عدد البريطانيين الدواعش وصل إلى 850 شخصا، عاد نصفهم خلال الفترة الماضية قبل القضاء الجزئي على التنظيم في سوريا والعراق.
أعلن وزير العدل البريطاني ديفيد جاوك مؤخراً أن بريطانيا تستعد لاستقبال البريطانيين الذين انضموا لتنظيم داعش في سوريا والعراق عند عودتهم للأراضي البريطانية. أكد الوزير أن هناك وحدتين منفصلتين في السجون لوضع العناصر الخطرة منهم فيها حتى لا يختلطوا ويجندوا عناصر متطرفة أخرى. يضاف إلى ذلك وضع أطفال الأسر الداعشية تحت الرعاية الاجتماعية بعيداً عن أسرهم لأنها بيئات غير مناسبة للأطفال. وأخيراً شمل الإعلان محاولة إدماج العناصر الأقل خطورة في المجتمع.
تثير تلك التصريحات الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مدى فعالية تلك السياسات في الحد من خطر الدواعش البريطانيين من جانب، والتناقض في تصريحات المسؤولين البريطانيين بهذا الخصوص، والتهديدات التي يمثلها هؤلاء على سلامة المجتمع البريطاني بصورة خاصة والمجتمع الدولي بصورة عامة.
أعتقد أنه يجب التعامل مع هؤلاء خارج الأراضي البريطانية، ومن الخطورة جلب الذين يشكلون تهديداً كبيراً على أمن وسلامة المجتمع إلى الداخل البريطاني قبل التعامل معهم عقائدياً وفكرياً ونفسياً
تجدر الإشارة إلى أن عدد البريطانيين الدواعش وصل إلى 850 شخصا، عاد نصفهم خلال الفترة الماضية قبل القضاء الجزئي على التنظيم في سوريا والعراق، ولقي 100 منهم حتفهم. ومن غير المؤكد العدد المتوقع الذي ينوي العودة. ولكن أياً كان العدد، فهل تجدي تلك السياسات القاضية بإدماجهم في المجتمع، ووضع بعضهم في وحدات سجن خاصة منفصلة عن باقي السجناء، وأخذ أطفال الأسر الداعشية من آبائهم ووضعهم تحت رعاية الدولة؟
إن إعادة إدماج العناصر الأقل خطورة فكرة جيدة، ولكن تطبيقها صعب بسبب عدم وجود برنامج إعادة تأهيل شامل من جانب، وتمكن الفكر المتطرف منهم بدرجات متفاوتة، ورؤيتهم القتلى والجرحى جراء الضربات الجوية للتحالف الدولي ضد داعش وبريطانيا جزء من هذا التحالف. ومن هنا فتركيبة كراهية بريطانيا داخل هؤلاء الدواعش متأصلة وعميقة. يحتاج الأمر إلى وقت طويل وبرنامج مدروس بعناية لتحقيق تلك المهمة شبه المستحيلة.
هناك الآلاف من المتطرفين الذين ينتشرون في شوارع بريطانيا ويستغل هؤلاء المتطرفون أجواء الديمقراطية والقوانين للتحرك بحرية. يذكر أنه تمت محاكمة عمر أحمد حقي وهو مدرس دين يبلغ من العمر 25 عاما بتهمة قيامه بتربية الأطفال ليكونوا انتحاريين. إن اعتقاد هؤلاء المتطرفين بأن الغرب ضد العرب والمسلمين قد لايتغير لأنهم يرون أن السياسة الخارجية البريطانية هي السبب في التطرف، وما لم تتغير تلك السياسة، فإن التطرف سيستمر.
ومن الصعوبة تصور تغير السياسة الخارجية البريطانية بما يرضي فكر هؤلاء. وبخصوص الوحدات المنفصلة في السجون قد تقلل من تجنيدهم لآخرين داخل السجون، ولكن لا تمنع استمرارهم في إيمانهم بأفكارهم المتطرفة وكراهية المجتمع البريطاني أكثر من السابق. أما فيما يتعلق بعزل الأطفال عن آبائهم فإن الأمر يحتاج إلى تدخل القضاء ليحكم في ذلك.
كما أن بعض الأطفال قام بالقتل مثل جوجو بن سالي جونز الداعشية البريطانية، فقد قتل سجناء وهو في سن الثانية عشرة من عمره. إن تعقد بعض الحالات مثل جوجو يمثل تحدياً كبيراً أمام السلطات لإعادة تأهيلها.
إن ما يعقد الأمور أكثر بخصوص معالجة ملف الدواعش البريطانيين هو تناقض تصريحات المسؤولين البريطانيين بشأن التعامل معهم. فمثلا يرى وزير الدفاع البريطاني جافين ويليامسون أنه لا يجب السماح بعودة الإرهابيين إلى بريطانيا أو أي بلد آخر، ويجب عمل كل شيء لمنع حدوث ذلك.
ومن هذا الفريق مارك راولي أحد كبار المسؤولين عن ملف مكافحة الإرهاب الذي يؤكد أنه يجب معاملة المتطرفين مثل الأشخاص الذين يستهدفون الأطفال من الناحية القانونية. ولكن على الجانب الآخر يرى ماكس هيل المراجع المستقل لتشريعات مكافحة الإرهاب أنه يجب عدم معاقبة مَن تم التغرير بهم وذهبوا للانضمام لتنظيم داعش ويجب إعادة إدماجهم في المجتمع، ويؤيد ذلك بالطبع وزير العدل البريطاني.
إن التناقض في التصريحات يعطي رسائل مربكة للدواعش البريطانيين، فبينما يفكر البعض في العودة، يفكر آخرون في التوجه لبلدان أخرى.
في النهاية أعتقد أنه يجب التعامل مع هؤلاء خارج الأراضي البريطانية، ومن الخطورة جلب هؤلاء الذين يشكلون تهديداً كبيراً على أمن وسلامة المجتمع إلى الداخل البريطاني قبل التعامل معهم عقائدياً وفكرياً ونفسياً.
يضاف إلى ذلك ضرورة العمل الجاد على برنامج إعادة تأهيل شامل يغطي جميع الجوانب المتعلقة بالمتطرفين وتطبيقه في منطقة ما خارج بريطانيا. إن ذلك قد يوفق بين وجهتي النظر والتوصل لطريق وسط يحمي المجتمع البريطاني من جانب، ويساعد بعض الدواعش على الشفاء من مرض التطرف والعنف.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة