إخوان مصر.. هل هناك جماعة لتحتفل بذكرى التأسيس الـ94؟
في ظل واقعها المأزوم لم يعد السؤال هل تحيي جماعة الإخوان ذكرى التأسيس الـ94، وإنما هل هناك جماعة أصلا؟
وقبل 94 عاما أسس حسن البنا في مدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة) جماعة الإخوان المسلمين التي سرعان ما انتقلت إلى العاصمة القاهرة، لتبدأ رحلة تخللتها محطات صراع دام لتنظيم طالما لجأ للعنف والإرهاب لحسم تناقضاته الداخلية أو في علاقته مع السلطات.
ومع اقتراب ذكرى تأسيس الجماعة في 22 مارس/آذار الجاري، تشهد الجماعة القادمة من قرن مضى تحولات جوهرية لم تعرفها على مدار تاريخها.
فواقع الإخوان المحتشد بصدامات مع السلطة عرف للمرة الأولى صداما مع القاعدة الجماهيرية التي تسعى لاستقطابها بعد أن خرج المصريون في 30 يونيو/حزيران 2013 في مظاهرات حاشدة تطالب بإنهاء تجربة الإخوان في الحكم.
رحلة تيه بدأتها الجماعة منذ ذلك الحين قادتها إلى أعمق انقسام تشهده؛ انقسام لتيارين داخلها، أحدهما يقوده إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد والمعزول بقرار من جبهة القيادي التنظيمي محمود حسين، فضلا عن تصدع في كل تيار على حدة.
وفي ذكرى التأسيس التي توافق 22 مارس/آذار الجاري، يعقد تنظيم الإخوان (جبهة محمود حسين) مؤتمرا "حاشدا" اليوم الجمعة في إسطنبول، تحت شعار "أصالة واستمرارية"، فيما يرجح مراقبون عزم جبهة الأمين العام السابق للجماعة خلال المؤتمر العمل على حسم الصراع داخل الجماعة لصالحه.
في المقابل، وفي محاولة منه لاستمالة الصف الإخواني في ذكرى التأسيس، وجه إبراهيم منير في وقت سابق، رسالة مطولة إلى الصف في محاولة للملمة شتات الجماعة بعد أن انشطرت لجماعتين، وترتيب أوراقها أيضا، وتلافي تأثير الضربات التي تتعرض لها على نفسية ومعنويات أعضائها.
ويقضي غالبية قادة الجماعة بمن فيهم مرشدها محمد بديع ونائباه محمود عزت وخيرت الشاطر وقيادات أخرى بارزة عقوبات متفاوته بالسجن في جرائم إرهابية فيما ينتظرون وآخرون تنفيذ أحكام بالإعدام.
والفصيلان المتناحران على مواقع السلطة والنفوذ يقودان الجماعة من خارج البلاد، ما يعمق قدرتهما على التواصل مع كوادرهم في الداخل في ظل شكوك من القاعدة الإخوانية في مسؤولية تلك القيادات في توريط الجماعة في مستنقع الإرهاب والفشل.
أزمة يسعى كل طرف لإعادة تأويلها بما يخدم مصالحه، وهو ما أقدم عليه منير في رسالته للإخوان، على طريقة أدبيات داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في ربط أحداث اليوم بالأحداث التاريخية، للزعم أن الجماعة تسير على خطى المسلمين الأوائل في طريق الابتلاء والصبر عند المحن، وفي ادعاءات جديدة بأنهم يخوضون ساحة نضال ديني للدفاع عن الإسلام والأمة.
ويقول هشام النجار، الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي، في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "ذكرى التأسيس تأتي هذا العام لتعمق من الانقسام الحالي للتنظيم".
ويوضح أن "الجبهتين المتصارعتين يحاول كل منهما انتهاز مختلف الفرص، وبينها استغلال ذكرى التأسيس الـ94؛ لتسجيل نقاط لصالحه على حساب الآخر، لكن دون امتلاك أي قدرة على الحسم النهائي".
ويتابع النجار: "هذا هو المشهد العام، وهو يعكس مدى ما أصاب التنظيم من انقسامات وترهل، ويؤكد أيضا عدم قدرة جناح من أجنحته على لملمة شتاته وشمله، لذا يقتصر الجهد على محاولة إثبات الحضور في المشهد لتحقيق مكاسب".
وشدد النجار على أن "الجماعة ليست منقسمة فقط إلى جبهتين إنما تندرج تحت هذا الانقسام الثنائي الكبير انقسامات أصغر تجعل الجماعة منشطرة إلى ما يقارب الأربع جبهات أو أكثر".
وتزامنا مع الانشطار غير المسبوق الذي يضرب التنظيم الإرهابي، وانقسامه بين جبهتين، خرج "كيان ثالث" من التنظيم يهاجم محمود حسين، وإبراهيم منير، ويدعو شباب الجماعة إلى طريق ثالث، بعيدا عن "الفاسدين والخائنين".
وليس أوضح لوصف المشهد الراهن للإخوان بعد 94 عاما من التأسيس، من شهادة صدرت لأحد المحسوبين على هذا التيار .
وقال أحمد عبدالعزيز القيادي الإخواني عضو الفريق الرئاسي للرئيس المعزول محمد مرسي، في وقت سابق، إن "جماعة الإخوان التي نعرفها قد ماتت، ودُفنت بلا جنازة مع الانقسام الأخير"، وذلك ضمن سلسلة مقالات بعنوان: (لماذا كانت جماعة الإخوان؟ وما أهمية بقائها؟ وإلى متى؟).
واشتعل الصراع بين "جبهة لندن" بقيادة إبراهيم منير، وجبهة إسطنبول في المقابل التي يتزعمها محمود حسين، عقب إعلان الأخير تشكيل "لجنة للقيام بأعمال المرشد" واختيار القيادي مصطفى طلبة ممثلا عنها بمنصب مرشد الجماعة لمدة 6 أشهر.
وفي رده، أصدر تنظيم الإخوان (جبهة منير) بيانا تحت عنوان "ليسوا منا ولسنا منهم"، أعلن خلاله فصل مصطفى طلبة، إضافة إلى فصل قيادات جبهة الأمين العام السابق، وبينهم مدحت الحداد، ومحمد عبدالوهاب، وهمام علي يوسف، ورجب البنا، وممدوح مبروك.
وقال بيان لجبهة منير، نشره موقع "إخوان سايت" التابع للجبهة مؤخرا: "ليس منا ولسنا منه، كل من خرج عن الصف، وكل من ساهم في شق الجماعة، وترديد الافتراءات الكاذبة".
وبالتوازي مع الانقسام الحالي والانشطار الحاد للتنظيم، تلفظ عدد من الدول يوما بعد يوم عناصر تنظيم الإخوان، بعد أن أصبحوا عبئا ثقيلا عليها.
وأمس الأول، طردت تركيا ناشطا إخوانيا مدرجا في مصر على قوائم الإرهاب يدعى ياسر العمدة، بسبب استمرار العمل ضد مصلحة أنقرة مع تكرار مخالفته تعليمات السلطات بالتوقف عن التحريض على الدولة المصرية ومؤسساتها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وكانت تركيا قد طالبت في وقت سابق عددا كبيرا من عناصر الإخوان بالمغادرة، وإغلاق منابرهم التي كانوا يبثون من خلالها سمومهم، ما جعلهم يبحثون عن أماكن تكون آمنة ومستقرة للاستقرار بها بعدما ضاقت بهم أنقرة، جراء تدخلهم في الشؤون الداخلية من جهة، ولتوطيد العلاقات مع مصر من جهة أخرى.
ومؤخرا، انضمت قطر إلى أنقرة في المطالبة بمغادرة أراضيها، ومنحت الأخيرة مجموعة منهم مهلة لمغادرتها.
وكانت "العين الإخبارية" قد كشفت في وقت سابق عن أن السلطات القطرية منحت بعض قيادات الصف الثاني من أعضاء التنظيم الإرهابي مهلة مؤقتة لمغادرة البلاد.
وليست هذه هى المرة الأول، حيث أبعدت الدوحة عشرات من قيادات الصفين الأول والثاني من عناصر الإخوان خارج البلاد في عام 2017 وكان على رأسهم القيادي عصام تليمة، والقيادي محمود حسين نفسه.