القطاع المالي والنقدي أضحى أولى ضحايا الأدلجة من بين جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى.
أدلجة الاقتصاد حماقة ارتكبتها وما زالت بعض الدول التي مزجت توجهاتها الأيديولوجية أيا كانت يميناً أو يساراً بسياساتها الاقتصادية، ما أدى ليس إلى تدهور أوضاعها الاقتصادية والمالية فحسب، وإنما إلى تدمير ما حققه بعضها من تقدم اقتصادي في فترة ما قبل الأدلجة.
ويبدو أن القطاع المالي والنقدي أضحى أولى ضحايا الأدلجة من بين جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى، والتي ستتابع عملية تدهورها مع تدهور المؤسسات المالية وانهيار العملة الوطنية لهذه البلدان، حيث تبرز في هذا الوقت أربعة أمثلة رئيسية فاقعة لهذه الأدلجة؛ اثنان منها باتجاه اليمين وآخران باتجاه اليسار، واللذان يلتقيان في نهاية المطاف بدليل عملية التضامن بين هذه الأنظمة.
هناك عوامل مشتركة بين كل هذه الدول المؤدلجة والتي تسهم في تدهور أوضاعها المالية والنقدية؛ أولها الابتعاد عن المهنية في التعامل مع هذه الأوضاع، وثانيا محاولة تسخير قدراتها لتمويل ودعم منظمات حزبية تابعة لها، وثالثا تدخلاتها الخارجية التي تسبب لها تقليص علاقاتها الاقتصادية مع العديد من الدول
المثال الأول هو إيران وانهيار عملتها الريال، الذي وصل إلى الحضيض لينخفض بنسبة 50% خلال فترة زمنية قصيرة، ويتجاوز سعر الدولار 120 ألف ريال، إذ يتوقع أن يواصل عملية انحداره نحو القاع ليتجاوز 150 وربما 200 ألف ريال للدولار مع اشتداد العقوبات الأمريكية على إيران، والتي بدأت مرحلتها الأولى في السادس من شهر أغسطس الجاري، لتليها المرحلة الثانية في الرابع من نوفمبر، والتي ستكون أشد وأكثر قسوة لشمولها قطاع النفط.
المثال الثاني والأكثر مأساوية هو فنزويلا؛ البلد النفطي الغني، والذي يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، إلا أنه فقير وشعبه يعاني من الأزمات الاقتصادية والمالية، ويهاجر للعمل والتسوق في بلدان مجاورة أقل غنى، ولا تملك ما تملكه فنزويلا من ثروات طبيعية، ككولومبيا، حيث انهارت العملة الفنزويلية، وخلت المتاجر من السلع الاستهلاكية في ظل سياسة اقتصادية ومالية مؤدلجة أضرت باقتصاد البلاد، فتدهور إنتاج النفط، وهربت رؤوس الأموال وانخفضت الاستثمارات وتدنت مستويات المعيشة.
المثل الثالث، كوريا الشمالية، تلك الدولة التي تعيش انعزالاً عن العالم، وكأنها في كوكب آخر بعلاقات اقتصادية محدودة تعتمد اعتماداً شبه تام على علاقاتها مع الصين، التي تستورد منها معظم صادراتها وتصدر إليها معظم احتياجاتها من السلع والخدمات. أما العملة الوطنية، فإنه لا قيمة فعلية لها، فالكثير من معاملات الناس يتحكم فيها النظام الديكتاتوري الذي يحدد لهم ما يجب أن يُشترى ويستهلك ضمن نظام أبوي قمعي لا مثيل له، إذ ربما تعد كلمة استثمار لغزاً كبيراً لا يفهمه معظم الناس، أو ربما يعد ترفاً رأسمالياً يجب الابتعاد عنه.
بالتأكيد هناك أمثلة أخرى، مثل زيمبابوي التي طبعت أوراقا نقدية بتريليونات الدولارات الزيمبابوية بصورة كاريكاتورية مضحكة عندما تشتري كيلو بصل بتريليون دولار! علما بأن هناك دولا أخرى مؤدلجة ما زالت تقاوم عملية انهيار عملاتها بفضل ما تملكه من احتياطات مالية هائلة، كقطر التي حاولت حماية عملتها من الانهيار أكثر من مرة خلال فترة المقاطعة الخليجية والعربية لها منذ أكثر من عام.
الحقيقة أن هناك عوامل مشتركة بين كل هذه الدول المؤدلجة والتي تسهم في تدهور أوضاعها المالية والنقدية؛ أولها الابتعاد عن المهنية في التعامل مع هذه الأوضاع، وثانياً محاولة تسخير قدراتها لتمويل ودعم منظمات حزبية تابعة لها، وثالثاً تدخلاتها الخارجية التي تسبب لها تقليص علاقاتها الاقتصادية مع العديد من الدول وهروب رؤوس الأموال، وبالتالي حدوث المزيد من التدهور المالي والنقدي بصورة مستمرة.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة