منشقون يروون لـ"العين الإخبارية" أغلال العبودية في بيعة الإخوان
تمر سنون الانشقاق عن جماعة الإخوان الإرهابية مسرعة، إذ يسابق المنشقون والخارجون عنها الأيام، ليتحرروا من أغلال العبودية التنظيمية.
ومصطلحات "العبودية"، و"الأسر" و"السجن"، لطالما رددها المنشقون بمختلف دوافعهم في الانشقاق، في شبه إجماع على وصف الفترة التي قضاها كل منهم داخل جماعة الإخوان.
ولعل واحدة من أصعب المراحل -والكاشفة أيضا- هي إتمام الإخواني للبيعة داخل التنظيم، حيث تتطلب تخلي العنصر عن عقله والانصهار داخله، ولعل هذا ما يفسر أن البيعة مرحلة لا تتم قبل أن يصل الفرد إلى عضوية العامل، والتي يستغرق بلوغها عدة سنوات داخل الجماعة.
ومرحلة "العامل" هي الخامسة من مراحل العضوية بما يسمى ترقي الفرد داخل الإخوان، وتتدرج من محب، إلى المؤيد، إلى المنتسب، إلى المنتظم، ثم العامل.
ومع بداية المرحلة الأولى تبدأ عملية محو شخصية العنصر الإخواني وفصله عن المجتمع في مقابل تقديس كيان الجماعة، حتى إذا ما وصل للمرتبة الخامسة وهي "العامل" يكون قد غُيب تماما، وأصبح يعتنق مبدأ السمع والطاعة.
واللافت أن هذه المرحلة هي نفسها الفاصلة في حياة كثير من المنشقين، إذ بدأت بسيل من التساؤلات المنطقية والمشروعة، ليكتشفوا مع كل إجابة حقيقة هذه الجماعة وأدبياتها القائمة على عقيدة العنف والإرهاب، ليحسموا أمرهم بالخروج دون رجعة.
اللاإنسانية
يقول سامح عيد الخبير في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية، لـ"العين الإخبارية": الإخوان يفرضون السمع والطاعة على الأفراد لصالحهم، ويتجاوز الأمر قول الشهادتين والالتزام بالصلاة، بل تخضع جميع أمورك الحيوية للجماعة، تحت شعار أنت ووقتك للتنظيم الإرهابي".يضيف "عيد": "بيعة عبودية لا محالة، ولا أدري ما الذي قد يدفع أحدهم كي يسلم حياته لتنظيم، بما فيها من اختيارات الدراسة والزواج والسفر وغيره".
الخبير المصري، الذي انشق عن الجماعة قبل سنوات، يرى أن "بيعة الإخوان أمر ينافي الإنسانية والمنطق معا، وأن أي ادعاءات لدى الجماعة بأنها تشبه بيعة النبي، فهذا محض كذب وتعدّ وافتراء".
ولطالما غلفت جماعة الإخوان الإرهابية ركن البيعة لديها بغطاء ديني، في تشبيه فجّ ببيعة الرضوان، التي بايع فيها الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال قريش.
ويواجه التنظيم تساؤلات الأفراد ممن يعملون عقولهم قبيل البيعة، دون أن يجيب أحد على أي منها، خاصة تلك التي طرحها عيد قبيل مبايعته للإخوان، مثل "بيعة الرضوان كانت مبايعة محددة بقتال قريش، فما هي محددات بيعتكم؟".. وعلى ما أبايع؟".
ويتابع: "دخلت في نقاشات عدة مع المسؤولين الإداريين حول غرض البيعة وتبعاتها لكن للأسف لم تجد نفعا، شعرت حينها وكأني أسير، بدأت أرفض وأعترض، ومن هنا بدأ الصدام ورحلة التمرد".
بحسم يقول الإخواني المنشق: "لو عاد بي الزمن من المستحيل أن أبايع الإخوان، أو أخضع لمبدأ السمع والطاعة".
تحفظ
وسبق أن سرد سامح عيد في كتابه (قصتي مع الإخوان) الذي صدر في 2014 شكوكه مع البيعة بقوله: "حضرت دورة للترقية لرتبة أعلى بما تعرض بالعضوية العاملة أو بما تعرف بالبيعة، ومن بداية الدورة وأنا معترض واتخذت قرارا داخليا بعدم البيعة، رافضا لتلك الرتبة، لأن البيعة من الملفات الشائكة والتي أتحفظ عليها بقوة عقليا وشرعيا".
وبخصوص طريقة البيعة، يقول: "انتظرت حتى تأتي لحظة البيعة حتى أمتنع ولكني فوجئت بأنها بيعة جماعية وطقوس غريبة، حيث تبدأ بتلاوة آيات البيعة، ليحدث حالة من حالات التماهي في البكاء من تأثير المرتل المخضرم لتنتهي بتسليم المصاحف".
ويكشف عيد عن تغيير شكل البيعة بقوله: "في العقد الأخير تغير شكل البيعة وأصبح أكثر وضوحا، إذا تحضر مجموعتان أو ثلاثة من الجاهزين للترقية، ويأتي مسؤول المكتب الإداري أو نائبه ويقفا ماسكين أيديهم بأيدي بعض ويؤدون قسم السمع والطاعة للجماعة والمحافظة عليها وعلى أسرارها".
عزلة شعورية
"أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جندياً مخلصاً في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. والله على ما أقول وكيل".. بهذه الكلمات التي هي نص البيعة لدى الإخوان، لم يفهم الإخواني المنشق إسلام الكتاتني ماذا عليه أن يفعل بعد مبايعته للتنظيم.
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية"، يروى الكتاتني الذي كان عمره 16 عاما عند مرحلة البيعة، قبل أن يتدرج لاحقا في المهام التنظيمية ويصبح مسؤول ملف (طلاب المرحلة الثانوية) بالجماعة: "كنت صغيرا ولا أدرى بالتحديد ما الذي أبايع عليه، بل كان الأمر أشبه بعقل أبيض لا يفكر، لا يعترض، لا يسأل، وهي أمور تعمل الجماعة على ترسخيها داخل أفرادها".
"عزلة شعورية".. هكذا وصف الكتاتني الذي انشق بعد 10 سنوات قضاها داخل "سجن الإخوان"، قائلا: "الجماعة تفرض على أعضائها ألا يحيدوا عنها ويرتبطوا ارتباطا وثيقا بها، فبعد مرور وقت في الجماعة يصبح لدى الفرد الإخواني عزلة شعورية وتكون الجماعة للأسف منتهى أمله".
الكتاتني يتابع قائلا: "هذا ما حدث معي ومع غيري، وربما هذا ما يفسر أن البيعة بما فيها من تبعية كاملة للجامعة وتكريس لمبدأ السمع والطاعة لا تتم إلا عندما يقدم الفرد في الجماعة ويصبح عضوا عاملا أي معترف به".
بيعة الدم
وتفرض البيعة، حسب عيد والكتاتني وغيرهم من المنشقين، على العضو المبايع التزامات مبهمة ومجهولة، تظهر فيما بعد على هيئة تعليمات وأوامر، ولا يمكن للفرد الإخواني إلا السمع والطاعة تحت كل الظروف، وإن كلفه استباحة الدماء.
ويدلل على ذلك ما سرده الكاتب عبدالعظيم رمضان في كتابه (الإخوان المسلمون والتنظيم السري) في واقعة اغتيال رئيس الوزراء المصري الأسبق محمود فهمي النقراشي، عندما كشف عضو الجماعة عبدالمجيد حسن الذي قام بتنفيذ عملية الاغتيال في أقواله أن "أشد وسائل التأثير وقعا عليه كانت: الدراسات الروحية والبيعة والاعتقاد بمشروعية الأعمال".
وتأخذ البيعة لدى الإخوان قسمين، الأول عند اختيار المرشد العام، يأخذونه بالبيعة عبر المسؤولين الإداريين، والثاني عند تدرج الفرد في عضويته إلى مرحلة (العامل) وتلك يتلقاها كل مسؤول إداري من الإخوان.
ويدعي الإخوان أن البيعة الكلية التي كانت للإمام أو خليفة المسلمين، لا معنى لها الآن بانتهاء زمن الخلافة، ليستحلوا بذلك ما يسمونه بالبيعة الجزئية للجماعة ومرشدها، متجاهلين وجود الدولة وولي الأمر الشرعي المتمثل في رئيسها.