زيارة محمد بن زايد إلى الصين.. خارطة طريق لـ100 عام مقبلة
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أجرى خلال الفترة من 21 إلى 23 يوليو مباحثات ولقاءات مع كل من الرئيس الصيني ونائبه ورئيس مجلس الشعب.
زيارة ناجحة بكل المقاييس للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى الصين، استمرت 3 أيام، توجت بنتائج مثمرة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية.
سياسيا، أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال الفترة من 21 إلى 23 يوليو/تموز الجاري، مباحثات ولقاءات مع كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونائبه وانغ تشي شان، ورئيس مجلس الشعب لي شان زو، ورئيس مجلس الدولة وولي كه تشيانغ.
على الصعيد الاقتصادي، شهدت الزيارة عقد المنتدى الإماراتي الصيني، وتوقيع العشرات من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجانبين.
أما ثقافيا، فتم بالتزامن مع الزيارة انطلاق الأسبوع الثقافي الإماراتي الصيني في بكين، وعقد جلسة شبابية حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على المشاركة في جانب منها.
كما زار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان النصب التذكاري لأبطال الشعب الصيني في ساحة تيانانمن التاريخية؛ تقديرا منها لتاريخه وثقافته.
واختتمت الزيارة بإصدار بيان مشترك، كان بمثابة خارطة طريق ترسم ملامح العلاقات المستقبلية بين الدولتين وآفاق تطويرها، ويبرز الرؤى المشتركة بين الدولتين إزاء قضايا المنطقة والعالم.
وحظي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحفاوة بالغة على الصعيدين الرسمي والشعبي، وسط حرص كامل من المسؤولين الصينيين عن الإعراب عن تقديرهم لتلك الزيارة التاريخية، التي تزامنت مع مرور 70 عاماً على تأسيس جمهورية الصين، ومرور 35 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي وبكين.
وتم الاحتفاء بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان أكاديميا بمنحه شهادة "بروفيسور فخرية" من جامعة تسينغهوا الصينية العريقة تقديرا لجهوده في دعم العلوم وتعزيز علاقات البلدين.
النتائج المثمرة للزيارة، أكدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حيث قال إنها وضعت بصمات خارطة طريق للنهوض بالعلاقات بين البلدين لـ100 عام مقبلة.
مباحثات رسمية
على صعيد المباحثات الرسمية خلال الزيارة، عقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الصيني شي جين بينغ، جلسة مباحثات تناولت تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وعددا من القضايا الإقليمية والدولية.
واستعرض الجانبان، خلال اللقاء، علاقات الصداقة ومسارات التعاون الاستراتيجي الشامل، وأهم المقومات والفرص الواعدة لتطويره خاصة في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والعلمية والثقافية والطاقة المتجددة بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.
وأكد الرئيس الصيني أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تعطي دفعا قويا للعلاقات الثنائية بما يلبي تطلعات البلدين وشعبيهما إلى فتح آفاق أوسع للتعاون في مختلف المجالات.
بدوره، أشار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أن ترقية الشراكة الاستراتيجية، التي كانت قائمة بين البلدين منذ عام 2012، إلى المستوى الشامل بمناسبة الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس شي جين بينغ لدولة الإمارات خلال عام 2018، كانت بمنزلة تتويج لمسار طويل وناجح من تعاون البلدين، الذي أثمر شراكات رائدة في المجالات المختلفة.
ولفت إلى أن تطوير العلاقات مع الصين يمثل توجهاً استراتيجياً لدولة الإمارات، وستعمل على تعزيز هذا التوجه ودعمه خلال السنوات المقبلة.
ونوَّه بالنمو الكبير الذي شهده معدل التبادل التجاري بين البلدين، خلال السنوات الماضية؛ مما جعل الصين الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، وبما يميز العلاقات بين أبوظبي وبكين من تنوُّع كبير يشمل التكنولوجيا والفضاء والصناعة والاستثمار والطاقة والتعليم والثقافة وغيرها.
وفي لقاء منفصل، بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصيني، جوانب التعاون المشترك بين البلدين وفرص تنميته إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
كما التقى لي شان زو رئيس اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب الصيني، الذي أعرب عن تقديره لدور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في ترسيخ علاقات الصداقة بين البلدين.
وحضر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ووانغ تشي شان نائب رئيس الصين، حفل الاستقبال، الذي نظمته سفارة الإمارات في بكين بمناسبة مرور 35 عاما على تأسيس العلاقات الثنائية بين البلدين.
32 اتفاقية ومذكرة تفاهم
المباحثات المثمرة، تكللت بتوقيع عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في مختلف المجالات، سواء على الصعيد الحكومي أو القطاع الخاص، من بينها 16 تمت عقب جلسة المباحثات الرسمية بين ولي عهد أبوظبي والرئيس الصيني، و16 أخرى خلال المنتدى الاقتصادي الإماراتي الصيني.
وشهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الصيني مراسم تبادل اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين شملت المجالات الدفاعية والاقتصادية والتجارية والبيئية، إضافة إلى التعليمية والجمارك والطاقة، وتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة والتعاون الثنائي بين البلدين وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات.
من أبرز تلك الاتفاقيات: مذكرة تفاهم بشأن التعاون العلمي والتكنولوجي للذكاء الاصطناعي، وأخرى في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتعاون بين دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي والمتحف الوطني الصيني، ومذكرة للتعاون في مجال الطاقة بين شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" وشركة النفط البحرية الصينية الوطنية"cnooc"، ومذكرة تفاهم بين سوق أبوظبي العالمية واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية.
بجانب توقيع اتفاقية بين سوق أبوظبي العالمي والمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية "سي إن إن سي" لإنشاء المؤسسة -التي تعد كبرى المؤسسات المملوكة للحكومة الصينية- مركزا للخزانة ومركزا ماليا وتشغيليا واستثماريا في سوق أبوظبي، واتفاقية بشأن التعاون البحثي المشترك بين جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا وجامعة تشينخوا الصينية.
كما شهد الطرفان مراسم تبادل اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين عدد من مؤسسات القطاع الخاص في البلدين، من بينها مذكرة تفاهم بين شركة جلوبال إيرواسبيس لوجيستكس "جال" وشركة الصين الوطنية لتقنيات الفضاء، واتفاقيتان إطاريتان للتعاون المشترك بين شركة "أدنوك" ومجموعة "وانخوا"، واتفاق تعاون بين شركة "إعمار العقارية" ومطار بكين داشينغ الدولي .
واحتضن المنتدى الاقتصادي الإماراتي الصيني، الذي شارك فيه أكثر من 500 شخصية من قيادات القطاعين العام والخاص في البلدين، التوقيع على 16 مذكرة واتفاقية تفاهم بين مؤسسات البلدين في العديد من المجالات.
وينتظر أن تعزز تلك الاتفاقيات الشراكة بين الجانبين، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، في ظل مبادرة "حزام واحد-طريق واحد" التي أطلقتها بكين منذ سنوات، وخصوصا أن موقع دولة الإمارات الاستراتيجي، وبنيتها التحتية العصرية، وقدراتها اللوجستية المتطوِّرة، وعلاقاتها التجارية المتنوعة والواسعة مع مختلف دول العالم، ودورها المسؤول في سوق الطاقة العالمية، يجعلها طرفاً فاعلاً في مبادرة "حزام واحد-طريق واحد" ومحطة أساسية من محطاتها.
وتعد الصين الشريك التجاري الأهم للإمارات في التجارة السلعية غير النفطية حيث تستحوذ على ما نسبته 9.7% من إجمالي التجارة غير النفطية للإمارات خلال 2018، وبقيمة تتجاوز 43 مليار دولار؛ إذ شكلت التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات مع الصين خلال العام الماضي ما نسبته 16% من إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات مع دول قارة آسيا .
كما تقع الإمارات ضمن قائمة أهم 25 دولة عالميا في استقطاب الصادرات الصينية، والشريك التجاري الأهم عربيا للصين في التجارة الخارجية غير النفطية.
جسور ثقافية
الشراكة بين البلدين لا تقتصر على الجانب السياسي والاقتصادي فقط، بل تحمل أبعاداً ثقافية وحضارية، فكلا البلدين يتمتع بتاريخ عريق وموروث حضاري مشرق، أتاحت الزيارة فرصة كبيرة للتعرف عليه وإبرازه من خلال فعاليات عدة.
ومن أبرز تلك الفعاليات الأسبوع الإماراتي الصيني، والذي تم خلاله تقديم مجموعة من العروض الثقافية والفنية والتراثية لتعريف الجمهور الصيني على الموروث الثقافي الإماراتي الكبير وما يزخر به من قيم أصيلة.
الجانب الثقافي أوْلاه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اهتماما كبيرا خلال زيارته، حيث حرص على حضور جانب من الحلقة الشبابية الإماراتية-الصينية التي استضافتها جامعة "تسينغهوا " في العاصمة بكين.
واستمع في بداية الجلسة إلى آراء الشباب والشابات حول طموحاتهم وأفكارهم وتطلعاتهم الشخصية والتعليمية ورؤيتهم لطبيعة التعاون بين البلدين.
وتحدث خلال الجلسة معربا عن سعادته بوجوده بين الشباب والتحدث إليهم، قائلا: "أنا فخور بوجودي هنا لبناء جسور التواصل والتعاون بين دولة الإمارات وجمهورية الصين خاصة خلال هذه الفترة التي نحتفل فيها بمناسبة مرور 35 عاما على بناء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ".
وحول زيارته، أشار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أن الجانبين يضعان بصمات خارطة طريق لـ100 سنة مقبلة، موضحاً أن دولة الإمارات تؤمن بالدور الكبير والمحوري للثقافة في تعزيز العلاقات مع الدول المختلفة، ومن بينها جمهورية الصين الشعبية.
وفي لفتة تقديرية منه لتاريخ وثقافة الشعب الصيني، زار الشيخ محمد بن زايد النصب التذكاري لأبطال الشعب في ساحة تيانانمن التاريخية في العاصمة بكين، ووضع إكليلا من الزهور على النصب الذي شيد تكريما للذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن وطنهم.
كما التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وفد "مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية" في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، ووجه خلال اللقاء بمنح مليوني دولار دعما للمركز.
ومن اللفتات الثقافية إلى الاحتفاء الأكاديمي، حيث منحت جامعة "تسينغهوا" الصينية العريقة الشيخ محمد بن زايد شهادة "بروفيسور فخرية" تقديرا لدوره ومبادراته في دعم العلوم المتقدمة والتكنولوجيا والابتكار، إضافة إلى تكريس جهوده في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين؛ حيث تعد الشهادة أعلى وأرقى شهادة تقدمها الجامعة للقادة والرؤساء.
البيان المشترك.. خارطة طريق
واختتمت الزيارة بإصدار بيان مشترك كان بمثابة خارطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، والتحليق بها إلى آفاق أرحب، لتكون نموذجا يحتذى في العلاقات الدولية.
واتفق الجانبان على استمرارية التواصل والتعاون والتركيز خلال المرحلة المقبلة على إعطاء الأولوية لتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وترسيخ العلاقات الخاصة بين البلدين الصديقين، وتكثيف الزيارات المتبادلة والمشاورات بين قادة ومسؤولي الجانبين على المستويات كافة.
وأكدت الصين دعمها الجهود التي تبذلها الإمارات من أجل احترام سيادتها وسلامة أراضيها ووحدتها، لافتة إلى مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل القضايا بالطرق السلمية، وفقاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وفي ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة، والتوتر الذي يشهده مضيق هرمز، أكد الجانبان "أهمية العمل على حماية أمن وسلامة إمدادات الطاقة عبر الممرات البحرية في منطقة الخليج العربي، ودعوة المجتمع الدولي للتعاون في تأمين الملاحة الدولية وتأمين وصول الطاقة".
وأكدا أن العمل التخريبي الذي طال ناقلات النفط في المياه الإقليمية لدولة الإمارات في مايو 2019 ومضيق هرمز في يونيو 2019 يشكل تهديدا حقيقيا للملاحة الدولية.
وطالبا بتبني موقف صارم وإدانة هذه الأعمال التخريبية الاستفزازية التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، أدان الجانبان التطرف والإرهاب بكافة أشكاله وصوره، مؤكديْن عدم ارتباط هذه الآفات بأي عرق أو دين.
وأشار الجانبان إلى زيادة تعزيز التواصل والتعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وأكدا سعيهما إلى تعزيز السلم والاستقرار الدوليين، وترسيخ قيم الاعتدال والتسامح عبر العمل مع المجتمع الدولي والشركاء؛ لمواجهة تحديات التطرف العنيف والإرهاب.
وأكدت الإمارات دعم مبادرة "الحزام والطريق"، والحرص على المشاركة النشطة في مشاريع البناء والأعمال المعنية ذات الصلة.
وفي ضوء ما حققته الزيارة من نتائج مثمرة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة، مرحلة جديدة تحلق بالشراكة الاستراتيجية الشاملة إلى آفاق أرحب، بما يصب في صالح البلدين والشعبين.
aXA6IDMuMTQ3Ljc2LjE4MyA= جزيرة ام اند امز