لجنة الحوار بالجزائر تفضح عرقلة الإخوان حل الأزمة
هجمة غير مسبوقة لإخوان الجزائر على لجنة الوساطة والأطراف الموافقة على الحوار، ومحللون يعتبرونها مؤشراً على بداية نهايتهم في المشهد.
عاد إخوان الجزائر لممارسة هوايتهم المفضلة في محاولة عرقلة التوافق الوطني الذي تسعى إليه السلطات الجزائرية مع القوى السياسية وممثلي الحراك الشعبي، بهدف إيجاد حل للأزمة السياسية الموروثة عن عهد نظام بوتفليقة منذ قرابة نصف عام.
- لجنة الحوار تقسّم الجزائريين والجيش يرفض "الشروط المسبقة"
- قايد صالح: يجب إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت
وهاجمت قيادات إخوانية لجنة الحوار والوساطة، وزعمت في تصريحات لها "أنها مناورة من السلطة للالتفاف على مطالب الشعب"، وبأنها "تخدم السلطة".
ورغم أن اللجنة لم تباشر عملها بشكل رسمي ولم تكشف عن أجندة عملها بعد، فإن قيادات إخوانية حاولت "قراءة نية" أعضاء اللجنة وإعطاء أحكام مسبقة عنها بحسب وصف المراقبين، عندما تحدثت عن وجود "نية للالتفاف على مطالب الحراك"، دون أن تقدم أدلة على ذلك.
ديمقراطية "أنا أو لا أحد"
وعُرف عن إخوان الجزائر منذ تسعينيات القرن الماضي التي شهدت تغول إرهاب ما كان يعرف بـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الإخوانية، تلك الأفكار المتطرفة المفصلة على مقاس أطماعهم في الحكم بحسب المتابعين للشأن السياسي في الجزائر.
وتأثر عدد من القيادات الإخوانية الحالية بخطاب الحزب الإخواني المعروف اختصاراً بـ"الفيس" والمصنف "حركة إرهابية"، والذي كان يرفض أي حلول لأزمة التسعينيات خارج المسطرة في أجندته، وأصرت حينها على رحيل الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد (1979 – 1962)، رغم أن عهده شهد صعود ما يعرف بـ"الإسلام السياسي".
وبرغم كل التنازلات التي قدمها الشاذلي للإخوان، فإنه كان بحسب المراقبين ضحية لأطماعهم في الحكم، وأحدثت استقالته في يناير/كانون الثاني 1992 فراغاً دستورياً أتى على بقية مؤسسات الدولة بعد إقالة البرلمان وفرض حالة الطوارئ، ودخلت عقبها البلاد في أخطر أزمة أمنية وسياسية في تاريخها.
ويقول العارفون بتاريخ الأزمات السياسية التي مرت بها الجزائر، إن "إخوان الجزائر يفضلون مستنقع الأزمات السياسية لإرباك المشهد العام، من خلال عرقلة التوافق الداخلي بخطابات مشككة ومخونة للأطراف الأخرى بهدف عزلها والاستفراد بمشهد الأزمة".
غير أن الخطاب الأخير "المشكك في كل شيء" الصادر عن القيادات الإخوانية الجزائرية والذي يصفه مراقبون بـ"الخطاب النشاز"، اعتبره محللون سياسيون في تصريحات لـ"العين الإخبارية" بمثابة "الخطاب الذي تجاوزه الزمن والأحداث، والدليل الكافي على حالة الإفلاس السياسي التي يتخبط فيها إخوان الجزائر".
وكشفت الأزمة السياسية الأخيرة التي تمر بها الجزائر عن انتقال خطاب الإخوان من "معارضة السلطة" المزعوم كما يصفه كثيرون، إلى "معارضة كل طرف لا يتماشى مع أهوائها".
وانتقلت نيران الإخوان إلى حلفائهم في بيت المعارضة، بعد أن انتقدت قيادات إخوانية المعارض عبدالعزيز رحابي منسق "منتدى الحوار الوطني" واتهمته بـ"العمل لصالح السلطة"، عقب فشل محاولة التيارات الإخوانية التفرد بالمشهد على حساب بقية أحزاب المعارضة خلال الاجتماع الذي عقد في 6 يوليو الماضي.
"خدمة السلطة" كانت وما زالت بحسب المراقبين "تهمة جاهزة" لكل من يخالف إخوان الجزائر أو ترى فيه تهديداً لوجودها، كان آخرها أيضا "المنتدى المدني للتغيير" الذي يضم عدداً من الجمعيات الأهلية التي دخلت على خط البحث عن حل للأزمة السياسية في الجزائر.
واتهم الإخواني عبدالله جاب الله رئيس ما يعرف بـ"جبهة العدالة والتنمية" المنتدى بـ"العمل لصالح النظام"، بعد أن أبدى المنتدى موافقته على المقاربة السياسية التي طرحتها الرئاسة الجزائرية لحل الأزمة وانتخاب رئيس جديد للبلاد.
مواقف وتصريحات أثبتت، بحسب محللين سياسيين تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، أنها مؤشر على فقدان إخوان الجزائر ما تبقى من بوصلة السطوة على الحراك الشعبي والحديث باسمه، ليكون الورقة المضمونة التي توصلهم إلى الحكم، عقب بروز قوى أخرى في الساحة السياسية انتهجت ما تراه "خطاباً وحلولاً واقعية".
خطاب قديم وفاشل
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، وصف عبدالرحمن عرعار رئيس المنتدى المدني للتغيير في الجزائر الهجمة الإخوانية على مواقف المنتدى بـ"الخطاب القديم الذي أثبت فشله"، والدليل على هواجس الإخوان من سحب قوى سياسية ومجتمعية جديدة البساط من تحتها.
ودعا منتقدو المنتدى إلى "تقديم حلول للأزمة بدلا من انتقاد مواقف الأطراف الأخرى ومقترحات تبني المبادرات مع بعضها"، مشدداً على أن تصريحات القيادات الإخوانية الأخيرة "سلبية ولا تخدم الوضع الحالي للبلاد، ومع ذلك التعالي عليها من أجل الجزائر، والرد عليها مضيعة للوقت".
وتحدث عرعار عن التناقض الموجود في خطاب إخوان الجزائر، بين ذلك الذي يزعم أن الحوار مع السلطة الفعلية هو المخرج الوحيد لحالة الانسداد السياسي، وبين انتقاد الأطراف التي تقبل به وتتقدم بخطوات من أجل تحقيق التوافق الوطني.
ووصف التصريحات الأخيرة للقيادات الإخوانية بـ"الخطأ السياسي"، وتساءل في المقابل "كيف يلوم الغير إذا كنت تقول إنك مقتنع بالحوار مع السلطة".
كما اتهم عبدالرحمن عرعار الإخوان بمحاولة تجاهل المجتمع المدني من خلال أحكام وصفها بـ"القاسية والجاهلة باحترافية وتاريخ المجتمع المدني".
ولفتت فعاليات المجتمع المدني الأنظار خلال اجتماع "منتدى الحوار الوطني" يوم 6 يوليو الماضي والذي ضم أكبر تجمع للمعارضة الجزائرية منذ بدء الأزمة، من خلال مواقفها المنتقدة لدور كثير من أحزاب المعارضة وخطابها التي رأت فيه "بعيداً عن حقيقة الأزمة وعن مطالب الحراك الشعبي ويخدم مصالحها الضيقة".
ومن هنا، أكد رئيس المنتدى المدني للتغيير في الجزائر أن الخطاب العدائي الأخير للقيادات الإخوانية مؤشر على ارتباكهم ومخاوفهم من "تمكن قوى سياسية جديدة من إبعادهم عن المشهد السياسي بالكامل".
وأوضح أن هناك "مسافة كبيرة بين الخطاب القديم الصادر عن تلك القيادات الإخوانية والخطاب الجديد النابع من الشارع ومن لغة الحراك، الذي مل من لغة الخشب، وينتظر لغة الملموس، وهذا الواقع".
مضيفاً أن بلاده بحاجة "إلى خاطب جامع وليس خطاب تفرقة، وأن تلقى كل مبادرة مكانها في رواق الحوار".
وشدد عرعار على أن رفض الحراك الشعبي للأحزاب بما فيها التيارات الإخوانية بات "واقعاً"، متوقعاً في المقابل "أن يكون هذا الواقع غير قابل للانتظار أو المزايدات، وأن الواقع يؤكد أن الساحة السياسية ستكشف عن قوى جديدة.
ظاهرة صوتية على الهامش
بدوره، شدد الكاتب والمحلل السياسي محمد دلومي على أن التصريحات الأخيرة للإخواني عبدالله جاب الله "أحكام مسبقة تسببت فيها خيبة فشله في تصدر المشهد".
وقال، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إن جاب الله كان يبحث عن موطئ قدم في أي لجنة تحاور السلطة، وانتقاده لا يحمل أي هدف لتحقيق أو خدمة مطالب الحراك، رغم أنه كشخص وكحزب أثبت أنه غير مقبول شعبياً".
وشدد على أن القيادي الإخواني "حاول استثمار الرفض الشعبي لتركيبة لجنة الحوار والوساطة، حتى يزعم أنه مع مطالب الشعب، وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد في اعتقاده، الأول أن يكون في أي لجنة والثاني حتى يزعم أنه ناطق باسم الحراك الشعبي".
واعتبر "دلومي" أن "المشكل في ذلك الخطاب نفسي أكثر منه سياسي، فتجده يخاطب وكأنه من منبر إمام وليس بخطاب سياسي يقنع الشارع، وما زال متأثراً بالأجواء السياسية التي طبعت التسعينيات، وتجده ينتهج سياسة خالف تعرف، وأي مبادرة ينتقدها حتى يثبت فقط أنه موجود، كما أن حزبه لا يمثل شيئاً في الساحة السياسية، ولا يمثل إلا ظاهرة صوتية فقط على هامش الساحة السياسية".
وكشف المحلل السياسي عن أن بعض القيادات الإخوانية على رأسها الإخواني عبدالله جاب الله تعيش في وهم "بأنه شخصية سياسية ثقيلة في الساحة السياسية، ويعتقد أن أي مباردة يجب أن يكون حاضراً فيها ومن الأرقام الفاعلة التي لا يمكن تجاوزها، لكن الواقع يقول عكس ذلك، وهو أنهم رقم على يسار الصفر، وكلما تضيف له رقماً يبقى ضئيلاً".
aXA6IDE4LjIyMC4yMDAuMTk3IA== جزيرة ام اند امز