لم يهدأ الحال لدى المواطنين الإسرائيليين منذ إعلان وزير القضاء، ياريف ليفين، منذ بضعة أشهر عمّا أسماه بخطة الإصلاحات القضائية.
فالصوت الإسرائيلي، الذي كان يعلو في الأشهر الماضية حصريًّا في الإجازات الأسبوعية، كسر قاعدة التظاهر بشكل واسع في "غير أيام العمل" لينتقل إلى أيام منتصف الأسبوع، وذلك في إشارة إلى تنامي غضب الشارع.
ولفهم ما هو مستجد في الساحة الإسرائيلية بهذا الشأن، ثمة أسئلة تستدعي منا الإجابة عنها، لعل أهمها هو:
ما سبب توسع المظاهرات بهذا الشكل؟ وما التداعيات المتوقعة لهذا التحوّل؟ وهل ستؤثر هذه المظاهرات على الإصلاحات التي تنادي بها الحكومة؟
القاعدة الأساسية للحكم الديمقراطي، التي تحدّث عنها المفكر الفرنسي مونتيسكو، تتمحور حول فكرة الفصل بين السلطات، والتي يُقصد بها استقلالية كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها.
وهذه هي المعضلة، التي يتظاهر حولها الإسرائيليون حاليًّا في مختلف مدنهم، وعلى رأسها تل أبيب، التي يُعد هواها ليبراليًّا غربيًّا نوعًا ما.. هذه المدينة التي تزخر بنهضة عمرانية، وأسلوب حياةٍ غربي صرف، وقفت بكل جدية ضد الخطة التي نادى بها ليفين.. والسبب الذي أدى إلى توسع المظاهرات مرتبط بمضي الحكومة قُدمًا في تمرير القراءة الأولى لمشروع القرار في الكنيست، والذي اعتبرته المعارضة تحديًا لها رغم أن القرار تم تمريره بصيغة مخففة عما تم طرحه في المرة الأولى.
ومع أن هذه القضية كانت نُخبوية في البداية، فإن الحملات التي قادها التياران الوسطي واليساري أدت إلى سرعة الوصول إلى المواطن الإسرائيلي، الذي نزل إلى الشارع للتظاهر، وتابع ونفّذ توجيهات المعارضة التي تم تناقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
هذه الاستجابة تدل على مدى قناعة الشارع بحساسية وخطورة السياسات ومشاريع القوانين، التي تنادي بها بعض المكونات المتطرفة والمثيرة للجدل في الائتلاف الحكومي.
وبالرجوع إلى تداعيات ما هو حاصل في الساحة الإسرائيلية، فإنه لا شك في أن تأثيرها سيطال الاقتصاد الإسرائيلي، فقد ارتفع مؤشر الأسعار للمستهلك الإسرائيلي بنسبة 0.3% خلال يناير 2023، وبلغ معدل التضخم المالي السنوي نحو 5.4%، بحسب المعطيات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، حيث إنها أعلى نسبة ارتفاع منذ شهر نوفمبر من عام 2008.
وبالرغم من أن وزير المالية سموتريتش جاء برؤى لدعم الاقتصاد وتخفيض الأسعار، فإن شل حركة السير في المدن الكُبرى مثل تل أبيب، التي تعاني أصلًا من مشكلة في الازدحام المروري، لن تؤدي إلا إلى المزيد من تأزيم الأوضاع التي ستنعكس بدورها على زيادة الضغط على الحكومة.
بالإضافة إلى ذلك، فالمسؤولون الإسرائيليون سيواجهون تحديًا في مسألة تحركاتهم في البلاد، فعلى سبيل المثال، تجمهر المحتجون أمام مقر المؤتمر السنوي السادس عشر لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، الذي عُقد في بداية هذا الشهر وخصص جلسة بعينها لمناقشة "الإصلاحات القضائية"، ما أدى بدوره إلى عدم وصول بعض المسؤولين البارزين المشاركين، إضافة إلى اعتذار البعض الآخر.
ومع تتبع ما يُقال في الإعلام الإسرائيلي، والتغطية الكبيرة التي تحظى بها هذه الاحتجاجات، فإنه من المتوقع أن يكون هناك تأثير في خطة ليفين، وذلك عن طريق المساومة مع المعارضة للتوصل إلى حل لتهدئة الشارع الإسرائيلي.. وهذا الأمر مؤكد بأن تبعاته ستكون على ملفات أخرى ستُضفي مزيدًا من التعقيد في الساحة السياسية الإسرائيلية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة