السينما التونسية في ثوب مختلف.. دور عرض جديدة وموضوعات متحررة
تونس سجلت نقلة في عام 2012، وصارت تنتج نحو 12 فيلما طويلا سنويا تلقى استحسان الجمهور المحلي أكثر من الأفلام الأجنبية.
نجح جيل شاب من السينمائيين والمنتجين التونسيين في إثارة موضوعات اجتماعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشددة قبل ثورة عام 2011، وتقديمها في طرح جريء، مساهمين في ظهور سينما جديدة بالرغم من قلة صالات العرض.
- "الساعة الأخيرة" تمثل مصر في أيام قرطاج المسرحية
- مدير "أيام قرطاج السينمائية": مونيكا بيلوتشي لن تكون ضيفة المهرجان
ويقول الحبيب عطية، وهو من كبار المنتجين التونسيين: "من أهم مكتسبات الثورة أننا نستطيع الحديث عن كل الموضوعات، خاصة الاجتماعية والمتعلقة بالحياة اليومية بثرائها وتعقيداتها".
في مطلع القرن الماضي كانت السينما التونسية فيما يشبه حالة الموت البطيء، إذ لم تكن تنتج أكثر من فيلمين أو ثلاثة في السنة.
لكن في عام 2012، سجّلت نقلة وصارت تنتج منذ ذلك الحين 12 فيلماً طويلاً سنوياً تلقى استحسان الجمهور المحلي أكثر من الأفلام الأجنبية.
وحقق فيلم "الجايدة" للمخرجة والناشطة السياسية سلمى بكار عن أوضاع المرأة التونسية، إقبالاً لافتاً إذ حضره نحو مائتي ألف شخص خلال هذا العام، وكان أكثر الأفلام التي شهدت إقبالاً منذ 15 عاماً، وفقاً لأحد أهم الموزعين في البلاد لسعد القوبنطيني.
وفرضت السينما التونسية نفسها على الساحة الدولية بأصالتها التي مكنتها من نيل جوائز دولية. ففي 2016 فاز فيلم "نحبك هادي" للمخرج التونسي محمد بن عطية، الذي عالج فيه قضية تحرر شاب تونسي محافظ، بجائزتين في مهرجان برلين الدولي.
وأدرج فيلم "على كف عفريت" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية الذي يعرض صعوبات واجهت امرأة تونسية تعرضت للاغتصاب، ضمن مسابقة "نظرة ما" في مهرجان كان الدولي. وهو مقتبس من واقعة اغتصاب فتاة من قبل أمنيين هزت الرأي العام في تونس عام 2012.
كما رشح فيلم "ولدي" لمحمد بن عطية لمسابقة "أسبوعا المخرجين" في مهرجان كان، ومن خلاله صور المخرج حياة أب تونسي من الطبقة الوسطى، يعيش اضطراباً مع قرار ابنه السفر للقتال في سوريا.
وتطرح أفلام أخرى على غرار "فتوى" لمحمود بن محمود، والذي من المنتظر أن يخرج إلى الصالات في 2019، ظاهرة التطرف لدى الشباب.
ويشارك هذان الفيلمان في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" الذي ينطلق السبت ويتواصل على أسبوع ويخص الأفلام العربية والأفريقية.
حرية في الشكل والمضمون
يرى المخرج الثلاثيني مهدي البرصاوي أن المؤلفين "لم يعودوا مجبرين على استعمال الاستعارات والالتفاف" حول الخطوط الحمراء.
وهو يعمل حالياً على تصوير أول أفلامه الطويلة حول الاتجار بالأعضاء بين ليبيا وتونس في فوضى ما بعد الثورة.
وتتميز أعمال الجيل الجديد بتحرر في المضمون وكذلك في الشكل، إذ ظهرت أفلام صامتة وأخرى تصور أجزاء من الحياة باستعمال الهواتف الذكية.
ويقدم المخرج عبد الحميد بوشناق أول فيلم رعب في "أيام قرطاج السينمائية"، بعدما عُرض في مهرجان البندقية السينمائي.
وصاحَب التجديد في الإنتاج تطور في ميدان التوزيع، إذ باتت هناك 15 قاعة للعرض بعدما لم تكن في تونس سوى بضع صالات فقط في عام 2012.
ويقول القوبنطيني إن كل فيلم جديد ترافقه حملة إعلانية ونقاشات. ونتيجة لذلك يرتفع إقبال الجمهور بنسبة 10 إلى 15% سنوياً وفقاً لشركة التوزيع الفتية "هكا".
ويقول قيس زايد، الشريك المؤسس لـ"هكا" مع مجموعة من الشباب في 2013 "لدينا ماسة خام، ويجب نحتها، ما زال أمامنا الكثير للقيام به لمرافقة هذا الإنتاج السينمائي".
ويواجه قطاع السينما في تونس عراقيل عدة، منها تشريعات قانونية عفا عليها الزمن لا تنظم العلاقة بين المنتجين والموزعين، وعدم توفر نظام لبيع التذاكر عبر الإنترنت.
وتعتزم مجموعة "باتيه جومون" فتح مجمع بثماني قاعات عرض سينمائي في تونس العاصمة وسوسة (شرق) بالإضافة إلى إعادة تهيئة قاعات أخرى.
لكن خبراء في مجال التوزيع يقولون إن تأسيس سينما قوية في تونس يحتاج إلى مائة صالة على الأقل.