كيف أخفق أردوغان في زيارته للولايات المتحدة الأمريكية؟
لم تحقق زيارة أردوغان للولايات المتحدة نتائج ملموسة على صعيد العديد من الملفات المهمة والخلافية التي كانت تتقدم أجندة الزيارة
جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للبيت الأبيض في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في وقت حرج تشهده العلاقات بين البلدين، وذلك بعد تقارير سابقة تحدثت عن احتمالات إلغائها، في وقت وصلت فيه العلاقات الأمريكية التركية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود لا سيما مع قناعة المؤسسات الأمريكية أن أنقرة بسياساتها الإقليمية الراهنة تتراوح بين كونها أسوأ صديق للولايات المتحدة وأفضل عدو لها.
موقف الكونجرس
حث 17 عضواً بمجلس النواب الرئيس دونالد ترامب خلال رسالتهم له على ضرورة إلغائه دعوة الرئيس التركي لزيارة البيت الأبيض؛ بعد توغل أنقرة في شمال شرق سوريا وتعاونها مع روسيا وتحدي أردوغان للمؤسسات الديمقراطية في تركيا.
وقد صرح كثير من مشرعي الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأنه من غير المناسب أن يتم الترحيب بأردوغان في واشنطن في الوقت الحالي.
لكن الرئيس ترامب استقبل أردوغان في البيت الأبيض، وأشاد بتركيا كحليف رائع داخل حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو)، وشريك استراتيجي للولايات المتحدة حول العالم. وخلال المؤتمر الصحفي عقب لقائهما تبادل الرئيسيان الثناء على بعضهما، وأعلنا سعيهما لحل النزاعات السياسية المتعددة بين البلدين.
وقد دفعت استضافة ترامب لأردوغان في البيت الأبيض رغم معارضة عدد من المؤسسات الأمريكية البعض إلى الاعتقاد بأن الرئيس التركي قد حقق انتصاراً دبلوماسياً خلال زيارته للولايات المتحدة، لأنه عمل منذ غزوه بشمال شرق سوريا في 9 أكتوبر/تشرين الأول في أعقاب إعلان الرئيس "ترامب" رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، على حماية المصالح التركية الخاصة على حساب المصالح الأمريكية، وعدم ردعه التهديدات الأمريكية بفرض مزيد من العقوبات على الاقتصاد التركي وتدميره.
لكن في المقابل تمت مكافئته بزيارة البيت الأبيض، وتقديم بعض الحوافز الاقتصادية، حيث أعلن ترامب قبل الزيارة أنه مستعد لتزويد أنقرة بمجموعة من الحوافز الاقتصادية لتهدئة العلاقات المتوترة بين البلدين.
قضايا خلافية
حقيقة الأمر، لم تحقق زيارة أردوغان للولايات المتحدة نتائج ملموسة على صعيد الملفات التي كانت تتقدم أجندة الزيارة. وقد كان خلف ستار الزيارة التي بدت ودية كثير من لحظات التوتر التي باتت أكثر وضحاً بعد مغادرة الرئيس التركي واشنطن، وتتمثل فيما يلي:
أولا: استمرار المعارضة الأمريكية لشراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية (إس-٤٠٠) التي حصلت على الدفعة الأولى منها في يوليو الماضي، حيث أكدت واشنطن أنه لا يمكن تشغيلها في دولة عضو بحلف شمال الأطلنطي، لعدم توافقها مع منظومته. ولهذا قررت إلغاء مشاركة أنقرة في برنامج إنتاج وتطوير المقاتلة الأمريكية (إف-٣٥)، ومنعها من الحصول على ١٠٠ طائرة منها، مع التلويح بفرض مزيد من العقوبات الجديدة.
وقد كشفت تصريحات الرئيس التركي للوفد المرافق له خلال رحلة العودة من الولايات المتحدة استمرار أزمة امتلاك دولته لمنظومة (إس-٤٠٠) مع الولايات المتحدة، حيث قال إن إلغاء الصفقة بالكامل "يُعد مساسا بالحقوق السيادية التركية"، وأن أنقرة ترغب في الاحتفاظ بالمنظومة الروسية بجانب شراء المنظومة الأمريكية "باتريوت" في إطار سعيها لامتلاك نظام دفاعي متعدد الأوجه، وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن.
ويرفض المسؤولون الأتراك طلب الولايات المتحدة بتجميد صفقة شراء منظومة الدفاع "إس 400" من روسيا أو عدم نشرها، حيث قال رئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دمير إن تركيا اشترت المنظومة بغرض استخدامها وليس تخزينها.
ثانيا: حافظت الولايات المتحدة على دعمها للقوات الكردية في سوريا، فعلى عكس الرغبة التركية بوقف الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا لتحالفهم حسب الرؤية التركية مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة والولايات المتحدة على أنه منظمة إرهابية، قرر الرئيس ترامب بعد إعلانه انسحاب القوات الأمريكية بالكامل من سوريا الاحتفاظ بجزء منها للسيطرة على حقول النفط في شمال شرق سوريا بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن عائدات النفط ستعود إلى القوات الكردية وليس إلى الولايات المتحدة.
وقبل الاجتماع بين الرئيس الأمريكي ونظيره التركي قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية خلال استعراضه الاجتماعات الوزارية القادمة لدحر تنظيم داعش واجتماعات المجموعة المصغرة حول سوريا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: "إن الولايات المتحدة لا تنوي إنهاء تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، ما يمثل رفضا للمطالب التركية بوقف تعاون واشنطن، ودعمها للمقاتلين الأكراد الذين تعدهم أنقرة أعداء لها".
ثالثا: رفض واشنطن تسليم الداعية التركي فتح الله جولن الذي يعيش في الولايات المتحدة الذي تزعم أنقرة أنه العقل المدبر للانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي في عام ٢٠١٦، حيث ترى وزارة العدل الأمريكية أن الأدلة التي قدمتها أنقرة ضد جولن ليست كافية لتسليمه لها.
رابعا: عدم اعتذار الرئيس الأمريكي عن الإهانة التي تضمنتها رسالته شديده اللهجة إلى أردوغان عشية الغزو التركي لشمال شرق سوريا التي حذر فيها ترامب الأخير من مغبة شن هذا الغزو. وقد ختمها بعبارة "لا تكن أحمق"، وأن أردوغان يخاطر بأن يتذكره التاريخ "شيطانا"، على الرغم من إعادة الرئيس التركي الرسالة لنظيره الأمريكي.
خامسا: عدم تراجع المشرعين عن خطواتهم لفرض مزيد من العقوبات على تركيا، بسبب سياستها الإقليمية، حيث دفعت سياسات الرئيس التركي في المنطقة إلى اتفاق غير معهود بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة معاقبته لسياساته، وغزوه شمال شرق سوريا وعلاقاته القوية بروسيا.
وخلال الاجتماع غير العادي الذي عقده ترامب مع أردوغان وخمسة من أبرز الأعضاء الجمهوريين بمجلس الشيوخ داخل البيت الأبيض استخدم بعضهم عبارات حادة عند الحديث مع الرئيس التركي، حيث استخدم السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام كلمة الغزو التي يرفضها أردوغان، لوصف هجوم أنقرة العسكري، المدان على نطاق واسع داخل واشنطن، على المقاتلين الأكراد. وانتقد المشرعون الجمهوريون تركيا على مهاجمة القوات الكردية التي قاتلت إلى جانب القوات الأمريكية لسنوات ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ترى بعض التحليلات الأمريكية أن الرئيس ترامب حاول من خلال هذا الاجتماع أن يبين لنظيره التركي الذي يسعى لإقامة علاقات وثيقة معه مدى الضغط الذي يواجهه من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين الغاضبين من التحرك العسكري التركي في سوريا، وكذلك شرائها نظام الدفاع (إس - ٤٠٠).
وقبل الزيارة تبنى مجلس النواب قرارا بأغلبية ساحقة (405 مؤيدين للقرار من 453 عضوا بالمجلس) يعترف بمذبحة الإمبراطورية العثمانية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وهو أمر ظلت تركيا تسعى إلى الحيلولة دون حدوثه لسنوات طويلة. وقد قال أردوغان إن اعتراف المجلس بمذابح الأرمن يضر بالعلاقات التركية - الأمريكية.
ختاما، كان الرئيس التركي يُعول على أن تنجح زيارته إلى الولايات المتحدة التي جاءت في وقت تمر فيه العلاقات بين البلدين بأسوأ مراحلها منذ عقود، في إحراز تقدم في عدد من الملفات الخلافية بين أنقرة وواشنطن لا سيما مع رغبة الرئيس ترامب في تحسين تلك العلاقات المتدهورة، لكنه عاد خاوي الوفاض.
وعلى عكس بعض التحليلات التركية التي رأت في تلك الزيارة نصرا دبلوماسيا لأردوغان، فإنه لم يحقق انفراجة في أي من الملفات التي كانت موضع نقاش مع الرئيس دونالد ترامب والمشروعين الأمريكيين الذين يخططون لفرض مزيد من العقوبات على أنقرة لسياستها الإقليمية التي تتعارض مع المصالح الأمريكية.
ومع تعقد القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة وتركيا، وصعوبة حلها خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات الأمريكية - التركية، وكذلك توتر العلاقات التركية - الأوروبية في الوقت ذاته، يتوقع أن تسعى أنقرة إلى زيادة تقاربها من روسيا لا سيما مع تشابك المصلحة والأمن القومي التركي بدور موسكو المتنامي في منطقة الشرق الأوسط.