فوضى وعزوف.. ماذا قدمت 200 حزب للسياسة الليبية؟
لقاءات مستمرة بين مسؤولين ليبيين والعديد من الأحزاب بحثا عن حل لأزمة البلاد إلا أن الشارع لا يلمس نتيجة هذه الاجتماعات على الأرض.
أكثر من 200 حزب وتكتل وتجمع سياسي ليبي، إلى جانب أكثر من 7000 منظمة مجتمع مدني –للعمل الأهلي غير السياسي- مسجلة في البلاد، أرقام ضخمة في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 7 ملايين نسمة ثلثهم تقريبا بالخارج، وفقا للإحصائيات الصادرة عن جهات شتى.
هذه الأرقام دفعت الليبيين للتساؤل: أين هذه الأحزاب وماذا قدمت للسياسة الليبية خاصة مع ما تمر به البلاد من أزمات وانقسامات متلاحقة؟
خبراء سياسيون ليبيون أكدوا أن بلادهم دولة حديثة عهد بالأحزاب وهناك عزوف عنها وإن كان السياسيون يسعون لإنشاء عدد كبير منها ليوفروا لأنفسهم غطاء يتحركون من خلاله لتحقيق أغراض خاصة.
ويرى الخبراء في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية" أن أغلبية هذه الأحزاب لا برامج فعلية لها أو أن برامج بعضها مأخوذة من الأخرى وأنه لا بد من إعادة النظر في قانون إنشائها ومراجعة القرارات الصادرة لهم، بحيث أنها لا تتجاوز شهادة بسلبية اسم الحزب وعدم تكراره مع حزب آخر.
أسباب العزوف
الدكتور يوسف الفارسي أستاذ العلوم السياسية الليبي اعتبر أن ليبيا تحتاج إلى وقت وعمل دؤوب حتى يمكن التحدث عن تجربة حزبية ناجحة ويمكن المجاهرة بدورها.
وتابع الفارسي، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن النواة الأولى لمشاركة الأحزاب في السلطة لأول مرة في ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني الليبي 2012 والتي أظهرت تدني شعبية الأحزاب.
وأوضح أن الأرقام الرسمية الصادرة عن المفوضية العليا لانتخابات أشارت لتنافس 350 مرشحا عن القوائم الحزبية على 80 مقعدا، في حين قفزت المشاركة الفردية إلى 2600 مرشح على 120 مقعدا، وهو ما يؤكد عزوف الليبيين منذ نشأة الأحزاب عنها.
وأرجع الأكاديمي الليبي ارتفاع عدد المستقلين تجاه الأحزاب إلى غياب التنمية السياسية وسنوات القهر والظلم وتخوين الحزبية في عهد النظام الراحل معمر القذافي، فضلا عن غياب برامج حقيقية وواضحة للأحزاب.
وأردف أن التنشئة السياسية لنظام القذافي والتي ما زال كثير من الليبيين مؤمنين بها تحرم العمل الحزبي وتتسبب في عزوف الليبيين عن الانخراط في أحزابهم الوليدة، إلى جانب عدم جاهزية هذه الأحزاب للاستقطاب بسبب افتقادها للكوادر القادرة على حشد التأييد ووضع السياسات.
الفارسي أوضح أن الولاء القبلي لدى غالبية الشعب الليبي دافع قوي لعدم انخراطهم في مئات الأحزاب الوليدة، بالإضافة إلى غياب دور المعارضة -التي عادت من المنفى بعد 2011 - في نشر ثقافة الأحزاب وتوعية المواطنين بجدواها.
وأشار إلى أن اعتقاد المواطن الليبي بأن هدف الحزبية هو الوصول للحكم ربما يكون من أهم الأسباب، وأن هذا لا يحدث عادة في الحكم الديمقراطي، محملا المسؤولية أيضا لمؤسسي الأحزاب أنفسهم لقصورهم في الوصول إلى الشارع، كما أن غياب الإمكانيات والوسائل الإعلامية لإقناع الناس وتثقيفهم وحشدهم يبقي الأحزاب في عزلة.
واختتم أن غموض خطط بعض الأحزاب أو اجترار وتكرار الأهداف التي يطرحها المنافسون قد أفرغها من محتواها، كما أن المجتمع الليبي لا يعرف غالبية مؤسسي الأحزاب، خاصة مع معاداة الخطاب الديني للحياة الحزبية، وخذلان الكيانات المتكونة خارج ليبيا للمضطهدين مما دفع المجتمع للشعور بالإحباط بخوض تجربة الأحزاب.
الأحزاب والمليشيات
ومن جانبه، يرى الناشط والمحلل السياسي الليبي محمد قشوط، أن العمل الحزبي بعد 2011 شهد نشوة ودورا كبيرا في الخطاب السياسي الليبي لرغبة الأحزاب في العمل بعد حرمان 42 سنة مع نظام القذافي.
وتابع في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الصراعات التي دارت بين الأحزاب عقب انتخابات 2012 انعكست سلبا على استقرار البلاد ومعيشة المواطن الليبي الأمر الذي أدى إلى تورط بعض الأحزاب في دعم المليشيات لكي يصبح لها ذراعا عسكرية يساندها ويحميها فسرعان ما فشلت التجربة الحزبية.
ونبه قشوط إلى أن كثيرا من الليبيين يرون أن العمل الحزبي انتهى وكتبت وفاته منذ سنة 2014 مع انفجار الأوضاع والدخول في مرحلة الاحتراب والصراع المسلح الذي انقسمت فيه ليبيا على الصعيد المؤسساتي حتى اليوم.
وشدد على أن الليبيين لم يعودوا يثقون في هذه الأحزاب، خصوصا أنها فقدت حاضنتها ولم يعد بإمكانها تحريك حتى مظاهرة واحدة، لذا فالشعور السائد الآن لدى عموم المواطنين أنه لا بد أن يكون هناك دستور ينظم العمل الحزبي ويرخص له وتعرف مصادر تمويله وفي ذلك الحين يمكن عودة الثقة لها من جديد.
خطاب الخارج
أما المحلل السياسي الليبي سالم سويري فيرى أن الأحزاب لن تشكل أي تغيير في المشهد السياسي الليبي وأن الحديث معها من قبل أي مسؤول لا يعدو توصيل رسائل معينة للخارج بالانفتاح على الجميع في حين أن الداخل يدرك حقيقة أنها بلا أي تأثير.
وقال سويري، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الأحزاب الفاعلة والمؤثرة بشكل ما قليلة وتعد على الأصابع ومعروفة لدى الجميع في حين أن الغالبية العظمى تعاني من أحادية التصرف وبدائية بنائها وبرامجها وغموض مساراتها، كما أن تجارب الليبيين معها غير جيدة.
وأضاف أنه لا توجد بوادر حزب قوي أو ذكي أو سياسي فذ، لافتا إلى أن أقصى ما يفعلونه هو الاجتماع وإجراء حلقات حوارية كأنهم منظمات مجتمع مدني وليس لهم أي ثقل سياسي لهم، وأن ما يفعلونه يكون للاستظهار ومخاطبة الخارج أو إظهار مظهر القوي غير الحقيقي لدى مموليهم وداعميهم.
ونوه إلى أن قانون انتخاب مجلس النواب المنتظر أو الرئاسة نص على أن المرشحين يكونون مستقلين ولا وجود لنظام القائمة، مستدركا أن الأعداد غير منطقية خاصة أن هناك أكثر من 200 حزب وليس لهم أي دور أو تغيير حقيقي وواقعي ملموس في الداخل الليبي.
واختتم أن بعض السياسيين أو التنظيمات الإسلامية خاصة الإخوان يسعون لإنشاء عدة أحزاب بتسميات مختلفة ليوفروا لأنفسهم غطاء سياسيا يتحركون من خلاله لتحقيق أغراض خاصة، أو لإظهار قوة وهمية بأن لهم ظهيرا حزبيا واسعا من عدة أحزاب على الورق، مشددا على ضرورة إعادة النظر في قانون إنشائها ومراجعة القرارات الصادرة لهم، بحيث إنها لا تتجاوز شهادة بسلبية اسم الحزب وعدم تكراره مع حزب آخر.
aXA6IDMuMTM5LjIzNi45MyA= جزيرة ام اند امز