هزة بسوق العقارات البريطاني.. أكبر تراجع في 10 أعوام
شهدت أسعار العقارات في بريطانيا أكبر تراجع على أساس سنوي في 10 أعوام، وتقدر قيمة القطاع السوقية بأكثر من 250 مليار جنيه استرليني.
وهو ما يجعل أي هزة يتعرض لها تؤثر على الاقتصاد برمته؛ حيث يعتبر قطاع العقار في المملكة المتحدة ثاني أكبر قطاع عقاري في أوروبا بعد ألمانيا.
تراجع أسعار العقارات في لندن.. والإيجارات تقفز 20%
وكان بنك "هاليفاكس" Halifax قد أفاد في تقرير له خلال مارس/آذار الجاري، بأن متوسط أسعار المنازل في لندن قد انخفض بنسبة 0.9% خلال 2022، لكن مؤسسة "فوكستونز" للوساطات العقارية لفتت إلى أن ضغط الطلب دفع بالإيجارات صعودًا بنسبة 20%.
وينسجم تراجع أسعار العقار مع الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البريطانيون؛ حيث تسود حالة من القلق والترقب في كل مرة يقرر فيها البنك المركزي رفع معدل الفائدة، مما يعني زيادة معدلات الفائدة بالنسبة للأشخاص الراغبين في الحصول على قروض لشراء العقار.
وبلغة متشائمة، تحدثت كل التقارير الاقتصادية عن أسعار العقارات في البلاد؛ حيث تشير التوقعات إلى أن الأسعار تنخفض بنسبة تتراوح بين 5 و12%، فيما تذهب بعض التقديرات إلى السيناريو الأسوأ، وهو الانهيار بنسبة 20%.
ويأتي هذا التراجع في أسعار العقارات في بريطانيا بعد الارتفاع الصاروخي الذي شهده خلال جائحة كورونا عندما كان سعر الفائدة قريبا من 0.2%، مما أدى لارتفاع الطلب على اقتناء المنازل في بريطانيا، قبل أن يتراجع الطلب بشكل كبير بعد أن أصبح معدل الفائدة للحصول على قرض يصل إلى 6% في بعض الحالات.
وفيما يتعلق بسوق العقار ككل في كافة أنحاء المملكة المتحدة، ارتفعت قيمة العقارات بنسبة 1.1% على أساس شهري في فبراير/شباط 2023، مقارنة بنمو بواقع 0.2% في يناير/كانون الثاني الماضي، وفق "هاليفاكس". وسجل متوسط سعر العقار في المملكة المتحدة في فبراير/شباط الماضي 285 ألفاً و476 جنيهاً استرلينياً (338 ألف دولار أمريكي).
وشهد القطاع العقاري في كل من إيرلندا الشمالية، وميدلاندز، ويوركشاير أند همبر أكبر زيادات سنوية في النسب المئوية.
ومن جانبها، حذرت شركة "فوكستونز" العقارية التي تتركز نشاطاتها في لندن، من أن العام المقبل سيشهد تحديًا أكبر؛ إذ من المتوقع أن يكبح ارتفاع معدلات الفائدة مبيعات المساكن.
وأفادت بأنها بدأت خلال 2023 بعدد أقل من المنازل المعروضة للبيع مقارنة بالعام السابق، بسبب التقلبات في سوق الإسكان الناجمة عن الميزانية المصغرة الخريفية التي أعلنتها رئيسة الوزراء آنذاك ليز تراس.
ونظرًا إلى أن استكمال بيع منزل يستغرق في المتوسط أربعة أشهر، ستستمر آثار انخفاض نشاط المشترين على مدار العام.
الجدير بالذكر أن متوسط بدلات الإيجار ارتفع بمقدار الخمس على مدار العام. ولفتت "فوكستونز" إلى أن عائدها المتوسط من كل عملية تأجير ارتفع بمقدار الربع، إلى أربعة آلاف و211 جنيهاً بعد أن كان ثلاثة آلاف و365 جنيهاً.
التباطؤ الأكبر منذ 2008
ويشهد القطاع العقاري في بريطانيا تباطؤاً هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وسط ارتفاع الأعباء المالية للأسر، التي تئن من الغلاء، وزيادة تكاليف الرهن العقاري الناجمة عن زيادات أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية.
ووفق جمعية البناء الوطنية، تراجع متوسط قيمة المنازل لمدة خمسة أشهر متتالية بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال كبير الاقتصاديين في الجمعية، روبرت غاردن،: "يُرجَّح أن تشكل القدرة العامة على تحمّل التكاليف تحدياً على المدى القريب".
