بعد تمدده في الجبهات الأربع.. كيف ينجو السودان من طوق الإرهاب؟
الخبراء دعوا إلى نشر قوات في كل الجبهات وإغلاق الحدود ووحدة الصف الوطني والالتفاف حول القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى
أبدى خبراء سياسيون وأمنيون قلقهم إزاء تمدد أنشطة الجماعات الإرهابية في الجبهات الأربع بدول مجاورة للسودان، معربين عن خشيتهم من زعزعة الاستقرار في البلاد، ما لم تسارع السلطة الانتقالية إلى وضع تدابير احترازية تحول دون توغل هذه الجماعات للداخل.
وبعد أن صعّدت جماعة بوكو حرام عملياتها الإرهابية في غربي أفريقيا، لا سيما هجومها الأخير على قاعدة عسكرية للجيش التشادي خلّف عشرات القتلى والجرحى، أصبح السودان، وفق هؤلاء الخبراء، في طوق من الجماعات الإرهابية التي تحيط به من كل اتجاه.
ففي الشمال الغربي للسودان، تنشط جماعات ومليشيات إرهابية على الحدود الطبيعية "الصحراء" مع ليبيا وتشاد، حيث بوكو حرام والمجموعات المتطرفة التي تقاتل في أفريقيا الوسطى.
أما في جبهة السودان الشمالية، فهناك جماعة الإخوان الإرهابية التي تشكل تهديدا للأمن القومي للقاهرة والخرطوم.
فيما يواجه السودان خطرا مماثلا من مليشيات مسلحة على حدوده الشرقية مع إثيوبيا وإريتريا بينها "عناصر الشفتة" وأخرى متطرفة حذر منها الرئيس الإريتري إسياس أفورقي وقال إنها مدعومة من قطر ونظام المعزول عمر البشير لتقويض الاستقرار في بلاده.
وتبدو حدود السودان الجنوبية، وفق مراقبين، الأفضل عن غيرها من حيث التهديد، بعد انحسار المجموعات المسلحة بسبب التغيير السياسي في الخرطوم وخطوات السلام التي تمضي بشكل جيد بدولة جنوب السودان الوليدة.
ويؤكد الخبراء أن مرحلة الانتقال السياسي التي يمر بها السودان وما يعتري ذلك من هشاشة حتمية، ستكون أكبر محفز للجماعات الإرهابية لنقل نشاطها إلى داخل البلاد، الأمر الذي سيقود وقتها إلى ضربة قاضية للإقليم بأسره وليس السودان فحسب.
ويعتقد محللون أن انتهاء حكم الإخوان قد يدفع الجماعات الإرهابية لنقل أنشطتها للسودان، حيث كانت تتحاشاه سابقا، لكونهما ينطلقان من فكر وأيديولوجية مشتركة.
قوات خاصة
وشدد الصحفي السوداني المختص في النزاعات والجماعات المتطرفة محمد علي محمدو على ضرورة أن تسارع السلطة الانتقالية في بلاده إلى تأسيس قوات خاصة بمكافحة الإرهاب، أسوة بما فعلته كثير من الدول التي تواجه خطر هذه الآفة.
وقال محمدو، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "ممارسات نظام الإخوان المعزول خلال ثلاثة عقود ماضية جعلت بيئة السودان محفزة للإرهاب والإرهابيين".
وأضاف: "أصبحت بلادنا بمثابة حاضنة، دون أن تتأثر هي بالإرهاب، حيث لم نشهد تفجيرات أو عمليات بارزة باستثناء اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جرانفيل (أول يناير/كانون الثاني 2008)، وهو ما يؤكد وجود علاقة وطيدة بين الحركة الإسلامية السياسية الحاكمة وقتها وهذه الجماعات، حيث كان السودان في ذلك العصر يصدّر الإرهابيين للعالم".
وأوضح: "الآن تغيرت المعادلة السياسية في السودان، حيث نعيش في وضع انتقالي قد يشجع هذه الجماعات المتطرفة على التوغل داخل بلادنا وضرب الاستقرار ربما عن طريق التعاون مع النظام البائد، فهو حليفها سابقا افتراضا. لذلك يجب المسارعة إلى تأمين الحدود وتأسيس قوات خاصة ومحترفة في مكافحة الإرهاب".
وتلاحق نظام الإخوان المعزول الاتهامات منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بدعم وإيواء الجماعات الإرهابية، وعلى أثر هذه الممارسات أدرجت واشنطن السودان على قائمتها للدول الراعية للإرهاب بسبب استضافة الحركة الإسلامية السياسية وزعيم تنظيم القاعدة في الخرطوم، تلك الجريمة التي لا يزال الشعب السوداني يدفع ثمنها.
ويقول مصدر عسكري رفيع، لـ"العين الإخبارية"، إنه إلى وقت قريب كان جهاز مخابرات المعزول عمر البشير يتعاون مع المعارضة التشادية المسلحة والتي لها علاقة بتنظيم بوكو حرام، إذ يعتبر أن جميعهم "إخوان"، لكنه تراجع بحلول عام 2009م خوفا من دعم الرئيس إدريس ديبي لحركات دارفور المسلحة.
وكانت مخابرات البشير، تفعل الشيء نفسه مع مجموعات ذات صبغة إخوانية مناوئة للنظام الإريتري، وهو ما كشف عنه الرئيس أفورقي ووجه اتهامات مباشرة لقطر والخرطوم بالتورط في دعم هذه العناصر.
والحركة الإسلامية السياسية وأجهزة أمنها السرية والعلنية تولت الدعم الخفي لجماعة الإخوان الإرهابية المصرية على جبهة السودان الشمالية منذ عزل رئيسها محمد مرسي من السلطة، وبحسب تقارير موثقة، فإن نظام البشير وفّر ملاذا آمنا لمئات المتطرفين الهاربين من القاهرة وحتى سقوطه في 11 أبريل/نيسان الماضي.
وبحسب الخبير في شؤون النزاعات محمد علي محمدو، فإن السودان نجا من التفجيرات الإرهابية وانتشار النشاط المعادي للحركات المتطرفة التي تحيط به خلال العقود الثلاثة الماضية، نتيجة لوجود نظام الإخوان على هرم السلطة.
وأوضح: "دفع هذا السبب الإرهابيين لعدم التوغل داخل السودان، كونهم يشتركون مع الحزب الحاكم بالخرطوم في ذات الأيديولوجية، ولا ينبغي أن يثورون عليه حسب اعتقادهم".
وأشار إلى أن هذا السبب انتفى بعد عزل نظام الإخوان عن السلطة، وأصبحت بيئة السودان خصبة لتوسع هذه الجماعات الإرهابية أنشطتها التخريبية، لذلك يستوجب الحذر الشديد.
تمدد بوكو حرام
ولم يستبعد السياسي السوداني والقيادي السابق في الحركات المسلحة نهار عثمان نهار تمدد جماعة بوكو حرام الإرهابية إلى الداخل السوداني، خاصة إذا كثفت تشاد نشاطها للتصدي لهذه الحركة المتطرفة.
وقال عثمان، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، إنه من خلال الهجوم الأخير تبين أن تشاد هي المتصدي الأول لبوكو حرام من الناحية الغربية، وإذا اشتد الخناق على الإرهابيين من الطبيعي أن يفكروا في الفرار إلى السودان الذي يعتقدون أنه سيكون أكثر أمنا لهم، مقارنة بالنيجر وليبيا ومالي التي تنتشر فيها قوات دولية محترفة في مكافحة الإرهاب.
ويرى أن الخطر الداهم على السودان يأتي من الناحية الغربية التي تضم دولتين غير مستقرتين ليبيا وأفريقيا الوسطى، وتنتشر فيها الجماعات الإرهابية بكثافة، أما الحدود الجنوبية تشهد تحسن الوضع الأمني، بينما انحسرت جماعة الإخوان المصرية شمالا، والشرق هادئ لحد كبير ولا يثير المخاوف.
كما اعتبر السياسي السوداني أن الإرهاب عدو الجميع، ويجب أن تعمل السلطة الانتقالية وكل الطيف السوداني على تقوية الجبهة الداخلية من أجل مواجهة الإرهاب وهزيمته.
وشدد عثمان نهار على أن إطالة أمد الصراع في ليبيا وأفريقيا الوسطى ساعد على تمدد الجماعات الإرهابية خاصة بوكو حرام، لا سيما في ظل ضعف الإمكانات لبلدان غرب أفريقيا في مواجهة هذا التنظيم.
وحدة الصف
أما الخبير العسكري اللواء معاش فضل الله برمة فيرى أن التهديدات التي تجابه السودان تتطلب وحدة الصف الوطني والالتفاف حول القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى، والاتفاق حول الأمن القومي للبلاد.
وشدد، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، على ضرورة نشر قوات في كل الجبهات السودانية وإغلاق الحدود للحيلولة دون تمدد الجماعات الإرهابية إلى داخل البلاد، لأنه رغم خطورة الوضع فإن المبادرة لا تزال بأيدينا.
وأضاف الخبير العسكري أن الجبهة الغربية للسودان تشكل الخطر الأكبر، ومن الممكن تسلل المجموعات الإرهابية، الشيء الذي يتطلب تكثيف الجهود عليها من خلال نشر قوات إضافية مع ضرورة اليقظة التامة.