شراء ذمم وشبكات سرية.. أدوات أردوغان لتثبيت سلطته
شخصيات ذات خلفيات أيديولوجية مختلفة كلها تدافع عن سياسات النظام وعقيدة ما يسمى "الوطن الأزرق" بدرجة مماثلة من الشغف.
يعمل النظام الحاكم في تركيا على شراء ذمم العديد من الشخصيات ذات الخلفيات الأيديولوجية المختلفة داخل البلاد، للدفاع عن سياساته وتثبيت سلطته مع فقدان المقربين منه مصداقيتهم لدى الشارع.
فأصبح من المعتاد بالنسبة للجمهور في تركيا مشاهدة أميرال بحري "كمالي" (نسبة لكمال أتاتورك)، وضابط متقاعد آخر من القوات الخاصة، وصحفي يساري، وقائد طائفة إسلامية في عباءته الدينية، وعالم سياسي "محايد"، وزعيم ما يسمى اليسار المتطرف يتغنون بسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، وفق صحيفة "أحوال التركية".
هذه الشخصيات القادمة من العديد من الخلفيات الأيديولوجية المختلفة كلها تدافع عن سياسات النظام وعقيدة ما يسمى "الوطن الأزرق" بدرجة مماثلة من الشغف.
ويمكن القول إن أحد العناصر الرئيسية لإنجاز أردوغان في تحطيم أي مصادر للمقاومة المحتملة وتعزيز حكمه، يكمن في نجاحه في استمالة شبكات سرية مختلفة.
تعرف المشاركة أحيانًا على أنها "رشوة" المعارضة، وهو شكل من أشكال التعاون، حيث يمنح شاغل الوظيفة مكانة داخلية أو مزايا سياسية إلى خارج النظام مقابل ولائه.
ويتم إقناع الممثل المختار بعدم ممارسة سلطته لعرقلة النظام واستخدام الموارد التي تتوافق مع متطلبات الحاكم بدلاً من ذلك.
والشبكات السرية تتمثل في منظمات وجمعيات وشبكات غير مشروعة أو مظلمة تعمل في أماكن مخفية، وأفرادها غير معروفين لبقية المجتمع ولديهم أهداف غير واضحة. يحافظ أعضاؤها على سرية انتماءاتهم ويخفون الأنشطة التنظيمية.
وفي حالة تركيا، ربما كان حادث سوسورلوك عام 1996 هو الذي كشف لأول مرة عن مثل هذه الشبكات داخل المؤسسات الأمنية التي كانت تشارك في عمليات سرية غير قانونية وغير رسمية، بحسب صحيفة "أحوال.
وقُتل عبد الله جاتلي، قاتل ومهرب مخدرات مطلوبًا لدى الإنتربول، وحسين كوجاداغ، نائب رئيس شرطة إسطنبول السابق، في حادث سيارة في سوسرلوك. وأصيب عضو البرلمان سيدات بوكاك زعيم قبيلة كردية متحالفة مع الدولة ضد المتمردين الأكراد.
وعثر في السيارة على عدة وثائق مزورة وكميات وفيرة من المخدرات والأسلحة والمال.
وفي أعقاب الحادث، تم الكشف عن صلات بين الدولة والمافيا، بالإضافة إلى أعمال غير مشروعة من قبل المخابرات التركية ووكالة مكافحة الإرهاب (جيتيم) ووحدة القوات الخاصة (أوزيل حاريكات).
واليوم، وعلى الرغم من أنه من غير الواضح أي مجموعة أو زعيم منهم هو الذي يتحكم فعليًا، يبدو أن تركيا عبارة عن مجموعة كبيرة من الشبكات السرية تتكون من مسؤولين عسكريين نشطين ومتقاعدين، وبيروقراطيين، ورجال أعمال، وأكاديميين، ودعاة دينيين، وصحفيين، ورجال مافيا.
وهناك مجموعة واسعة من الشخصيات التي تدعم مبادرات أردوغان بحماسة: مثل اليميني المتطرف وزعيم المافيا علاء الدين جاكيجي، ورئيس الطريقة النقشبندية أحمد محمود أونلو، وزعيم حزب الوطن القومي اليساري المتطرف، دوغو بيرينشيك.
ولكن ما يثير الدهشة هنا، هو أن عناصر بالجيش، الذي من المفترض أنه كان كمالياً (نسبة لكمال أتاتورك)، يُظهر بعض علامات التأييد الصامت لهذه الحالة.
ربما لهذا السبب يقول البعض إن أردوغان انتصر على الدولة العميقة لتركيا، بينما يؤكد آخرون أنه ببساطة أنشأ دولة جديدة تحت سيطرته الديكتاتورية.
وقد تكون الحقيقة أكثر فوضوية من أي من الخيارين، وهناك شك حقيقي وعميق حول من يحكم البلاد بالفعل.
واعترف أردوغان نفسه بالدولة العميقة منذ أيامه الأولى في السلطة.
وفي نقاش متلفز في عام 2007، عقب مقتل الصحفي الأرميني، هرانت دينك، قال أردوغان إن الدولة العميقة "كانت موجودة دائمًا، ولم تبدأ بجمهورية تركيا". وأضاف أن مثل هذا "التنظيم الشبيه بالعصابات في المؤسسات" يجب "القضاء عليه إن أمكن، إن لم يكن، تقليله إلى أدنى حد".
وأشار أردوغان في عدة مناسبات إلى أن سجنه لمدة أربعة أشهر في عام 1999 والذي أدى إلى حظره من السياسة، فضلاً عن الاعتراض الصريح على محاولة عبدالله غول للوصول للرئاسة في عام 2007، كان نابعًا من "آليات الوصاية" التي كان لها تأثير في تركيا.
فتح باب التحقيق مع منظمة "إرغينكون"، التي واجه فيها كبار المسؤولين العسكريين وحلفائهم المدنيين عقوبة السجن واتهامات بالتآمر للإطاحة بالحكومة المنتخبة، في عام 2007 ووصفتها حكومة أردوغان بأنها المعركة الكبرى ضد الدولة العميقة.
وخلال هذا الوقت، كان أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" على علاقة طيبة مع الداعية فتح الله غولن، الذي عاش في الولايات المتحدة لأسباب صحية.
وكثيرًا ما أشاد المسؤولون الحكوميون بغولن، وطالبه أردوغان نفسه بالعودة إلى تركيا. ومع ذلك، عندما انهار هذا التحالف في ديسمبر 2013 بفضيحة فساد وجهت لوائح اتهام إلى أفراد من عائلة أردوغان ووزراء في حكومته، اتخذ الرئيس منحى براغماتيًا وتعاون مع خصومه السابقين، الأورآسيويين والقوميين المتطرفين – الذين تمت إدانة معظمهم في قضية إرغينكون.
وفي النهاية، رفضت المحاكم العليا في تركيا القضايا المتعلقة بإرغينكون بسبب أدلة غير قاطعة، وأصبح المتهمون الذين تم إطلاق سراحهم من أنصار أردوغان. وبالتالي، بدلاً من أن تكون هذه التحقيقات خطوة رئيسية نحو ترسيخ الديمقراطية في تركيا، أصبحت هذه التحقيقات نقطة انطلاق نحو توطيد النظام الاستبدادي.
ومع ذلك، يعتقد بيرينشيك أن هذه الخطوة جعلت أردوغان عرضة للخطر.
وقال السياسي القومي العام الماضي، إن أردوغان لم يحكم تركيا منذ 2014، لكنها هي التي كانت تحكمه "أعني بتركيا الجيش والشرطة ورجال الأعمال والعمال وحزب الوطن".