وقفز متوسط قرض المنزل بنسبة الفائدة الثابتة لمدة عامين إلى أعلى مستوى له في 14 عاماً عند 6.65% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وشهدت أسعار المنازل تراجعاً في يناير/كانون الثاني، هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ويتوقع سماسرة عقارات وخبراء أن تؤدي حالة عدم اليقين التي تعصف بالسوق، إلى مزيد من هبوط الأسعار، محذرين من أن بريطانيا قد تشهد تكراراً لما حدث في تسعينيات القرن الماضي حين انخفضت أسعار المنازل.
ووفق مسح أجرته صحيفة "ذا تايمز" خلال يناير/كانون الثاني الماضي، توقع ثلثا الاقتصاديين أن تنخفض أسعار المنازل بأكثر من 4% في 2023، فيما حذر معظمهم من انخفاضات تقترب من رقمين، ما يعني أن 2023 قد يكون أسوأ عام لسوق الإسكان في نحو 15 عاماً.
وتأتي توقعات هبوط الأسعار في الوقت الذي كشفت دراسة متخصصة أن أسعار المنازل في بريطانيا هي الأغلى منذ ما يقرب من 150 عاماً مقارنة بمتوسط الدخل.
ويبلغ متوسط تكلفة المنزل حالياً 9.1 أضعاف متوسط الدخل، وفقاً لتقرير صادر عن بنك الاستثمار "شرودرز"، إذ يكلف المنزل العادي في لندن الآن، على سبيل المثال، 12 ضعف متوسط الأجر في لندن.
قروض التمويل العقاري عند مستوياتها الأدنى منذ 2009
وقد أظهرت بيانات اقتصادية مطلع مارس/آذار 2023 -بحسب وكالة الأنباء الألمانية- تراجع عدد قروض التمويل العقاري التي تمت الموافقة عليها في بريطانيا خلال كانون الثاني/يناير الماضي لأقل مستوياته منذ 2009، مع استبعاد فترة جائحة فيروس كورونا المستجد، على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف المعيشة مما أثر على نشاط السوق العقارية.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن بيانات بنك إنجلترا المركزي، القول، إن مؤسسات التمويل البريطانية وافقت على 39637 قرض تمويل عقاري خلال كانون الثاني/يناير الماضي بتراجع نسبته 2.2% عن الشهر السابق، وهو أقل عدد لقروض التمويل العقاري منذ أوائل 2009، باستثناء الشهور الأولى من عام 2020 في بداية تطبيق إجراءات الإغلاق لاحتواء جائحة فيروس كورونا المستجد.
جاء الكشف عن هذه البيانات بعد وقت قصير من إعلان مؤسسة نيشن وايد بيلدنج سوسايتي البريطانية للتمويل العقاري تراجع أسعار المساكن في بريطانيا للشهر السادس على التوالي؛ حيث انخفض متوسط قيمة المسكن الان مقارنة بمستواه قبل عام.
وتواجه شركات بناء المساكن ومؤسسات التمويل العقاري أزمة كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض العقاري بعد الزيادات المتتالية لأسعار الفائدة الرئيسية بهدف كبح جماح التضخم الذي وصل لأعلى مستوياته منذ أكثر من 4 عقود في العام الماضي. وفي يناير/كانون الثاني الماضي ارتفع سعر فائدة التمويل العقاري بواقع 21 نقطة أساس إلى 3.88% مقابل 1.58% خلال الشهر نفسه من العام الماضي بحسب بنك إنجلترا المركزي.
من ناحيتها، قالت روبرت جاردنر كبير المحللين الاقتصاديين في نيشن وايد، "يبدو أن الموقف العام بالنسبة لموقف القدرة على تحمل النفقات سيظل صعبا على المدى القريب... هناك بعض المؤشرات المشجعة على أن فائدة التمويل العقاري تتجه نحو معدلاتها الطبيعية، لكن مازال الوقت مبكرًا للقول إن النشاط في سوق المساكن بدأ يتعافى".
في الوقت نفسه، مازالت أسعار المساكن في بريطانيا أعلى من مستوياتها منذ عام بنسبة 1.1%، بما يعكس آثار برامج التحفيز المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية لمشتريات المساكن. وتعتبر نسبة الزيادة السنوية في الأسعار خلال فبراير/شباط الماضي الأقل منذ يونيو/حزيران 2020.