات الزرق إلا مع انطلاق ثورة تشرين، وهم يتسللون إلى المظاهرات السلمية. وسرعان ما كشفت عن وجههم البشع وتحولت إلى سلاح إيران ضد كل تغيير، فهي تريد أن تحارب بهم أمريكا، وتخفف بهم من وطأة الحصار المفروض عليها. أصحاب القبعات الزرق لا يختلفون عن المليشيات الأخرى، ولا عن القوات الأمنية في ضرب المتظاهرين. وهو يرتدون القبعات أو بالأحرى "الكاسكيت" في رؤوسهم ليتمكنوا من التعرّف على بعضهم وسطَ زخم الآلاف من المتظاهرين، وكذلك لتمكين القوات الأمنية من الجيش والشرطة والأجهزة الأخرى لتمييزهم وإفساح المجال أمامهم لتنفيذ خططهم المبيتة.
ولا يزال مقتدى الصدر يتخبّط في أفكاره وسياسته، فهو لا يثبت على رأي إلا اللهم في تأييده المُطلق لإيران وشرور أذرعتها في العراق. فهو أول مَنْ أسس للمليشيات في العراق من خلال جيش المهدي للادعاء بمقاتلة الجيش الأمريكي، وهو الآن يتهم ثورة تشرين بأنها تابعة لأمريكا وسماهم بدون وجهة حق بـ"المخبرين والعصابات، والمنحرفين أخلاقيا". والحقيقة أن ثورة تشرين سحبت البساط من تحت أقدام أنصار مقتدى الصدر، ووجد الأخير نفسه في موقف محرج، رغبة منه في تصدّر المشهد السياسي دائماً، لذلك أمر أتباعه بالاندساس بين المتظاهرين ومحاولة تفكيك قضيتهم العادلة. وكذلك في ساحات الاعتصام في المحافظات الجنوبية الثائرة من أجل تمرير صفقة ترشيح رئيس الوزارء الجديد محمد توفيق علاوي الذي رفضته ثورة تشرين رفضاً قاطعاً؛ لأنه ينتمي إلى الأحزاب الفاسدة.
إنهم يريدون إنهاء ثورة تشرين وإخلاء ساحة التحرير منهم بالقوة، وهو الذي يشارك في حكم الأحزاب الفاسدة، ويشكل قوة كبيرة، لأنه يمتلك 54 نائباً في البرلمان و6 وزارات و10 وكلاء وزارة، إضافة إلى هيمنة حيتانه على الاقتصاد والبترول وموارده. ووصلت اعتداءاتهم على الطلبة، وقتلهم بطريقة بربرية ووحشية، بعد رفضهم أي انقلاب على ثورة تشرين أو التحكم في مسارها. هذا الزعيم الإشكالي الذي كان ينادي بـ"شلع قلع" أي إزالة الطغمة الحاكمة، شعر بأن عرشه سيتهاوى مع ثورة تشرين، فأطلق القبعات الزرق، وهم من أتباعه وأنصاره ومن المغرر بهم من الشباب الجاهل؛ لأنه خدعهم باسم الدين وإرث عائلته الدينية وسطوة إيران، في حين لم يقدم أي إصلاح لمدينة الصدر التي ينتمي إليها معظم أتباعه وأنصاره؛ حيث لا تعليم، ولا ثقافة، ولا جامعات، ولا بنية تحتية، بل زّج الشباب في مليشيات لا تعرف سوى القتل والمال والخطف والسرقة.
هكذا يصطف مقتدى الصدر إلى جانب الأحزاب الفاسدة بدلاً من الوقوف مع المظاهرات السلمية من أجل تحقيق دولة القانون والعدالة واستعادة الوطن من الفاسدين والسرّاق، فهو نصّب نفسه شرطياً لقمع المظاهرات السلمية ليس إلا. ولم يعد خافياً على المتظاهرين الوجه القبيح الذي كان يخفيه على مدى سنوات، وهو يتذبذب بين الولاء للنظام الفاسد والثورة الكلامية ضده، والولاء لإيران. وكل تياره السياسي قائم على تضليل العراقيين وكسب المزيد منهم، وتجهيلهم، وجعلهم أداة بيده متى ما شاء يستخدمهم، ويكفي أن يصبح "أبودرع" وهو مجرم مليشياوي، أيقونته المفضّلة. ولا يزال يصّر على أن يكون زعيماً سياسياً، بوجه ديني وعائلي وإقطاعي، مستخدما الأساليب كافة في علاقته مع الحكومات المتعاقبة؛ حيث أصبح لعبة بأيدي خامنئي وقادة الحرس الإيراني، يحركونه وفقاً لرغباتهم، وبما يخدم أجندتهم.. هكذا تذكي القبعات الزرق الاقتتال الداخلي الذي ظل خافياً تحت رماد الصراع الطائفي المقيت.
إن "المليشيات في العراق ترتكب أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان بحق المتظاهرين السلميين"، ليس هذا كلامي بل كلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
فهل الدواء هو أصحاب القبعات الزرق أم أنهم الداء العضال الذي ينخر جسد ثورة تشرين ويريد النيل من رموزها؛ لأنها فضحت المدعين والمتسترين وراء العمامات الغليظة، والوعظ الكاذب، والخطابات النارية، وبات العراقيون يعرفون: مَنْ مع تحقيق أحلامهم ومستقبلهم ومَنْ يحاول إجهاضها ووأدها؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة