الفيروس ما زال فعالا، وخطر انتشاره لا يزال قائماً إذا وجد الظروف المناسبة.
أعلنت الجهات المختصة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية تسجيل زيادات واضحة في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد، في مؤشر جاء ليعيد دق ناقوس الخطر من جديد ويطلق الدعوات المطالبة بضرورة فرض الالتزام بالإجراءات الاحترازية وتشديد العقوبات على المخالفين، ولاسيما بعد أن أكدت السلطات الرسمية أن هذه الزيادات حدثت نتيجة عدم التزام بعض فئات المجتمع وبعض مراكز التسوق والمحال التجارية والمرافق العامة بالإجراءات الاحترازية المفروضة، مثل تطبيق السعة الاستيعابية والتباعد الجسدي وإلزامية ارتداء الكمامات.
ويجب التوضيح بداية أن هذا التطور لا يتعلق بدولة الإمارات فقط؛ حيث سجل الوباء على المستوى العالمي زيادات مقلقة خلال الأيام الماضية في دول ومناطق كانت قد بدأت تشهد بالفعل تراجعاً ملحوظاً في أعداد الإصابات الجديدة. ففي إسبانيا على سبيل المثال عادت الإصابات لترتفع بعد أن كانت قد وصلت إلى بضع مئات فقط في اليوم لتصل إلى أكثر من 2400 إصابة يومياً، كما سجلت بلدان أوروبية أخرى مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا زيادات ملحوظة دفعت كثيرين للتحذير من خطورة الموجة الثانية للوباء في القارة. كما حذرت منظمة الصحة العالمية، قبل أيام من أن بعض الدول التي نجحت في السيطرة على الوباء في منطقة شرق المتوسط عادت لتسجل تسارعاً في انتشار العدوى.
ولكن هذه التطورات والزيادات المقلقة في عدد الإصابات في دولة الإمارات تحديداً تعيدنا إلى الحديث مرة أخرى عن مسألتين مهمتين، الأولى تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية لكافة أفراد المجتمع وفئاته، باعتبارها الأساس في إنجاح أو عرقلة جهود تحجيم هذا الوباء والسيطرة عليه. ففي ظل عدم وجود لقاح لهذا الوباء حتى الآن أو علاج فاعل له، رغم الجهود الدولية الكبيرة المبذولة في هذا الصدد والتي تشارك فيها دولة الإمارات بفاعلية، فإن الطريق الوحيد لوقف انتشار الوباء هو من خلال الالتزام الصارم بالإجراءات الاحترازية المفروضة، فشخص واحد مصاب يمكن أن ينقل الفيروس إلى عشرات بل وحتى مئات الأشخاص الآخرين، ومن هنا يجب افتراض أن أي شخص نتعامل معه هو حامل مفترض للفيروس حتى نؤمن أنفسنا جميعاً.
لقد خلقت الإجراءات والخطوات التي اتخذتها بعض دول العالم، ومن بينها دولة الإمارات، لإعادة الفتح الجزئي للاقتصاد والعودة التدريجية للحياة الطبيعية بهدف حماية أرزاق الناس وحياتهم إحساساً متوهماً بأن الأزمة انتهت وأن الوباء في طريقه للانتهاء. وهذا الافتراض خطأ وخطير؛ لأن الفيروس ما زال فعالا، وخطر انتشاره لا يزال قائماً إذا وجد الظروف المناسبة، ومن ثم فإن هذه الإجراءات لإعادة فتح الاقتصاد والعودة التدريجية للحياة الطبيعية لا تعني بحال من الأحوال التهاون أو عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي تضمن عدم انتشار الفيروس. وهنا تأتي الأهمية القصوى للوعي المجتمعي، ولتحلي كافة أفراد المجتمع بالمسؤولية في مواجهة هذه الأزمة حتى يتم عبورها بسلام، لأن استمرار هذا الوضع الصادم لا قدر الله قد يعود بنا من جديد لسياسات الإغلاق التي تضر بالاقتصاد والمؤسسات والأفراد، وهو ما لا يرغب به أحد.
المسألة الثانية المهمة، تتعلق بمعرفة المخالفين والمستهترين بأن الجهات الرسمية جادة جدا باتخاذ إجراءات حازمة في مواجهة المخالفين، وتغليظ العقوبات على المستهترين الذين يتهاونون في حق المجتمع وحق الآخرين، فهناك دائماً في أي مجتمع فئات قليلة لا تتمتع بحس المسؤولية الاجتماعية، وتتصرف بتهاون واستهتار مضر بالجميع، وهذه الفئات يجب ردعها من خلال تغليظ العقوبات عليهم لحماية المجتمع. كما تؤكد المعلومات التي تم كشفها من خلال الإحاطات الإعلامية الأخيرة أهمية تشديد إجراءات العزل والحجر الصحي على القادمين من الخارج، الذين ثبت أنهم يحملون الفيروس رغم نتائج الفحوصات التي يحملونها والصادرة من بلدانهم.
لقد نجحت دولة الإمارات بالفعل خلال الشهور الماضية في تقديم نموذج متميز في مواجهة وباء كوفيد-19 والسيطرة عليه، بفضل الإجراءات التي اتخذتها والالتزام المجتمعي بالإجراءات الاحترازية حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى هدف صفر إصابات، لكن استهتار البعض وعدم التزامه أعاد مؤشر الخطر للارتفاع مرة أخرى، وهذا يفرض علينا التحرك الجاد كأفراد والتعاون مع الأجهزة الرسمية، لإعادة البوصلة لمسارها الصحيح، عبر الالتزام الصارم بكل الإجراءات الاحترازية، وتغليظ العقوبات على المخالفين الذين يضرون بالمجتمع كله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة