بعد 3 أعوام على المقاطعة.. هل ستنجح الوساطة في حل أزمة قطر؟
إجابة هذا السؤال تقتضي معرفة الأسباب التي دفعت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب لإعلان قطع العلاقات
تحل اليوم الذكرى الثالثة على المقاطعة العربية لقطر، فيما تعد الأسئلة الأكثر إلحاحا على الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، هي: متى يعود النظام القطري إلى جادة الصواب، ويتخلى عن سياسته العدائية ضد دول المنطقة وشعوبها ودعمه للإرهاب؟ وهل تستطيع الوساطة أيا كانت حل تلك الأزمة؟ وما هي فرص حل تلك الأزمة؟
في التقرير التالي، تحاول "العين الإخبارية" الإجابة عن الأسئلة الأكثر إلحاحا للشعوب العربية والخليجية.
إجابة هذه الأسئلة تقتضي معرفة الأسباب التي دفعت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، يوم 5 يونيو/حزيران عام 2017، إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
ثم عرض جهود كل من الرباعي العربي من جانب وقطر من جانب آخر لحل تلك الأزمة.
قطر بين أزمتين
ولفهم أزمة قطر الثانية (5 يونيو/حزيران 2017)، لابد من العودة إلى أزمتها الأولى (5 مارس/آذار 2014)، لارتباطهما ببعضهما بعضا.
بدأت أزمة قطر الأولى يوم 5 مارس/آذار 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، لعدم التزام قطر باتفاق مبرم في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بالعاصمة السعودية الرياض، ووقّعه أميرها تميم بن حمد آل ثاني، بحضور العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأيده بقية قادة دول مجلس التعاون الخليجي.
وانتهت الأزمة يوم 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بتوقيع قطر اتفاقا جديدا في اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين (اتفاق الرياض 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 واتفاق الرياض التكميلي 16 نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٤).
وأبرز بنود الاتفاقين التي وقع أمير قطر تميم على الالتزام بها: وقف دعم تنظيم الإخوان الإرهابي، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، وعدم تقديم الدعم لأي تنظيم أو فئة في اليمن يخرب العلاقات الداخلية أو مع الدول المحيطة.
كما تعهد تميم أيضا بالالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته.
ومن أبرز البنود أيضا الالتزام بالتوجه السياسي الخارجي العام الذي تتفق عليه دول الخليج، وإغلاق المؤسسات التي تُدرِّب مواطنين خليجيين على تخريب دولهم.
كما وقّع تميم على بند يمنح دول الخليج الحرية في اتخاذ إجراءات ضد قطر في حال عدم التزامها.
وافت المنية العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز يوم ٢٣ يناير/كانون الثاني ٢٠١٥، وانقلبت قطر كليا على تعهداتها وأطلقت الحبل على الغارب لدعم جماعة الإخوان الإرهابية، ودعم وإيواء الإرهابيين وتوفير ملاذات آمنة لهم، وتنفيذ أجندات مشبوهة تضر بالأمن القومي الخليجي والعربي بالتعاون مع حلفاء الشر (تركيا وإيران).
وبعد أن استنفدت دول الرباعي العربي كل الوسائل لإقناع قطر بالرجوع إلى طريق الحق والالتزام بما تعهدت به ووقف دعمها للإرهاب، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يوم ٥ يونيو/حزيران ٢٠١٧ قطع علاقتها مع قطر، بسبب إصرار الأخيرة على دعم التنظيمات الإرهابية في عدد من الساحات العربية.
وفي 22 يونيو/حزيران ٢٠١٧، قدمت الدول الأربع إلى قطر، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلبا لإعادة العلاقات مع الدوحة، كلها تدور في فلك ما سبق أن تعهد به أمير قطر في إطار اتفاق الرياض ٢٠١٣ واتفاق الرياض التكميلي ٢٠١٤.
ماذا فعلت الدوحة لحل أزمتها؟
بدلا من أن تبدأ قطر في تنفيذ المطالب الـ13 للدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب الهادفة إلى تصويب سياسة نظامها استمرت في المكابرة، وحاولت تدويل الأزمة.
- على مدار 3 أعوام، لم يوفر محمد عبدالرحمن آل ثاني وزير خارجية تميم مناسبة إلا وزعم فيها أن الدول المقاطعة لبلاده تستهدف التدخل في شؤونها عبر المطالب الـ13، متجاهلا أن معظم تلك المطالب سبق أن تعهدت الدوحة بالالتزام بها عبر توقيعها في اتفاق الرياض 2013، وكذلك الاتفاق التكميلي في 2014، وأن كل تلك المطالب تصب في صالح استقرار أمن دول الخليج والمنطقة وعلى رأسها قطر، وحمايتها من عبث نظام "الحمدين".
- واصلت قطر التدخل في شؤون دول المنطقة الداخلية بشكل يمس أمنها القومي، عبر التآمر مع العملاء على الأرض أو عبر شن حملات افتراء وترويج أكاذيب منظَّمة وممنهجة تقوم بها قناة "الجزيرة" وإعلام قطر، وتنظيم منتديات ومؤتمرات تستهدف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.
- بدأت قطر تعمل في تحالفات علنية وبشكل صريح تضم تركيا وإيران للإضرار بأمن واستقرار دول المنطقة، والعمل على شق الصف الخليجي والعربي.
- واصل نظام الدوحة دعم الجماعات الإرهابية ، وفي اعتراف ضمني بالاتهامات التي وجهتها له دول الرباعي العربي بدعم الإرهاب، أصدرت الداخلية القطرية في مارس/آذار 2018، قائمة بشخصيات وكيانات أدرجتها على قائمة الإرهاب، تشمل تصنيف 20 شخصا و8 كيانات، سبق أن تم إدراج معظمهم في قوائم الإرهاب الصادرة عن الدول المقاطعة لقطر، والتي كانت تنكرها الدوحة حين صدورها.
- استنزف نظام الدوحة ثروات الشعب القطري بإنفاق ملايين الدولارات على وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات وشركات العلاقات العامة الغربية لتحسين صورته، واستغلالها في الهجوم على الدول المقاطعة لبلاده.
جهود مضنية وأموال طائلة أنفقها نظام الدوحة، بدلا من أن تسهم في حل أزمته، ساهمت في تعميقها وزيادة عزلته.
6 فرص ضائعة
وتمثلت أبرز تجليات تلك العزلة في غياب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني عن 6 قمم استضافتها السعودية على مدار أعوام المقاطعة الثلاثة، كانت بمثابة 6 فرص لحل الأزمة.
وغاب أمير قطر عن القمة العربية الـ29 في مدينة الظهران السعودية إبريل/ نيسان 2018، والقمتين الخليجيتين في الرياض ديسمبر/كانون الأول 2018 و2019.
كما غاب عن القمتين العربية والخليجية الطارئتين في مكة 30 مايو / أيار 2019، ثم عن القمة الإسلامية العادية الـ14 التي عقدت في مكة في اليوم التالي.
وأكد خبراء ودبلوماسيون أن تفويت قطر فرصة المشاركة في القمم الست التي استضافتها السعودية على أهميتها، وخصوصا القمة الخليجية الأخيرة في الرياض ديسمبر الماضي، يشير بشكل واضح إلى ضياع البوصلة السياسية لنظام الحمدين، وفقدانه لسيادته، وانحيازه لحلفائه ( تركيا وإيران) ضد أمن واستقرار المنطقة.
فخلال الفترة التي سبقت القمة، وبالتحديد في أكتوبر/تشرين الأول 2019، منحت السعودية قطر فرصة لإجراء محادثات لتسوية أزمتها، والتعهد بإحداث تغيير جوهري فيما يرتبط بسياستها الخارجية تجاه المملكة والإمارات ومصر والبحرين.
وقبلت الدول الخليجية المقاطِعة لقطر "السعودية والإمارات والبحرين" المشارَكة في كأس الخليج العربي لكرة القدم "خليجي 24" التي استضافتها قطر خلال الفترة ما بين 26 نوفمبر و 9 ديسمبر 2019، كبادرة حسن نية لإظهار أن الأنشطة الخليجية المشتركة تظل بمنأى عن الخلاف السياسي، وأن هناك فصلا بين التظاهرات الرياضية والتوظيف السياسي.
ورغم تلك الأجواء الإيجابية، غاب أمير قطر عن القمة الخليجية التي عقدت في الرياض، ديسمبر/كانون الأول 2019، في دلالة واضحة على عدم جدية قطر على حل الجذور الحقيقية للأزمة، الأمر الذي دفع الرياض لإنهاء المحادثات التي بدأتها مع قطر.
كما ظهر جليا خلال تلك المحادثات استمرار قطر في سياساتها التخريبية، عبر محاولة استغلال تلك المحادثات لمحاولة شق صف دول الرباعي العربي، لكن الرد نزل عليها حاسما من دول الرباعي العربي بأننا دول الرباعي يد واحدة.
هل يمكن للرباعي العربي التراجع عن مطالبه؟
إذن في ظل هذا التعنت القطري، هل يمكن لدول الرباعي العربي أن تتراجع عن مطالبها؟
عند الإجابة على هذا السؤال من المهم التأكيد مجددا أن المطالب الـ13، لحل الأزمة سبق أن تعهدت الدوحة بالالتزام بها عبر توقيعها في اتفاق الرياض 2013، وكذلك الاتفاق التكميلي في 2014، وأن كل تلك المطالب تصب في صالح استقرار أمن دول الخليج والمنطقة وعلى رأسها قطر.
ولا يوجد عاقل يرى أن إلزام دولة بمكافحة التطرف والإرهاب، ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة لها، وإيقاف كافة أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، يعد تعنتا من قبل دول الرباعي العربي.
ما هي آفاق حل الأزمة؟
واليوم وبعد 3 أعوام من المقاطعة، ما هي فرص عودة النظام القطري إلى صوابه؟ وهل تستطيع أن تجدي وساطة أيا كانت في حل تلك الأزمة دون علاج مسبباتها؟
الواقع يقول أن الأزمة القطرية تدخل عامها الرابع، ولا تزال مسبباتها قائمة في ظل تعنت النظام القطري الحاكم وإصراره على دعم الإرهاب وتوظيف قناة "الجزيرة" وإعلامه لإثارة الفتنة وتزييف الحقائق ، والتدخل في الشؤون الداخلية العربية.
وثمة إجماع من دول الرباعي العربي أنه لن يكون هناك حل لأزمة قطر، مهما طال الوقت إلا بعلاج أسبابها، وذلك عبر استجابتها لمطالب الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، وتوقّفها عن دعم الجماعات المتطرفة.
والكفّ عن التدخل في شؤون تلك الدول، وإعادة تصويب خطابها الإعلامي المروج للكراهية التي تتبناه وسائل إعلامها، وعلى رأسها "الجزيرة"، وبالتالي فإن نجاح فرص حل الأزمة ونجاح جهود أي وساطة مرهون بمدى تجاوب قطر على الالتزام بتنفيذ ما سبق أن تعهدت به.