سمسار الفساد والعمولات.. "حمد بن جاسم" ناهب ثروات القطريين
محكمة بريطانية أزاحت الستار عن طلب حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر السابق، عمولة شخصية للاستثمار في بنك باركليز في 2008
فضيحة جديدة كشفت عن دور أحد أضلاع مثلث تنظيم الحمدين في استغلال نفوذه ومنصبه لتحقيق مكاسب شخصية من ثروات القطريين؛ إذ أزاحت محكمة بريطانية الستار عن طلب حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر السابق، عمولة شخصية للاستثمار في بنك باركليز وتأمين استثمارات قطرية أخرى خلال فترة احتياج المصرف الإنجليزي إلى تمويل طارئ لتفادي الانهيار في عام 2008.
"بن جاسم" الذي يملك حسابا شخصيا على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، ارتدى عبره ثوب الفضيلة والحكمة لغسل تاريخه الأسود في الفساد والسياسات المزعزعة للأمن والاستقرار بالمنطقة، اختفى من الحساب ولم يدون أي تغريدة ردا على تلك الفضيحة.
- بأموال المنحة.. نظام الحمدين يُمرر سياسات نتنياهو في غزة
- المعارضة القطرية: تميم ذهب وحيدا منكسرا لبيروت وعاد كذلك
وكالعادة في تلك الفضائح، أصابت قناة "الجزيرة" القطرية وإعلام الحمدين حالة خرس عن تلك الفضيحة التي تتصدر مانشيتات وأحاديث وسائل الإعلام العربية والعالمية.
وكارثة عمولات بنك باركليز باتت حلقة في سلسلة طويلة من فضائح عمولات تورط فيها بن جاسم، الأمر الذي ساعده في تكوين ثروات هائلة من أموال وجيوب القطريين، قدرت بنحو 12 مليار دولار أمريكي عندما استقال من منصبه كرئيس لوزراء قطر ووزير خارجيتها في يونيو/حزيران عام 2013.
فضيحة باركليز
وخلال جلسة محاكمة بشأن فضيحة فساد تجمع بنك باركليز البريطاني وقطر، تم الكشف عن أن رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني طلب "عمولات شخصية" خلال مكالمة هاتفية مع مسؤولي البنك عام 2008، بالإضافة إلى العمولة التي دفعها المصرف إلى صناديق الثروة السيادية في الدوحة من أجل تأمين الاستثمار به.
وأمام هيئة محلفين في اليوم الثالث من المحاكمة المنعقدة في لندن، الأربعاء الماضي، اعترف كبار التنفيذيين السابقين في بنك "باركليز"، الذين كانوا يحاولون جمع تمويل للبنك لإنقاذه من مصير بنوك أخرى في الأزمة المالية عام 2008، بأن حصول رئيس وزراء على "عمولات" يعد "خطأ ونوعا من التحايل"، حسبما قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وكان مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في المملكة المتحدة قد اتهم 4 من كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في باركليز هم: جون فارلي رئيس البنك السابق، ومسؤول الخدمات المصرفية الاستثمارية روجر جنكينز، وتوماس كالاريس رئيس أعمال إدارة الثروات بالبنك، وريتشارد بوث الرئيس السابق لمجموعة المؤسسات المالية الأوروبية، بأنهم دفعوا سراً 322 مليون جنيه إسترليني إلى قطر مقابل استثمارها الذي كفى باركليز الحاجة إلى خطة إنقاذ من الحكومة البريطانية.
ويقول المكتب إن "اتفاقات الخدمات الاستشارية" التي أبرمتها قطر مع البنك في ذلك الوقت كانت مجرد "ستار من الدخان" لتحويل أموال إضافية إلى الدوحة.
وسمعت هيئة المحلفين أن حمد بن جاسم كان مثيرا للمزيد من المشاكل في ذلك الوقت، حيث كان يستثمر شخصيا في بنك "باركليز" إلى جانب صندوق الثروة السيادية القطري، وكان يريد الرسوم نفسها مقابل القيام بهذا الاستثمار، لكن المديرين التنفيذيين أدركوا أنهم لا يستطيعون عقد اتفاق خدمات استشارية معه في ذلك الوقت.
في النهاية، وافق بن جاسم على إبرام باركليز اتفاق خدمات استشارية واحد مع "قطر القابضة" (جهاز قطر للاستثمار) التي كان رئيسها آنذاك، مقابل رسوم أعلى بقيمة 42 مليون جنيه إسترليني.
وبحسب هيئة المحلفين، استثمر حمد بن جاسم أكثر من 4 مليارات جنيه إسترليني في البنك من خلال شركته "تشالنجر" إلى جانب صندوق الثروة السيادية القطري.
وقال روجر جنكينز الذي يعد المنسق الرئيسي لعلاقة البنك بحمد بن جاسم: "لا يمكن أن يكون رئيس وزراء قطر مستشارا لبنك باركليز.. الأمر يشبه وجود رئيس الولايات المتحدة كمستشار لجيه بي مورجان.. تبا لم أعرف كيف أتعامل مع هذا.. الرجل يريد الأموال".
أول وآخر عمولة
"الرجل يريد الأموال".. هذا النهم للمال الذي تحدث عنه جنكينز، أبرزه أيضا الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو في كتابهما "قطر.. أسرار الخزينة" الصادر في باريس عن دار ميشيل لافون.
وبحسب المؤلفين، فإن حمد بن جاسم "انتبه مبكرا لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شيء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب".
ويروي الكاتبان قصة أول عمولة لحمد بن جاسم وكانت عام 1993 بينما كان وزيرا للخارجية في عهد الأمير الأسبق خليفة بن حمد آل ثاني قبل أن ينقلب عليه ابنه عام 1995 بمساعدة بن جاسم.
- من القرضاوي للراوي.. تجنيس الأجانب فيروس ينهش في أجساد القطريين
- قرقاش: حديث حمد بن جاسم انفصام تعودناه
يقول الكاتبان: "أدى اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين زيارة إلى الأمير الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في منزله بمدينة كان الفرنسية، سعيا لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما في قطر، وقد سأل الشيخ خليفة، الذي لم يكن مهتماً بالبيزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم، عما ينبغي قوله لرجلي الأعمال، فرد عليه بن جاسم: قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معي".
وبعد أسابيع، وصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى قصر الريان بالدوحة، مقر إقامة الأمير خليفة الذي تحادث معهما بضع دقائق، ثم قال لهما إن حمد بن جاسم هو الذي يهتم بشؤون الأعمال الخاصة وأنه سيتركهما معه لمزيد التشاور.
ونهض بن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس في أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلي الأعمال الفرنسيين بادرهما بالقول: "أنا أشعر بحرج بالغ لأنني مضطر إلى أن أخبركما بأن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة، هو لن يقول لكما هذا، أنا في غاية الحرج".
ويرجح الكاتبان أن ذلك المبلغ هو أول ما وضعه بن جاسم في جيبه بعد توليه الإشراف على صفقات الأمير الأسبق. ومنذ ذلك التاريخ فتحت شهية بن جاسم الذي كان وزيرا لخارجية قطر منذ عام 1992 على جمع المال بأي وسيلة وبأي شكل وبأي ثمن، وازداد هذا النهم بعد مساعدته حمد بن خليفة في الانقلاب على أبيه عام 1995 ثم توليه رئاسة الوزراء عام 2007.
وإضافة إلى منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية، استلم عدة مهمات أخرى من بينها رئاسة مجالس إدارات شركات ومؤسسات ضخمة مثل الخطوط الجوية القطرية وجهاز قطر للاستثمار وشركة الديار للاستثمار العقاري، الأمر الذي استغله أسوأ استغلال ممكن.
وخلال تلك الفترة من 1992 (توليه وزارة الخارجية) وحتى 2013 (تركه منصبي رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية)، تحول حمد بن جاسم إلى دبلوماسي ورئيس وزراء بدرجة سمسار في صفقات الفساد، استغل مناصبه ونفوذه وثروات القطريين في الحصول على عمولات من صفقات السلاح والصفقات التجارية، وكان من آخر عمولاته وهو في السلطة 400 مليون دولار في صفقة شراء متاجر هارودز في لندن، و200 مليون دولار عن مشروع جسر لم يرَ النور بين قطر والبحرين.
ملاحقات قضائية
فساد بن جاسم وشرهه للمال بأي وسيلة، جعله هدفا لملاحقات قضائية عدة، كان أبرزها الدعوى القضائية التي رفعها ضده الناطق الأسبق باسم وزارة الخارجية القطرية، فواز العطية.
والعطية هو صاحب القضية الأكثر شهرة ضد حمد بن جاسم والتي كانت قيد النظر من قبل المحكمة الملكية "ستراند لندن" منذ أغسطس 2015، وتتعلق بقضية تعذيب، اتُهم فيها عملاء تابعون لابن جاسم بسجنه قسريا في الدوحة لمدة 15 شهرا من 2009 إلى 2011 وعذبوه، حيث تم وضعه في سجن انفرادي ومنعه من النوم، كما كان يسمح له بالخروج من محبسه فقط من أجل استجوابه بينما كانت يداه مكبلتين بالأصفاد.
وتضمنت الدعوى المقدمة إلى المحكمة من قبل محامي العطية ما يفيد بأن حمد بن جاسم قدم في عام 1997 عرضا لشراء 20 ألف متر مربع من أراضي العطية في منطقة الريان غرب الدوحة، دون أن تذكر وثيقة المحكمة قيمة العرض، فما كان من فواز إلا أن رفض العرض لأنه كان أقل من قيمته الأصلية ما أغضب حمد بن جاسم، فقرر عزله من منصبه كناطق رسمي في قطر ثم استولى بعد ذلك على قطعة الأرض عنوة.
وبحسب فواز العطية فإن: "2 تريليون دولار ذهبت أدراج الرياح خلال قيادة حمد بن جاسم لدولة قطر"، مضيفا أن بلاده خسرت "2 تريليون دولار بسبب فساد ومغامرات وتبذير وفشل حمد بن جاسم الاستثماري".
ثروة بن جاسم.. المال الحرام
قدرت ثروة بن جاسم بـ12 مليار دولار أمريكي عندما استقال من منصبه كرئيس لوزراء قطر ووزير خارجيتها في يونيو عام 2013، جمعها من الصفقات المشبوهة والعمولات الضخمة التي حصل عليها من ثروات الشعب القطري.
ولابن جاسم ممتلكات داخل الدوحة منها بنك قطر الدولي، وفندقا فورسيزون وويست باي، بالإضافة إلى استحواذه على عمولات بلغت 400 مليون دولار في صفقة شراء متاجر هارودز في لندن، و200 مليون دولار عن جسر كان من المفترض بناؤه ليربط بين قطر والبحرين، و60% من النشاط الاقتصادي لشركاته بدول متفرقة في العالم، و500 مليون جنيه إسترليني صفقات سلاح عام 1996.
وكانت المعارضة القطرية كشفت في سبتمبر/أيلول 2017 عن أن حمد بن جاسم حصل على اختلاسات بقيمة 8 مليارات دولار في الدوحة، بالإضافة إلى العقارات والشركات خارج الدوحة التي كشفت عنها وثائق بنما، منها شركة في جزر فيرجين البريطانية و3 شركات في جزر البهاما، و300 مليون دولار قيمة يخت في ميناء بالمادي مايوركا الإسباني، و700 مليون دولار رصيدا في دويتشه بنك، و35 مليون دولار صفقة شراء قصر "إلين بيدل شيبمان" بنيويورك، وفندقا راديسون وتشرشل في لندن.
ويمتلك أيضا يخت "المرقاب" الذي تصل قيمته إلى 300 مليون دولار، ويعد أحد أكبر اليخوت الفاخرة في العالم، ويضم مهبط طائرات وحوض سباحة أسفل سطح السفينة، يمكن فتحه على البحر، إضافة إلى عديد من المرافق والخدمات الراقية الأخرى.
وفي 2012 اشترى بن جاسم عقارات في One57 tower وسط مانهاتن الأمريكية بقيمة 100 مليون دولار أمريكي، ولوحة للفنان الشهير بيكاسو بنحو 180 مليون دولار، وهو سعر قياسي لم يسجل سابقا في مزادات اللوحات الفنية من قبل، وذلك عبر نهب وسرقة أموال الشعب القطري.
بين الفسادين الاقتصادي والسياسي
وإضافة إلى فساده في الجانب الاقتصادي، فتعد سياسات حمد بن جاسم إبان عمله رئيساً لوزراء أمير قطر السابق حمد بن خليفة، أحد أبرز أسباب أزمات قطر مع أشقائها، ويعد تدخل "تنظيم الحمدين" إلى اليوم في سياسة الدوحة، أحد أسباب فقدان بوصلتها.
فالخليجيون بوجه عام والسعوديون تحديداً لم ينسوا تسجيلات "تنظيم الحمدين" مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وهم يتآمرون فيها ضد المملكة العربية السعودية وقادتها.
وفي عام 2014، تم تسريب تسجيلين للحمدين مع القذافي، ويرجح أنهما يعودان إلى عام 2003، ويظهر تخطيط الحمدين لزعزعة استقرار السعودية، والسعي إلى تقسيمها، والاعتراف علانية بمخطط المؤامرات.
وفي التسجيلين المذكورين اللذين سربا عام 2014، ويرجح أنهما يعودان لعام 2003، يظهر تخطيط تنظيم الحمدين لزعزعة استقرار السعودية، والسعي إلى تقسيمها.
كما يشتهر حمد بن جاسم بأنه صاحب وعدين من 6 وعود زائفة للقطريين بإجراء انتخابات برلمانية في البلاد لم تتم حتى اليوم.
aXA6IDMuMTI5LjY5LjEzNCA= جزيرة ام اند امز