لا بد أنك وأنت تُمرر أصابعك فوق شاشة هاتفك لتشاهد ما يجري في الدنيا من أحداث، صادفك مقطع فيديو مؤثر لطفل يبكي بحُرقة تجعله غير قادر على استكمال حديثه وسط محاولات فاشلة لمواساته.
لم يكن هذا الطفل يبكي لأن لُعبة اُنتزعت منه، أو لأن أحد والديه قد أظهر حنقه عليه، ولكن لأن ناديه، الزمالك في هذه الحالة، لا يظهر بالشكل الذي يحبه، فهو يعاني الويلات منذ بداية الموسم، حتى بات قريبًا من خسارة فرص المنافسة على كل الألقاب.
حين رحل ليونيل ميسي عن برشلونة في صيف العام قبل الماضي، كانت الصورة الأبرز لطفل يجلس خارج ملعب كامب نو، مرتديًا قميص النجم الأرجنتيني، ويتوشح بعلَم برشلونة، ويجلس أرضًا باكيًا على رحيل أسطورته المفضلة.
تُعيد هذه اللقطات إلى ذهني واقعة حدثت قبل 23 عاما، حين كنتُ في الصف الثاني الابتدائي، خسر فريقي الذي أشجعه شوط المباراة الأول بهدف في الدقيقة الأخيرة، فدخلت بين الشوطين غرفتي باكيًا.
مر والدي، رحمه الله، بجانبي، وقد كان أكثر حبًا للفريق الذي أشجعه مني، فقد ورثت حبه منه، ولكنه لما رأى دموعي نهرني، وحرمني وحرم نفسه من مشاهدة الشوط الثاني، وإن كانت المفُارقة أن المباراة لم تُستكمل بسبب الاعتداء على الحكم بين الشوطين.
كان زجر والدي لي بكلمات قليلة، أخبرني فيها بأن دموعي إنْ سقطت فلا يجب أن تسقط إلا على ما يستحق، أوصل لي بشكل غير مباشر أن ما سيعرض لي في هذه الدنيا أصعب بكثير من مجرد الحزن لهزيمة فريقي، ناهيك بتأخره.
ربما لم أكن أُدرك معنى رسائله في حينها، ولكن الموقف ظل عالقًا في ذهني، وكلماته ظلت عالقة في أذني حتى فهمتها، فلا أظنني بكيت على الكرة منذ ذلك الحين، صحيح قد أتأثر، قد ينتابني الحزن أو الغضب لفترة، ولكن دموعي لم تسقط إلا على ما يستحق.
أيها الطفل الباكي، لا أجردك من شغفك، فمشاعرك نبيلة نُبل طفلٍ في سنّك، ولكن يا عزيزي، ويا أهل عزيزي، ليكن مصب هذه المشاعر فيما يستحق، وما يستحق كثير، ليس من بينه لعبة صُنعت للترفيه والفرح وليس أبدًا للبكاء، لا يستحق دموعك الغالية سوى ما هو أغلى، ولا أعلى منها إلا أنت، فالزمالك ليس أغلى ما في الدنيا!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة