تتكشف رواية قطر كل يوم، فضيحة فضيحة، وورقة توت ورقة توت.. آخر ذلك ما جاء في حوار سفير روسيا السابق في الدوحة فلاديمير تيتورينكو
تتكشف رواية قطر كل يوم، فضيحة فضيحة، وورقة توت ورقة توت. آخر ذلك ما جاء في حوار سفير روسيا السابق في الدوحة فلاديمير تيتورينكو، حين تكلم عما دار بينه وبين داعية الفتنة يوسف القرضاوي في لقاء قديم، أيام ما سُميت "ثورات الربيع العربي".. السفير الروسي وهو يكشف عن البدهي والمتوقع نبه، بقصد أو من دون قصد، إلى نقطة مهمة، وكأنه يقول "السهل الممتنع": نظام قطر الذي ينفق ماله وجهده ووقته وهو يحفر لأشقاء قطر وجيرانها إنما يحفر لنفسه أولاً ويتآمر ضد نفسه. لقد رسم لغيره ما ظن أنه المتاهة، فكان أول الداخلين التائهين. رواية قطر عند هذا الفصل تطابق حكاية من ثقب جزأه في السفينة يريد إغراق شركائه الآخرين، ناسياً أن الأمواج العاتية التي تحيط بالسفينة ستنال منه أولاً، خصوصاً، وهو الحلقة الأضعف، وكأن المقاطعة التي يسميها حصاراً جاءت لحماية شعبه منه، وحمايته من نفسه.
طلب القرضاوي من السفير الروسي إبلاغ موسكو بأن "هذه الأنظمة العربية الدموية إلى زوال، وأن إرادة الشعوب الذليلة والمغلوبة على أمرها هي البديل المقبل"، وتكلم مع السفير الروسي عن "ثورات الربيع العربي"، رابطاً بينها وبين السعي إلى تحقيق الديمقراطية. هنا طرح السفير السؤال المنطقي: وهل الدولة التي تعيش فيها ديمقراطية؟ قال القرضاوي: لا.. ليست ديمقراطية، وسوف يأتي دورها. طلب السفير من القرضاوي إعادة ما قال نحو التأكد منه، ففعل.
انتهازية القرضاوي تكمل انتهازية حمد بن خليفة، وحمد بن جاسم بن جبر، وتميم، وتتسق مع ذلك كله انتهازية "المفكر العلماني" عزمي بشارة، الذي أصبح يذكر اليوم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كلما ذكر عبدالباري عطوان، توكل كرمان، وجمال ريان
لرواية قطر في هذا السياق تتمة، لكن لا بد هنا من جملة معترضة وإن طالت.. القرضاوي وغيره من المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، بمن فيهم "إخوان الإمارات" أصيبوا بعد ما حدث في تونس ثم مصر مطلع 2011 بغرور مرضي تسبب في نهايتهم ونهاية حكم تنظيمهم سريعاً وأسرع مما يتوقع أو يتصور، وكلنا يتذكر تصريحات القرضاوي وخطبه من جامع الجمعة الرسمي في الدوحة، والمنقولة عبر تليفزيون قطر الرسمي، بما في ذلك اتهامه، غير مرة، دولة الإمارات بالعمل ضد الإسلام والمسلمين (!)، وكلنا يتذكر مثلاً حالة الجنون التي أصابت عصام العريان، المحكوم غيابياً بخمس سنوات سجناً في الإمارات، نظراً لإهانته الدولة وإساءته إلى قيادتها ورموزها، وهو يتكلم عن دول الخليج خصوصاً دولة الإمارات، مع استثناء راعية الإرهاب الإخواني قطر، وكلنا يتذكر، بل هل لأحد منا أن ينسى وقاحة صفوت حجازي وهو يهاجم "أنموذج" الإمارات في التقدم والتنوير، أو مجيء البلتاجي وسيطاً خائباً يوم قبض جهاز أمن الدولة في الإمارات على خلية "الإخوان" الإرهابية المصرية التي كانت تنشط على أرض الإمارات، وتتعامل مع عناصر التنظيم السري غير المشروع؟ وهل يمكن لأحدنا أن ينسى كيف أصيب الإخوان المسلمون بعد تونس ومصر بصدمة أورثتهم نوعاً من اللوثة العقلية، جعلت رجلًا مثل صالح الظفير عضو التنظيم السري الإماراتي، الذي كان متهماً حينئذ، ثم أدين من قبل محكمة أمن الدولة بعشر سنوات سجناً، يقول في أحد التسجيلات التي قدمت إلى المحكمة ضمن الأحراز الإلكترونية، بعد ذكر "انتصارات" تنظيم الإخوان في تونس ومصر: "نحن لها وأهلها ولو وصل الدم إلى الركب"؟
معلم هؤلاء جميعاً وأبوهم الروحي هو القرضاوي، فلا عجب أنه قال ما نقله عنه سفير روسيا السابق في الدوحة، ولا غرابة في وصف السفير لحمد بن جاسم بن جبر، أحد ركني تنظيم الحمدين، ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري بـ"الغول"، كونه أحد مسؤولي تمويل الإرهاب و"الربيع العربي"، وكونه عراب العلاقة القطرية "الإسرائيلية".
