في مواجهة الجفاف.. المغرب يلجأ للاستمطار (تحقيق)
بسبب توالي سنوات الجفاف وزيادة الطلب على استهلاك الماء لجأت الحكومة المغربية إلى الاستمطار الاصطناعي.
واتخذت الحكومة المغربية إجراءات عاجلة، من أجل تأمين الموارد المائية للمواسم الزراعية، وذلك عن طريق استعمال تقنية الاستمطار الاصطناعي.
ويؤكد خبراء في الرصد الجوي و المناخ، أنه رغم سقوط الأمطار مطلع سبتمبر/أيلول تبقى غير كافية لموسم فلاحي مثمر، بسبب جفاف التربة، ما يستدعي ضرورة اللجوء إلى الاستمطار الصناعي، وفق تعبيرهم.
الاستمطار تقنية لمواجهة الجفاف
وفي هذا السياق، قال الدكتور حكيم الفيلالي، خبير في قضايا الماء والبيئة في حديث مع "العين الإخبارية"، إنه بفعل الجفاف الحاد الذي عرفه المغرب في ثمانينيات القرن الماضي لجأ المغرب إلى استثمار تقنية أمريكية في الاستمطار الصناعي وأدمجها في سياسته المائية منذ تلك المرحلة في إطار ما يسمى برنامج الغيث سنة 1984، وبعد سنتين من ذلك ستبدأ المملكة إلى تفعيل هذه التقنية التي أثبتت التجارب أنها ترفع من نسبة الأمطار تتراوح بين 14 و17%.
وأضاف الفيلالي، أن الاستمطار يساهم في تزايد الإنتاج الفلاحي بنحو 4%، مشيرا إلى أنه تقنية تعمل على تلقيح السحب وتحفيزها، لأن بخار الماء العالق في الهواء لا يمكن أن يتكاثف ويعطينا تساقطات إلا إذا وصل إلى درجات التشبع بمعنى أن تكون الرطوبة النسبية 100%.
وفسر الخبير المائي، أن ما يحدث هو أن أي انخفاض في درجة الحرارة معناه وصول الهواء إلى درجة التشبع، وبالتالي هذه التقنية تقوم على أساس تحفيز السحب وتلقيحها بعدة مواد من بينها مادة "يوديد الفضة"، والنتيجة هي مضاعفة التساقطات المطرية التي يقول إنه يتم اختيارها بعناية بتنسيق بين المديرية العامة للأرصاد الجوية والقوات الملكية المسلحة والدرك الملكي.
وفي هذا الصدد، أوضح الفيلالي، أن المناطق المختارة هي الجبلية، لأنها هي التي تتوفر على هذه الظروف من حيث انخفاض درجة الحرارة، وتوفر الكتل الهوائية الرطبة خاصة منطقة بني ملال وأزيلال (منطقة الأطلس).
واسترسل الخبير البيئي في حديثه مع "العين الإخبارية"، أنه كل عام بالمغرب يتم تفعيل هذه التقنية وتطبيقها بين شهر نوفمبر/تشرين الثاني وأبريل/نيسان، موضحا أن هذا البرنامج له فوائد على مستوى الزيادة في كمية الموارد المائية..
ولفت المتحدث، إلى أن بعض النشطاء يؤكدون أن هذه المواد المستعملة في تلقيح السحب -يعني "يوديد الفضة"- لها بعض الانعكاسات السلبية على مستوى الصحة والجلد، وكذلك انعكاسات على مستوى التربة والإنتاج الزراعي، قائلاً "نقصد هنا جودة المواد، وبالتالي لا بد من التفكير مستقبلا في دراسات معمقة متخصصة تثبت بعض المخاطر التي يمكن أن تنتج عن المواد التي تستخدم في الاستمطار".
وأفاد بأن عملية الاستمطار تتم بعدة طرق، إما بالطائرات التابعة للقوات المسلحة الملكية وإما من خلال صواريخ وإما آلات مثبتة في الأرض التي تقوم بتلقيح السحب بطريقة مباشرة.
وأما محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، فأكد في حديث مع "العين الإخبارية"، أن المغرب يعتمد الاستمطار الاصطناعي لمواجهة جزء من أزمة الجفاف، والزيادة في نسبة المحصول الزراعي، كما تزيد نسبة التساقطات بما لا يتعدى 4%، قائلا: "إذا إذا كنا ننتظر 30 ملم من التساقطات يمكن أن نصل بفضل هذه التقنية إلى 40 أو 50 ملم".
- المغرب يواجه الجفاف على طريقته.. "الطريق السيار المائي "
- بعد صيف حارق.. المغرب يستقبل أولى زخات المطر
تقنية الاستمطار صديقة للبيئة
وأضاف بنعبو "أن تقنية الاستمطار صديقة للبيئة، وتستخدم فيها مكونات كيميائية، يتم تلقيح مجموعة من السحب المنتقاة بها، وذلك بتنسيق مع المديرية العامة للأرصاد الجوية وقوات الدرك الملكي".
واعتبر الخبير البيئي هذه التقنية بأنها محمودة بيئيا وعلى مستوى توفير المياه دون مخاطر، مشيرا إلى أنها لا تنتج فيضانات أو سيولا جارفة.
وزاد بنعبو قائلا "إن عملية استمطار السحب تعتبر شكلا من أشكال تعديل الطقس، ويمكن استخدامه لتفريق الضباب أو ردع البرد أو زيادة التساقطات المطرية والثلجية، ويتطلب تكثيف بخار الماء إلى ماء سائل لتكوين السحب وهطول الأمطار".
ومن جهته قال الخبير البيئي مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، في اتصال مع "العين الإخبارية"، إن اضطراب في التساقطات المطرية السنوية من حيث تغير موعدها أو كميتها أو اختفاؤها لسنوات ورجوعها على شكل عواصف وفيضانات، كل هذه الأمور دعت الإنسان للتفكير في طرق تكنولوجية جديدة من أجل استمطار السحاب الكبيرة من السحب التي تمر فوق المدن والقرى المختلفة محملة بكميات مهمة من بخار الماء.
وأكد الخبير البيئي، أن تأخر التساقطات دعا إلى التفكير في إيجاد طرق ممكنة لاستمطار هذه السحب أو تطعيمها، وجلب خيراتها، وهذا العمل يسميه العلماء المختصون بالاستمطار، والمطر الناتج عنه يسمى بالمطر الاصطناعي.
وأوضح المتحدث ذاته، أن عملية الاستمطار تهدف إلى إسقاط الأمطار بشكل صناعي، بما في ذلك محاولات تشكيل السحب بطرقة صناعية، وتنمية مكوناتها، أو عملية تسريع هطول الأمطار من سحب معينة، فوق مناطق بحاجة إليها.
واستدل بنرامل بما أكدته جمعية الأرصاد الجوية الأمريكية، حيث أكدت أن هناك مؤشرات لاحتمال زيادة كمية الأمطار بنسبة 10% بعد بذر السحب، واستمطارها.
بينما تذكر منظمة الكومنولث للعلوم والصناعة في تقرير لها "أنه من المستحيل كسر الجفاف باصطياد المطر صناعيّاً، وتؤكد أن نجاح تجاربها كان مرهوناً بنوع السحب المستهدفة، وأن معظم السحب لا يمكن استمطارها".
وأوضح بنرامل، أن أكثر طرق استمطار السحب اصطناعيا هي عملية تلقيح السحب الركامية المحملة عن طريق رشها ببخار الماء الكثيف، بواسطة الطائرات، برذاذ الماء ليعمل على زيادة تشبع الهواء، وسرعة تكثف بخار الماء، لإسقاط المطر، وهذه طريقة تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء.
والطريقة الثانية هي قذف بلورات من الثلج الجاف (ثاني أكسيد الكربون المتجمد)، بواسطة الطائرات في منطقة فوق السحب؛ لتؤدي إلى خفض درجة حرارة الهواء، وتكون بلورات من الجليد عند درجة حرارة منخفضة جداً، لتعمل على التحام قطرات الماء الموجودة في السحب وسقوطها كما في حالة المطر الطبيعي.
جهود الحكومة
والطريقة الثالثة -يؤكد الخبير- هي تتمثل في رش مسحوق يوديد الفضة بواسطة الطائرات، أو قذفه في التيارات الهوائية الصاعدة لمناطق وجود السحب، ويكون ذلك باستخدام أجهزة خاصة لنفث الهواء بقوة كافية إلى أعلى، ويعد يوديد الفضة من أجود نويات التكاثف الصلبة التي تعمل على تجميع جزيئات الماء، وإسقاطها أمطاراً غزيرة على الأرض.
وأفاد المتحدث ذاته، بأن تقنية الاستمطار الصناعي أثبتت فاعليتها بالمغرب طيلة ثلاثة عقود، وباتت تُصدر إلى بلدان أفريقية.
وحسب نزار بركة، وزير التجهيز والماء، فإن وزارته ستطلق برنامج "الغيث" الهادف إلى رفع نسبة الأمطار أو الثلوج باستعمال تقنية تلقيح السحب، في إطار سعيها لإيجاد حلول بديلة لشح التساقطات المطرية التي تعرفها المملكة.
وأضاف بركة، أن البرنامج سيستمر من أبريل/نيسان كل سنة، وتستعمل فيه مواد كيميائية غير ضارة بالبيئة مثل "يوديد الفضة" بالنسبة للسحب الباردة (-5درجة) وملح "كلوريد الصوديوم" بالنسبة للسحب الدافئة.
aXA6IDE4LjExNi4yNy43OCA= جزيرة ام اند امز