نهار الثلاثاء القادم، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أهم معاركها الانتخابية.
المثير أنها ليست معركة رئاسية، بل معركة تجديد نصفي للكونغرس، لكنها في واقع الحال استفتاء على ما تبقى من رئاسة جو بايدن من جهة، وعلى احتمالات عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2024 من ناحية ثانية.
الشاهد، أنه رغم كثير من القراءات الاستشرافية، التي تتوقع فوزا كاسحا للجمهوريين، في مجلسَي النواب والشيوخ على حد سواء، فإن حسم الانتخابات يظل رهنا بيوم الاقتراع، ما لم يحدث أمر جلل، يحوّل دفة السباق لأحد الحزبين الكبيرين، دفعة واحدة، ويخلّف الآخر منكسرًا إلى أبعد حد ومد.
تجري انتخابات التجديد النصفي لكل أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، و36 من حكام الولايات، بأثر رجعي، إن جاز التعبير، للانتخابات الرئاسية 2020، المختلف حولها حتى الساعة، الأمر الذي يجعل شهوة الثأر والانتقام حاضرة، وعلامات العنف جاهزة على الطريق، ما يخيف الأمريكيين بصورة غير مسبوقة.
تكشف صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية كيف أن غالبية الجمهوريين المترشحين في الانتخابات النصفية بعد أيام يرفضون أو يشككون في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. ماذا يعني ذلك أول الأمر؟
باختصار مفيد، فِقدان الثقة بالعملية الانتخابية بصورة ديمقراطية، الأمر الذي يفتح الباب واسعا لتشارُع وتنازع، يكاد يُفقد الكونغرس القادم شرعيته، وقبل أن تدور رحى السباق الانتخابي، ما يُدخل الدولة الأمريكية وكل مؤسساتها في دهاليز الشكوك، التي تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا توفق، وتجرح ولا تشرح، الأمر الذي يمهد من الآن لتسميم السباق الرئاسي بعد عامين في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
المتابع للمشهد الأمريكي الداخلي، يوقن بأن عجلة الشكوك قد دارت قولا وفعلا، وليس أدل على صدقية ما نقول إلا تدفق المعلومات المضللة، التي تزعم أن أنظمة التصويت في جميع أنحاء البلاد "مليئة بالاحتيال"، وكذا رواج نظريات المؤامرة حول آلات التصويت والتلاعب بالانتخابات، وذلك من خلال الذكاء الاصطناعي، أو التلاعب في أوراق الاقتراع.
هذه الأخبار، التي يراها الديمقراطيون "منحولة"، يعتقد فيها الجمهوريون، وباتت تنتقل بقوة بين صفوفهم، ما يسبب تشويشا حول ما يجب تصديقه بشأن نظام ديمقراطي وثقوا به طوال حياتهم، وعلى مدى عقود خلت.
تجري انتخابات الثلاثاء المقبل والولايات المتحدة الأمريكية قلقة في الداخل، والأرق يصيبها من الخارج.
أما عن الداخل، فقد عادت أزمة ارتفاع أسعار الطاقة تهيمن من جديد على المشهد، والذين عندهم علمٌ من كتاب الداخل الأمريكي يدركون معنى ومبنى زيادة أكلاف النفط، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على نسبة التضخم، ومستوى البطالة، وعموم الأوضاع الاقتصادية، ما يجعل الحزب الديمقراطي في أزمة حقيقية وليست كلامية.
وتبقى القضايا التي تقف عند الحد الفاصل بين النسبي والمطلق حاضرة في اقتراع الأسبوع القادم، ومنها على سبيل المثال قضية الإجهاض، تلك التي تنقسم حولها البلاد حتى الساعة.
ففي حين ينظر لها الجمهوريون بعين محافظة، أقرب ما تكون للإيمانيات المطلقة، ويرفضون قتل الأجنّة في أرحام الأمهات، يميل غالبية الديمقراطيين، لا سيما التيار اليساري منهم، إلى رفض قرار المحكمة الدستورية في البلاد، والتي أوقفت هذا الحق قبل بضعة أشهر في حكم لا يُصد ولا يُرد.
ولعل من متناقضات مشهد الانتخابات النصفية الحالي، أنه يجري برسم الاقتراع على رئيس سابق، وليس على ساكن البيت الأبيض، في إدارته الحالية.
فقد جرى العرف أن تكون نتيجة انتخابات التجديد النصفي مؤشرا على نجاح سياسات الرئيس القائم، لكن هذه المرة، يكاد الرئيس بايدن أن يكون خارج الحسابات الرسمية، سيما في ضوء ملامح ومعالم تبدو عليه، وتؤثر في مصداقيته بالشارع الأمريكي، وقد أخفق الرجل خلال عامين في تحقيق أحد أهم وعوده الانتخابية بإعادة اللحمة بين صفوف الأمريكيين.
على الجانب الآخر، يكاد النظر يتحول إلى ترامب، وبنوع خاص تجاه المرشحين الذين يدعمهم من الحزب الجمهوري، ذلك أن فوزهم يعد اختبارا أوليا لإمكانية عودته مرة ثانية إلى البيت الأبيض في 2024، أما إذا فشل رجاله من المرشحين للشيوخ والنواب، فذلك يفيد بحتمية أن يتوارى الرجل، الذي لا نهاية له على ما يبدو حتى الساعة.
هل من أمر خطير ومثير يلف هذا الاقتراع القادم؟
قطعا، تبقى المخاوف من أن يكون العنف هو الملح الرئيس، والبداية كانت الأسبوع الماضي عبر حادثة الاعتداء على زوج رئيسة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، فيما كانت هي المقصودة وليس زوجها.
وتبقى جزئية مهمة موصولة بشفافية العملية الانتخابية، حيث بلغت تكاليف الدعاية والإعلان لهذه الدورة نحو 10 مليارات دولار، متجاوزة نفقات الانتخابات الرئاسية 2020، ما يؤكد إشكالية "الديمقراطية التي تُباع على الأرصفة"، لمن يدفع أكثر.
هل من خلاصة؟
أمريكا على موعد مع انتخابات مفصلية قد تحدد مستقبل الحياة السياسية في البلاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة