على مسار قضية تغير المناخ.. "أفريقيا" قارة المتناقضات وضحية منسية
من الفيضانات القاتلة في نيجيريا إلى الجفاف المدمر في الصومال، واجهت أفريقيا سلسلة من الأحداث المناخية القاسية وغير المسبوقة في 2022.
في حين احتل موسم الأعاصير في الولايات المتحدة وحرارة 40 درجة مئوية في المملكة المتحدة عناوين الأخبار، لم يتم الإبلاغ عن العديد من الأحداث المناخية الأكثر تطرفا وتغيرا للحياة في أفريقيا في وسائل الإعلام العالمية.
تعد أفريقيا قارة المتناقضات في قضية تغير المناخ، ما يقرب من 1.4 مليار شخص (17% من سكان العالم) يمثلون 2 إلى 3% فقط من الانبعاثات العالمية من الطاقة والصناعة، وفقًا للأمم المتحدة.
كشفت دراسة أمريكية أن دول قارة أفريقيا الفقيرة هي الأكثر تضررا من تداعيات التغير المناخي رغم إسهاماتها الضئيلة في ذلك.
وسلط معهد بروكينغز الأمريكي للأبحاث الضوء على جهود تمويل مكافحة التغير المناخي فى أفريقيا، وذلك فى تقرير بعنوان "تحويل الطموحات السياسية إلى عمليات تمويل مناخي ملموسة فى أفريقيا".
وقال التقرير إن أحد الأهداف الرئيسية لمؤتمر COP27 الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية العام الماضي، هو تسريع العمل المناخي العالمي من خلال الحد من الانبعاثات، وتوسيع نطاق جهود التكيف وتعزيز تدفقات التمويل المناسب.
وفي حين أنه تم الاتفاق بشأن صندوق "الخسائر والأضرار" الجديد للدول المعرضة للخطر هو تطور إيجابي، إلا أن التقدم في تمويل المناخ ما زال يواجه العديد من حالة من عدم الوضوح، وهذا مقلق بالنسبة للدول الأفريقية، بحسب التقرير.
وأكدت التقارير الأخيرة حول تغير المناخ، مثل تقرير التوقعات الاقتصادية الأفريقية لعام 2022 وتقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن أزمة المناخ من المرجح أن تتفاقم خاصة في أفريقيا، وأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات لتجنب الكارثة الوشيكة وقد فوت زعماء العالم مرة أخرى فرصة الانتقال من مجرد التزامات وطموحات سياسية إلى إجراءات ملموسة.
المناخ في أفريقيا
وتعتبر حالة أفريقيا مقلقة بشكل خاص، لأن القارة تعد من أقل القارات تلوثًا ورغم ذلك تواجه عبئًا غير متناسب من تأثير تغير المناخ. فبين عامي 1850 و2020 ظلت مساهمة أفريقيا في الانبعاثات العالمية أقل من 3٪، بينما حوالي 70٪ من انبعاثات الكربون العالمية صادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والصين.
وبلغ متوسط البصمة الكربونية للقارة 0.95 طنًا فقط من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2020 ، وهو أقل بكثير من المستهدف البالغ 2 طنًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون المطلوب لتحقيق هدف الانتقال الصافي الصفري.
وعلى الجانب الآخر، كان لدى المواطن الأمريكي العادي بصمة كربونية تصل إلى 14 طنًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون ، أي أعلى بخمسة عشر مرة من بصمة الأفريقي العادي.
التزامات التمويل
والوعد البالغ 100 مليار دولار الذي قطعته الدول المتقدمة منذ عام 2009 في مؤتمر كوب 15 في كوبنهاغن، لم يتحقق بعد وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويشير تقرير المنظمة إلى أن تمويل المناخ الذي حشدته الدول المتقدمة بلغ 83.3 مليار دولار في عام 2020، أي أقل بنحو 16.7 مليار دولار من الهدف.
وارتفعت حصة أفريقيا من التمويل العالمي للمناخ -الذي قدمته الدول المتقدمة للدول النامية- بمقدار 3٪ في المتوسط من 23٪ بقيمة 48 مليار دولار إلى 26% بقيمة 73 مليار دولار.
وهذا يعني أن أفريقيا استفادت من 18.3 مليار دولار سنويًا وهو مبلغ أقل بكثير عن آسيا التي استفادت من 27.3 مليار دولار سنويًا رغم استحواذ أفريقيا على حوالي 40٪ من جميع الدول المؤهلة للاستفادة من هذا الدعم، مقارنة بنسبة 20% في فقط في آسيا.
بالإضافة إلى ذلك، شكلت أدوات الدين، ومعظمها قروض، حوالي ثلثي التمويل المتعلق بالمناخ الموجه إلى أفريقيا وبشروط غير ميسرة.
وتقل تدفقات تمويل المناخ إلى أفريقيا مقارنة بضخامة الموارد اللازمة للإسهامات الوطنية فى خطة مكافحة التغير المناخي، والتي يُقدر أنها تتراوح من 1.3 تريليون دولار إلى 1.6 تريليون دولار بين عامي 2020 و2030 ، أو 118.2 مليار دولار إلى 145.5 مليار دولار سنويًا خلال هذه الفترة، وبالتالي يمكن أن تصل فجوة التمويل السنوية لأفريقيا إلى متوسط يقدر بقيمة 108 مليارات دولار سنويًا حتى عام 2030.
التمويل الإضافي
أما زيادة التمويل المتعلق بالمناخ لتجنب الكوارث المناخية المتزايدة في الدول النامية، فتتطلب إرادة سياسية مماثلة وعملًا جماعيًا، بحسب التقرير. ولتحقيق هذه الغاية يجب أن يتقدم المجتمع الدولي والدول المتقدمة بجمع وتوفير الموارد المناخية المطلوبة للبلدان النامية.
ومن المتوقع أن يتطلب تحقيق ذلك إصلاحا كبيرا في هيكل تمويل المناخ العالمي الحالي لضمان أن الدول الأكثر ضعفًا خاصة في أفريقيا تحصل علي التمويل اللازم لمواجهة تداعيات تغير المناخ.
وهناك حاجة إلى تعريف أوضح للتمويل المتعلق بالمناخ، وتنسيق أفضل بشأن آليات تمويل المناخ العالمية والمبادرات المخصصة للمناخ، فضلاً عن التنسيق بشأن متطلبات التمويل التي يمكن أن توجه تدفقات التمويل المتعلق بالمناخ إلى البلدان الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ.
ولا يمكن للعالم أن يتوقع من أفريقيا تنفيذ تعهداتها الخاصة بالمناخ إذا لم يتم توفير تدفقات تمويل المناخ اللازم، وفي حال استمرار الاتجاهات الحالية فمن المؤكد أن أفريقيا لن تحقق تعهداتها بحلول عام 2030، وكذلك لن يتمكن المجتمع العالمي من الوصول إلى التزامات اتفاق باريس للمناخ.
وقد حان الوقت لإعادة التوازن في كفة الميزان لصالح أفريقيا عندما يتعلق الأمر بتمويل المناخ. فالقارة الأفريقية تعد موطنا لنحو 16% من سكان العالم وتستضيف 25% من الغابات المطيرة المتبقية في العالم، ومع ذلك تجتذب أفريقيا 3.19% فقط من تمويل المناخ العالمي البالغ 940 مليار دولار من التدفقات المناخية العالمية.
ويمكن أن يكون التمويل المناخي أداة تحفيزية للاستقرار المالي، خاصة بالنسبة للدول الأفريقية التي تكافح من أجل الانتعاش الاقتصادي وسط صدمات عالمية متعددة.
وجهة استثمارية
وقال تقرير بروكينغو إنه يجب أن تضع أفريقيا نفسها كوجهة استثمارية جديرة بتمويل المناخ الذي يركز على قضايا التنمية طويلة الأجل، من خلال وضع خطط استثمار خضراء، وجذب القطاع الخاص إلى طاولة المفاوضات وإعطائه مساحة للابتكار. بالإضافة إلى ذلك يجب على صانعي السياسات استخدام التمويل العام للتخلص من مخاطر الاستثمار الخاص، وأن يكون لديهم بيئة تنظيمية تمكن من ممارسة الأعمال التجارية باستخدام أدوات تمويل متغيرة، ويجب على الدول المتقدمة أن تفي بالتعهدات التي قطعتها بالفعل دون أي شروط إضافية وجديدة لتحفيز التنمية الخضراء.
ويجب أيضا أن تكون المساهمات الوطنية (وهي خطط عمل الدول لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات المناخ)، مصحوبة باستراتيجيات استثمار وطنية تعطي الأولوية للبنية التحتية الخضراء وحماية الموارد الطبيعية ويمكن أن يخلق ذلك مسارًا للتنمية الخضراء.
ويجب أن يتم وضع القطاع الخاص في الأولوية باعتباره الأفضل لمعالجة الجوانب المختلفة للتخفيف والتكيف والحماية.
ومن الأمثلة الجيدة على هذا النهج في الاستفادة من القطاع الخاص الاقتراح المقدم من أعضاء "إعلان نيروبي بشأن التأمين المستدام" الذي حدد قطاع التأمين الأفريقي كعامل رئيسي للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
كما أكد التقرير ضرورة طرح خطة لمقايضات الديون بالمناخ وأسواق الكربون على نطاق أوسع كجزء من حل أزمات الديون التي ابتليت بها قائمة طويلة من الدول الأفريقية، وهناك أيضا حاجة للاستثمار الواعي بالنوع الاجتماعي لتعزيز التكيف مع المناخ والقدرة على الصمود، وهذا يعني في جوهره الاعتراف بالعمل المناخي باعتباره قضية إنمائية والاعتراف بأن أزمة المناخ ليست محايدة بين الجنسين.
واختتم التقرير بالتأكيد على إن الآثار المدمرة لظواهر المناخ المتطرفة تسبب المزيد من الكوارث الاقتصادية لأشد الناس فقرا وضعفا في العالم خاصة قارة أفريقيا، ولذلك يجب أن يبدأ العالم في الاضطلاع بدوره وكذلك يجب على أفريقيا الاتحاد لمواجهة أزمة التعير المناخي.
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز