لم أكن بكامل لياقتي النفسية، لكني تحاملت على نفسي، وقبلت دعوة حفل ضمَّ عددا من الصحفيين والإعلاميين والسياسيين المصريين.
وعلى طاولة واحدة جلستُ إلى جوار بعض الزملاء، وبيننا الإعلامي القدير الأستاذ السيد الغضبان، وحين دخل وزير الإعلام القيادي في جماعة الإخوان صلاح عبد المقصود، قام الجميع لتحيته وتقدّم الرجل ليصافحنا جميعا، وعلى طاولتنا قرر الجلوس ليدور حوار ودي بشأن ما وصفه "عبد المقصود" بـ"حراك سياسي جيد"، وإن خرج في بعض الأحيان عن حدود اللياقة، بل والشطط في الهجوم على الإخوان.
في هذه اللحظة قررت صحفية كانت قبل وقت قريب تصف الإخوان بـ"الكذابين" لتسأل "عبد المقصود" ساخرة: وبالنسبة لهؤلاء "الريبراريين" -نطقتها على هذا النحو استهزاءً- ماذا ستفعلون معهم ومع من يدعمونهم من المحسوبين على الإعلاميين؟
نظر "عبد المقصود" نحوها وقال ضاحكا: "ماتخافيش يا أستاذة بُكره الشباب هيعلّموهم الأدب.
أثار رد الوزير استغراب الموجودين، فسألتُه مستنكرا: معالي الوزير "معلش يمكن أنا سمعت غلط".. أنت وزير إعلام مصر، هل تقول إنكم ستدفعون شبابكم لتأديب الإعلاميين؟!
نظر الرجل نحوي وجال ببصره حول الجالسين قبل أن يقول: مالك يا عم سمير أنت هتُقف لي ع الواحدة؟! لا طبعا لم أقل ذلك، ما قصدتُه هو أنه بالتأكيد هناك من الشباب من يرفض تلك الممارسات وسيردون عليهم، ولا دخل لي ولا للوزارة ولا للإخوان بهذا الأمر... قالها ثم حوّل الكلام في اتجاه آخر، موجها الشكر لصاحب الدعوة.
في اليوم التالي كانت المجموعات التابعة لحازم صلاح أبو إسماعيل قد تحركت نحو مدينة الإنتاج الإعلامي لمحاصرتها.
وبعدها بشهور، وبعد الإطاحة بحكم الإخوان، أصبحت تلك الصحفية واحدة من قيادات كتائب الإخوان الإعلامية.
دستور الإخوان
الزمان فجر يوم 19 نوفمبر 2012..
المكان مطار القاهرة الدولي..
الوجهة: مطار العريش، تمهيدا لدخول قطاع غزة ضمن وفد برلماني مصري يترأسه رئيس مجلس الشعب ورئيس حزب "الحرية والعدالة"، سعد الكتاتني.
في انتظار إقلاع الطائرة يدور نقاش بين عدد من النواب بشأن تهديد عدد من أعضاء لجنة وضع الدستور من ممثلي القوى المدنية بالانسحاب من اللجنة، اعتراضا على سلوك الأعضاء الإخوان وغيرهم من أعضاء التيارات الإسلامية..
أتدخل في الحوار الذي كان أغلبه موجها للدكتور الكتاتني قائلا: يا دكتور لا يجب أن يُترك هؤلاء للانسحاب من اللجنة، ولا بد من إيجاد صيغة للتفاهم بينكم.
ليرد الكتاتني: لا مجال للحديث معهم، فهم يريدون فرض رأيهم على الأغلبية، وهذا أمر لا يمكن قبوله، في هذه اللحظة تدخل الدكتور صفوت عبد الغني، القيادي بالجماعة الإسلامية وعضو مجلس الشورى آنذاك: يا أستاذ سمير إنهم أناس لا يحبون الله ورسوله!!!
صعقتني عبارة "عبد الغني"، خاصة حين لم يعلّق الدكتور الكتاتني، ليتدخل الدكتور صفوت حجازي: المهم إنهم بيهددوا بالانسحاب.. طيب يا ريت ينسحبوا ونشوف مين هيأيدهم!!
ساعتها لم أتمكن من استكمال الحوار، وقلت موجها كلامي للكتاتني: لا يجب يا دكتور ترك الأمور لتصل إلى هذا الطريق المسدود.. هذا إن كنتم تريدون دستورا يعبر عن الجميع، لا عن تيار دون آخر.
وشكرتُهم جميعا وتوجهت إلى النائب محمد العمدة، الذي كان يتابع دون تعليق، وقلت له: وأنت إيه رأيك يا سيادة النائب؟
فأعطاني سيجارة لأدخنها.
وبعد عودتنا من غزة... انسحب أعضاء اللجنة من غير الإخوان وصدرت التعليمات بضرورة إنجاز الدستور على النحو الذي يراه الإخوان وحلفاؤهم، فكان لهم ما أرادوا.
كتائب العنف
كنتُ قد شاهدتهم مرات عدة قبل هذا المساء البارد، مطلع ديسمبر 2012، لكنهم كانوا هذه المرة أشد عنفا وأكثر إصرارا على "اللي يرش مرسي بالميه نرشه بالدم".
كان المعارضون لحكم الإخوان قد باتوا ليلتهم أمام قصر الاتحادية قبل أن تداهمهم كتائب الإخوان وغيرهم من التنظيمات الإسلامية الأخرى في الصباح، وعلى مدار ساعات اليوم كانت معارك الكر والفر على أشدها، وقرب الثامنة كانت الكتائب الإخوانية قد تمكنت من حسم المعركة وسط عشرات الجرحى والمصابين في صفوف المعارضة... كان الضرب في الأرجل حتى يتذكر المعارضون أن هناك من سيكسر أرجلهم، التي ساقتهم للتظاهر ضد "الشرعية" و"ضد الإسلام وشريعته"، هكذا كانوا يقولون وهم يلوّحون بأسياخ الحديد والهرّاوات.
كنت على الهواء أنقل ما يدور حولي أمام قصر الاتحادية وسط مراقبة عناصر الإخوان لما أقوله، وبينما أواصل الحديث بدأت الأصوات تتصاعد من حولي، أنهيتُ النقل المباشر وتوجهت ببصري نحو من كانوا يرفعون أصواتهم، فإذا بأحدهم يصرخ في وجهي: أنت قاعد تتكلم هنا ومش عايز تيجي تصور البلطجية اللي قبضنا عليهم أمام بوابة القصر؟!، لقد اعترفوا بأنهم بلطجية وأنهم تقاضوا أموالا للتظاهر من حمدين صباحي والبرادعي!
قلتُ له: أين هم؟، فقال: مربوطين في بوابة القصر تعالى صوّرهم!
قلت له هذا زميلي أحمد العاصي سيذهب معك للتصوير، وبالفعل ذهبوا جميعا نحو بوابة القصر، حيث كان يقف يحيى حامد وعدد من قيادات الإخوان، وحين همّ بالتصوير بكاميرا الهاتف الذكي، حيث كان عدد من المعارضين مقيدين في البوابة وعلى وجوههم آثار التعذيب، نظر إليه أحدهم وسأله: "تبع مين حضرتك؟ أنت مع الدكتور البلتاجي؟
وحين علم هوية زميلي الصحفية منعه من التصوير وأمره بحذف ما صوّره وطلب منه مغادرة المكان وصرخ في وجه مَن جاء به إلى بوابة القصر: "أنت عبيط؟! مين قالك تجيب صحفيين هنا؟!!!
كان هذا يحدث فيما كان العشرات من المسلحين بالهراوات والأسياخ الحديدية والأسلحة البيضاء يطوفون حولي وحول ساحة القصر، بحثا عن أي معارض لحكم الإخوان ليؤدبوه على جرأته في معارضة "الشريعة والشرعية".
ليعود زميلي ويروي لي ما حدث.
وفي اليوم التالي كان المعارضون يحتشدون في ميدان التحرير لفتح جبهة جديدة ضد حكم الإخوان وما ارتكبه أنصارهم من جرائم بحق من تظاهروا أمام قصر الاتحادية.
نقلا عن سكاي نيوز عربية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة