قمة «قازان» تشغل العالم.. «بريكس» في عيون المؤسسات الدولية
انعقدت في مدينة قازان الروسية على ضفاف نهر الفولجا أول قمة لمجموعة بريكس بعد الانضمام الرسمي للإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وإثيوبيا إلى الكتلة.
وفي حين دارت المناقشات حول إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب، فإن السؤال المهم هو: هل هذه المجموعة قادرة على صياغة بديل حقيقي للنظام الدولي الذي يقوده الغرب؟
نقل تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" عن "أوليفر ستونكل"، الخبير في مجموعة بريكس في مؤسسة جيتوليو فارغاس، جامعة ومركز أبحاث في البرازيل، قوله إن مجموعة بريكس الموسعة هي في الواقع مجموعة متنوعة.. والغرب عندما ينتبه إلى مجموعة بريكس يميل إلى رفضها باعتبارها مجموعة غير متماسكة.
وأضاف لكن هناك خيط مشترك لا يقل قوة عن الخيط الذي كان وراء مؤتمر باندونغ في عام 1955، الذي أطلق جهود الجنوب العالمي لخلق عالم جديد شجاع، وهذا هو مدى الاستياء من النفاق والهيمنة الغربية، وكلها عوامل تساعد في ربط العضوية الفضفاضة في مجموعة بريكس، وقد أصبح هذا واضحا بشكل خاص بشأن قضايا مثل الصراع في الشرق الأوسط، والعقوبات الأمريكية، والتكلفة الباهظة التي تتحملها البلدان المتوسطة الدخل بسبب امتياز الدولار الباهظ.
خطوات تدريجية
ومن جانبها، قالت أصلي أيدينتاسباس من مؤسسة بروكينغز "إنها ليست كتلة متماسكة، لكنها رسالة متماسكة، حول الرغبة في نظام عالمي بديل، وهي تأتي من اقتصادات كبيرة".
وأضافت "لقد استغرق الأمر 8 سنوات حتى تتمكن بلدان مجموعة بريكس من التحول إلى تجمع مناسب و6 سنوات أخرى لبدء وضع أسس نظام عالمي بديل".
وقالت: بحلول عام 2015 كان لدى مجموعة بريكس بنك يسمى بنك التنمية الجديد، وكان من المفترض أن يقدم بديلا للمقرضين الذين يهيمن عليهم الغرب مثل البنك الدولي، ولكن في السنوات الأخيرة نجحت هذه الفكرة إلى حد ما: إذ كان بنك التنمية الجديد يتوقع أن يقدم قروضاً بقيمة تتراوح بين 8 و10 مليارات دولار في العام الماضي، مقارنة بـ73 مليار دولار وزعتها وسيلتا التمويل التابعتان للبنك الدولي.
وأوضحت: لكن في حين يهدف "بنك بريكس" إلى زيادة القروض غير الدولارية فإنه لا يزال يصطدم بالواقع، فقد اضطر بنك التنمية الجديد إلى تعليق عملياته في روسيا، الدولة العضو، بسبب العقوبات الأمريكية على موسكو.
وفي السنوات التي تلت ذلك عملت الدول الأعضاء أيضاً على إقامة روابط غير مرئية ولكنها بالغة الأهمية من خلال اجتماعات متوسطة المستوى لتعميق العلاقات في مجالات التجارة والاستثمار والدبلوماسية والقانون والتمويل وغير ذلك، والواقع أن الأفكار التي تحرك مجموعة البريكس -إصلاح الحكم العالمي وزيادة السيادة السياسية والمالية- لا تزال اليوم واسعة بما يكفي لإيواء العضوية المترامية الأطراف بالكامل.
إن كل أنواع البلدان، خاصة تلك البلدان في مجموعة بريكس التي تتمتع بثقل اقتصادي أكبر من النفوذ الجيوسياسي، تريد أن ترى إصلاحات في الطريقة التي يُدار بها العالم، وجميع هذه البلدان تشترك، بدرجة أو بأخرى، في الرغبة المفهومة في الإفلات من طغيان الدولار، حتى إن حلفاء الولايات المتحدة الأقوياء خارج مجموعة بريكس مثل فرنسا وألمانيا يشعرون بالاستياء من قيود الدولار.
ولكن المشكلة هي أن الكتلة لم تفعل أي شيء ملموس لإنشاء نظام عالمي جديد، وأعضاء مجموعة بريكس لديهم خلافات مختلفة مع مركزية الدولار، الذي يعمل على توحيدهم في الوقت الحالي ولكنه يسلط الضوء أيضاً على الشقوق التي تنتظر الاتساع.
وبالنسبة لبعض الدول، مثل الصين وروسيا وإيران، فإن البديل للدولار يعني وسيلة لحماية اقتصاداتها من العقوبات، فلا يزال تجميد الغرب حيازات روسيا في البنوك المركزية في الخارج، ومصادرتها المحتملة، في أوائل عام 2022، قصة مؤلمة وتحذيرية للدول التي تخشى أن تكون التالية، حتى لو لم تسع إلى حرب.
ولأن الدولار يظل العملة الأكثر استخداما في التجارة عبر الحدود، والعملة الرئيسية في خزائن البنوك المركزية، ولأن البنوك الأمريكية تشارك في نهاية المطاف في كل معاملة بالدولار تقريبا، فإن نطاق العقوبات الأمريكية عالمي وساحق.
شعور مشترك
إن الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة البريكس تشعر بالانزعاج أيضاً إزاء هيمنة الدولار، ولكن ليس لأنها تخشى العقوبات في حد ذاتها لكن بسبب أن الدولار يهيمن على حياتها الاقتصادية وليس لها أي رأي في ذلك.
والعديد من هذه الدول مصدرة للسلع الأساسية وليس لديها خيار سوى التجارة بالدولار، لأن أسواق السلع الأساسية تظل مقومة بالدولار.
ومن الممكن أن يؤدي نقص الدولارات إلى شل حركة التجارة وإرباك المالية العامة، وجميع هذه الدول معرضة لتقلبات قرارات أسعار الفائدة التي يتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي قد تجعل قيمة أموالها أقل، ومعدلات التضخم أعلى، وأرصدة رأس المال لديها مهددة، وديونها غير قابلة للاستدامة.
والحقيقة أن الدولار يظل مهيمناً، فقد زادت حصته في المعاملات عبر الحدود في السنوات الأخيرة ويظل العملة الرئيسية (وإن كانت في انحدار) المفضلة لدى البنوك المركزية.
وقد ارتفع الرنمينبي الصيني قليلا في حصته من التجارة عبر الحدود، ولكن هذا يرجع في الأغلب إلى أن الصين دولة تجارية كبيرة وأن معظم تجارة العملة تنطوي على أطراف صينية إما تشتري وإما تبيع، ولكن ما يجعل حصة الدولار المرنة ملحوظة هو أنه يظل العملة المفضلة للدول الثالثة البعيدة تماماً عن الولايات المتحدة.
وفي حين اتخذت روسيا والصين خطوات لزيادة استخدام الرنمينبي في تجارتهما المتنامية عبر الحدود، ووقعت الصين على عدد قليل من صفقات النفط الرمزية التي سيتم سدادها باليوان، فإن هذه ليست نذيرا بقدوم عملة عالمية.
ويقول روبرت جرين، الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ونائب رئيس شركة باتوماك جلوبال بارتنرز للاستشارات المالية: "من السهل أن نشكو من نموذج الوضع الراهن، ولكن من الأصعب أن نتصور كيف قد يبدو البديل القابل للتحقيق بشكل واقعي".
وأضاف: هناك فرق بين زيادة استخدام الرنمينبي في المدفوعات وإزالة الدولرة الفعلية، وهناك تصادم مرتبط بين توسع مجموعة بريكس وتوسع طموحاتها في استبدال الدولار، فالدول المتوسطة تعتمد في الواقع على الدولار الأمريكي أكثر من الاقتصادات الأكبر مثل الصين.
وبالنسبة لعدد كبير من البلدان يكاد يكون من المستحيل حتى تداول العملات، ناهيك عن تسوية المدفوعات، دون استخدام الدولار كوسيط، وكلما كبر حجم مجموعة بريكس أصبح الدولار أكثر صرامة بالنسبة لأعضائها.
وأخيرا.. هناك مشكلة فلسفية في جهود المجموعة لصياغة بديل للدولار، في حين أن البديل الجاد الوحيد المعروض هو الرنمينبي.
لقد قطعت الصين خطوات كبيرة في المجالات التقنية مثل زيادة خطوط المبادلة الثنائية لجعل العملة الصينية متاحة بسهولة للدول الشريكة، كما أنشأت نظام مدفوعات موازيا يمكن أن يتفوق على منصة سويفت التي تسيطر عليها الدول الغربية، التي تشرف على المعاملات بين البنوك.
حتى إن الصين مولت أعضاء محتملين في مجموعة بريكس مثل الأرجنتين بكميات كبيرة من اليوان لتمكينهم من سداد ديونهم الدولارية لمنظمات مثل صندوق النقد الدولي، وكل هذا يقطع شوطاً قليلاً نحو توفير بدائل للدولار، في بعض الأماكن وفي بعض الأحيان.
واختتم تقرير فورين بوليسي بالتساؤل "إذا كانت الطريقة الوحيدة لخلع الدولار، وبالتالي تحييد واشنطن، هي تتويج الصين كرئيس مالي للعالم فإن هذا لا يعني خلق نظام متعدد الأقطاب، بل إنه مجرد مقايضة سيد بآخر!".
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA== جزيرة ام اند امز