في ساحة الاعتصام.. محتجو السودان مسؤولية وإبداع
السودانيون يكملون أسبوعهم الثاني في الاعتصام أمام مقر القيادة الجيش في انتظار تحقيق مطالب الثورة، وعلى رأسها نقل السلطة إلى حكومة مدنية
بالقرب من مجموعة شبان يعتلون أحد الجسور ويقرعون الطبول مع هتافات تنادي بالحرية والسلام والعدالة، كانت هناك مجموعة أخرى تشرع في تنظيف وتجميل الشوارع والجدران والأرصفة بالرسم والطلاء في صورة تعكس الوجه الآخر من المسؤولية والإبداع للثورة السودانية التي أطاحت بنظام الحركة الإسلامية السياسية بعد 30 عاماً من الحكم.
- "الجياشة".. وسم "الحب" بين شعب السودان وقواته المسلحة
- احتشاد آلاف المحتجين بساحة الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني
وأكمل السودانيون أسبوعهم الثاني وهم يواصلون اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالعاصمة الخرطوم، في انتظار تحقيق مطالب الثورة، وعلى رأسها نقل السلطة إلى حكومة مدنية ومحاكمة رموز النظام السابق.
وفي 11 أبريل/نيسان الجاري انحاز الجيش السوداني للشعب وعزل الرئيس السابق عمر البشير من الحكم، وذلك بعد 4 أشهر من الاحتجاجات المستمرة في الأحياء والأسواق ومواقف المواصلات العامة قبل أن تتوج بالوصول إلى مقر قيادة الجيش والاعتصام أمامها.
وخلف اعتصام عشرات الآلاف من المحتجين أطنانا من النفايات والأوساخ، وضجت جدران البنايات المجاورة لساحة الاعتصام بالكتابات والرسومات المعبرة عن تضحيات الشعب السوداني في مناهضة حكم الإسلاميين.
وعند الصباح الباكر من كل يوم تنهض مجموعة من الشباب والفتيات ويبدأون في تنظيف ساحة الاعتصام والشوارع الجانبية، وجمع القمامة في أكياس كبيرة ووضعها في مكان مخصص تمهيداً لنقلها إلى محطات ضغط النفايات.
ورصد مراسل "العين الإخبارية" مجموعة أخرى تقوم بعمليات طلاء لجدران البنايات المجاورة وأرصفة الشوارع بالدهان بغرض تجميلها وإخفاء التشوهات التي خلفتها الكتابات والرسومات الداعمة للثورة السودانية.
وتمتلئ جدران المنازل والبنايات في العاصمة الخرطوم عموما، ومنطقة الاعتصام خصوصاً، بكتابات تحمل شعارات الثورة السودانية، من شاكلة "تسقط بس" و"سقطت يا كيزان" و"حرية سلام وعدالة".
وقال منتصر عبدالله، 23 عاماً، لـ"العين الإخبارية"، إن ما يقومون به هو جزء من فعاليات الثورة السودانية والتي توضح أن التغيير المنشود ليس فقط في كراسي السلطة وإنما يشمل السلوك اليومي للمواطن، موضحاً أن أعمال النظافة هذه هي امتداد لحراك الاحتجاجات الذي بدأ قبل أربعة أشهر وأطاح بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
وأوضح عبدالله أن أعداد المعتصمين في تزايد مستمر ما يخلف ضغطاً على البيئة الصحية من خلال مخلفات الطعام والشراب، كما أشار إلى قلة المرافق الخدمية في محيط ساحة الاعتصام، مضيفاً: "لكننا نقوم بنظافة هذه المخلفات بشكل فوري ووضعها في أماكن محددة قبل نقلها إلى محطات ضغط النفايات".
وفي مكان آخر بساحة الاعتصام، أقامت مجموعة من الشباب معرضاً على الأسفلت، رسمت فيه صوراً لبعض الشهداء الذين اغتالتهم أجهزة أمن النظام السابق خلال الاحتجاجات، وكتبت باللون الأحمر عبارة "الدم قصاد الدم، ما بنقبل الدية"، في إشارة إلى ضرورة القصاص من القتلة.
وحوى كذلك المعرض رسمة تحمل صورة السودان القديم قبل انفصال الجنوب بواسطة رص قطع الحجارة الصغيرة.
تقول تسنيم عمر، 19 عاماً، والتي كانت منهمكة في نظافة المعرض وترتيب وضع الحجارة الصغيرة المستخدمة في الرسم لـ"العين الإخبارية"، إن المعرض يعبر عن مطالبهم المرجوة من الحكومة المقبلة.
وأضافت: "نريد محاكمة المجرمين من رموز النظام السابق والقصاص لهؤلاء الشهداء، كما نحلم بأن يعود جنوب السودان مرة أخرى ونعيش في وحدة وسلام".
وداخل المعرض كانت هناك رسمة بدت غير مفهومة، وحينما سألنا تسنيم أجابت بأنها "شعار الفرقة السابعة" بالجيش التي يقع مقرها بالقرب من ساحة الاعتصام، وقد كان لهذه الفرقة دور بارز في حماية المحتجين من هجمات المليشيات المسلحة المعروفة بـ"كتائب الظل".
وكانت هذه المليشيات المسلحة قد هاجمت أكثر من مرة المعتصمين أمام القيادة العامة وأمطرتهم بالرصاص بغرض فض الاعتصام، ما تسبب في مقتل العشرات وإصابة المئات من المحتجين والقوات المسلحة.