كيف يخلع شباب الإخوان "طوق" الخداع؟.. قيادي منشق يرسم طريق النجاة
لا يعد الصراع الحالي الذي يضرب جماعة الإخوان الإرهابية هو الأول، لكنه الأخطر لأنه نتاج تاريخ من الفساد التنظيمي واستئثار "الصقور" داخل التنظيم بالمقاليد.
صراع قديم ومتأصل، أخرج القواعد الصامتة عن مبدأ "السمع والطاعة"، لترتفع أصوات الصف الإخواني بتسريبات متلاحقة واتهامات، تدين قيادات الجماعة سواء من جبهة إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بأعماله أو محمود حسين.
لكن السؤال الأكثر إلحاحا الآن، لماذا لا يتبرأ هؤلاء الشباب من الجماعة الإرهابية علنا، وما أبرز الوسائل الداعمة لهم حتى يعودوا بأدراجهم إلى وطنهم ومجتمعهم.
مراحل عدة، يمر بها العنصر الإخواني، قبل أن يكفر بكل ما سمع ورأى داخل معبد الجماعة الإرهابية على مدار سنوات، ليقرر بعدها الانشقاق والهروب من شبح التطرف دون رجعة.
حازم قريطم، أحد القيادات التي خرجت عن طوع التنظيم قبل 13 عاما، يسرد لـ"العين الإخبارية" الطريق إلى الخلاص من الجماعة الإرهابية.
يقول قريطم: "هناك اختلاف جزئي بين مشهد خروجي عن الجماعة وبين ما يحدث حاليا، فحينها لم يكن هناك أحداث قوية تظهر لشباب الإخوان الخلل الكبير داخل الجماعة، أو بشكل أدق تبين الاختلاف الكبير بين ما هو ظاهر وما هو مستتر وتوضح التناقضات الضخمة في جميع أجزاء الفكرة الإخوانية، بعكس التطورات الأخيرة".
التناقضات الإخوانية
يتابع قريطم: "في أعقاب يناير 2011، كان جليا التناقض بين ما يدعيه الخطاب الإخواني العام عندما رفع شعار "مشاركة لا مغالبة" في الانتخابات البرلمانية، وبين نصوص المؤسس حسن البنا المليئة في حد ذاتها بالتناقضات بل وكرست لفكرة الخلافة وهي قمة السياسة، وهو ما ظهر لاحقا في الوصول للحكم والتشبث به بأي ثمن".
وفي انتخابات مجلس الشعب 2012، ساقت جماعة الإخوان الإرهابية للقوى السياسية أن خوضها العراك يهدف إلى الحفاظ على وجودها في الحياة العامة ومكاسب الدعوة فحسب، حتى إن المرشد العام للإخوان محمد بديع حينها، أعلن أنهم سينافسون على 30% فقط من مقاعد مجلس الشعب، على غرار انتخابات 2005.
لكن كعادتهم في الخداع، نافس الإخوان فعليا على أغلبية مقاعد البرلمان (235) أي بنسبة 47.2% من المقاعد، وسيطروا على لجان المجلس، كجزء من مخطط إحكام السيطرة على السلطة التشريعية.
ولم يكن هذا التناقض الوحيد في ممارسات الإخوان منذ ذلك الحين، بحسب قريطم، لكن القواعد الإخوانية صدقت قياداتها دون أن تنتبه الأخيرة إلى أن كل تناقض أشبه بسقوط لبنة من بناء منهار، أقرب لبيت العنكبوت، فتهاوت الأجزاء كليا ودخلت الجماعة في مرحلة الانكسار التنظيمي الداخلي.
كابوس الإخوان
ويروي قريطم كيف انقشعت غِمامة الإخوان عنه بعد سنوات، "في البداية كنا ما زلنا مؤمنين بالفكرة ونرى الاختلافات بسيطة، لكنهم -أي قيادات الجماعة- قابلوا الانتقادات البسيطة التي كانت تصدر من منتم بعنف، فبدأ كل منا يعمل عقله ويراجع نفسه فشيئا.. تراجع موقفا ثم تراجع سياسات ثم تراجع أفكارا ثم تدخل للفكرة الجوهرية لتكتشف أنها هي الأصل المعيب، فيكون الرفض لا لتطبيقات هؤلاء أو قرارات مكتب إرشاد أو مواقف القيادات، ولا خلافات أو صراعات، لكن لهذه الفكرة الإخوانية".
يضيف: "اكتشفنا أن هذا ليس هو الكيان كما يصفونه، لا هو الساعي للآخرة ومرضاة الله كما يدعي، ولا هو أصل الصلاح كما يوهم أفراده.. وفي رأيي هذه هي نفس النتيجة التي بدأت القواعد الصامتة في التواصل لها".
واصفا رحلة شاقة ومنهكة، يقول قريطم: "استغرق الأمر مني عامين، كي أخرج من الجماعة، مرت أيام صعبة كنت في صراع شديد أجيب فيه عن تساؤلات مثل: بعد انقضاء كل هذا العمر داخل التنظيم، هل الخطوة المقبلة بالخروج ستكون على الطريق الصحيح؟ "هل أفكاري الآن صحيحة أم أفكار 20 سنة مضت؟".. لكن بفضل الله كشفت الغمة والغمامة".
وسائل داعمة، كما يسميها قريطم، ساعدته على الخروج من التنظيم الإرهابي، منها "وجود أشخاص وصلوا لنفس النتيجة"، مضيفا "حتى لو لم نكن جميعا في نفس درجة التفكير، كأن يكون بيننا من سبق وتوصل إلى قناعة تامة، وبيننا من يزل يُعمل عقله ويدرس التناقضات، وبيننا من بدأ يرتاب في الفكرة الإخوانية".
وأردف موجها حديثه للقواعد الإخوانية: "وجود هؤلاء الأشخاص يسهل عليك المسافة البينية بين الداخل والخارج لأن الطرف الآخر وهو التنظيم الإرهابي يفرض عليك حصارا ويشوشك ويشوهك، بل سيصل الأمر لأن يغتابك معنويا ولا يهمه أن يصفك بأي وصف، كان طالما اتخذت طريقك في التفكير والمناقشة".
ومفسرا سر حصار الجماعة على المنشقين، يقول قريطم "الجماعة تروج لقواعدها أن من ينتمي لها يكون من المصطفين الأخيار الذين اختارهم الله لحمل دعوته والدفاع عن دينه، وبالتالي الحصار الذي تمارسه على المنشقين محاولة منها للمحافظة على الادعاء الفكري الذي بنته لبقية القواعد".
التورط في العنف
"تائِه، في مرحلة ضياع، فاقد للثقة"، هكذا ذهب "قريطم" في وصفه للقواعد الإخوانية الحالية، موضحا أن "شباب الإخوان لم يعد في مقدورهم الثقة بالقيادات المتناحرة، الذين يتبادلون هم أنفسهم حرب بيانات واتهامات بالفساد المالي والإداري، فهو -أي شباب الإخوان- ليس مستقرا تحت مظلة التنظيم، ولا يقدر على العودة أدراجه إلى حياته الأولى".
وعلى الرغم من أن شباب الإخوان خرجوا عن صمتهم ووجهوا سيلا من الاتهامات لقيادات الجماعة الإرهابية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن لم يتبرؤوا بعد بشكل واضح وصريح من الجماعة أو يعلنوا انشقاقهم.
وعزا القيادي الإخواني ذلك إلى أنه "الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٣ ربما بالغ شباب الإخوان في أمنياته الزائفة واعتقاده بالانتصار وأنه علا واستعلى، وبالتالي يصعب عليه أنه ينتقل من هذه المسافة البعيدة للواقع".
سبب آخر، أكثر خطورة، وهو أن "هؤلاء الشباب ربما اقترف من الحماقات ما يمكن وصفه بأعمال عنف وبعضهم قد يكون مدانا جنائيا، وبالتالي لا أمل له من العودة، إذ لن يكون قادرا على استرجاع حياته"، وفق قريطم.
"وبالنظر للتاريخ الدموي للجماعة، نجدها طوعت الأدوات وحرفت النصوص، لصناعة جيل يتغذى على التطرف والعنف، يؤمن بأن كل من يخالفه الرأي كافر ويستحق القتل، وهو ما نفذه غالبيتهم في عمليات عنف وإرهاب، زادت وتيرتها بعد الإطاحة بها من الحكم في 2013"، يقول قريطم.
الوجه القبيح
يوضح "قريطم": "القواعد الإخوانية اكتشفت أنه غرر بها من قبل قيادتها، هربت وعايشت وعاينت حقيقة قياداتها، فكثير منهم خارج القطر المصري مما يستلزم وجود دعم مالي لهم، وبالتالي ظهرت حقيقة التمويل الإخواني الذي كان لا يظهر منه سوى جزء الاشتراكات الشهرية وهي نسبة 7% من دخل الفرد الإخواني بالمتوسط، في مقابل إخفاء أكثر من 80% من أموال التنظيم التي كانت تأتي بطرق أخرى".
يكمل: "لكن نسبة الاشتراكات لم تعد موجودة، لأن شباب الإخوان محتاجين، وبالتالي الأموال غير النظيفة ظهرت، وفقد الصف الإخواني تماسكه إلى جانب الملاحقات الأمنية وأوضاعهم غير القانونية".
ويصف قريطم، باحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن "المتغيرات كانت كبيرة ولم تستطع قيادات التنظيم استيعابها، ظلوا يتعاملون مع القواعد الطائعين الذين ينفذون مبدأ السمع والطاعة".
ولعل هذا المبدأ الذي هو ركيزة التجنيد، أصبح جزءا من شخصية العنصر الإخواني، ما يفسر سبب عدم حدوث انشقاقات بين القواعد الغاضبة قبل اليوم، لكن حتما مطالبات شباب الإخوان التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي بحل الجماعة داخليا تفيد بأنه قد يكون على طريق المراجعات الفكرية، كسابقيه، لكن هل سيمتلك الشجاعة لإقرار توبته؟
aXA6IDE4LjIyNC41NS42MyA= جزيرة ام اند امز