ونقل السفير عن القرضاوي أنه اتصل أمامه بالديوان الأميري القطري طالباً مضاعفة المبالغ المالية المقدمة إلى المعارضة المصرية المسلحة، كما اتصل بقناة "الجزيرة" الإخوانية الإرهابية، طالباً "المزيد من أخبار الدم وصور قتل الأطفال والجثث".
قد يقول قائل: وهل للقرضاوي مثل هذا النفوذ؟ الجواب نعم وبالتأكيد، كونه زعيم الجماعة التي ينتمي إليها حمد بن خليفة نفسه، وبعض سر العلاقة أن القرضاوي منذ وفد إلى الدوحة في عام 1961 التحق إماماً بجامع خليفة بن حمد آل ثاني أمير قطر الأسبق رحمه الله، والد حمد بن خليفة وجد تميم، وعليه فقد نشأ "الطفل" حينئذ حمد بن خليفة في أجواء تربية القرضاوي وتحت ظله، كما تربى أيضاً في مدرسة الإخواني الشهير عبدالبديع صقر، مؤسس التعليم في قطر، وكذلك الإخواني العتيد عبدالمعز عبدالستار الذي كان أول من أرسله حسن البنّا إلى فلسطين سنة 1946، أي قبل النكبة بعامين، ثم وفد إلى الدوحة ليتولى إمامة جامع حاكم قطر الأسبق الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، رحمه الله، وليتولى أيضا توجيه التربية الدينية في وزارة المعارف أيام الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني.
القرضاوي الذي أصدر أمس بياناً اتهم فيه السفير الروسي بالكذب، مضيفاً أنه، أي القرضاوي، ليس الآمر الناهي هناك، هو، في الحقيقة، يأمر وينهى في قطر، لأنه جزء أصيل من النظام، أما قوله للسفير الروسي بأن "ثورات الربيع العربي" مقبلة على قطر ونظامها لا محالة، فليس إلا بعض التعبير عن انتهازية نظام قطر التي لها تجلياتها المختلفة، على صعد السياسة والإعلام والثقافة، فخطاب الداخل غير خطاب الخارج، وتقارير المنظمات الحقوقية المشبوهة، خصوصاً "هيومان رايتس ووتش" تتناول في الإعلام القطري حين تتحدث عن الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، وبغض النظر عما يقال في التقارير نفسها عن قطر، فيما اتخذنا قراراً في إعلام الإمارات بألا نستشهد بتقارير "هيومان رايتس ووتش" وغيرها من المنظمات المشبوهة، حتى حين تتحدث عن قطر، فالمسألة عندنا مسألة مبدأ لا يتجزأ.
انتهازية القرضاوي تكمل انتهازية حمد بن خليفة، وحمد بن جاسم بن جبر، وتميم، وتتسق مع ذلك كله انتهازية "المفكر العلماني" عزمي بشارة، الذي أصبح يذكر اليوم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كلما ذكر عبدالباري عطوان، توكل كرمان، وجمال ريان.
في قطر اليوم تختلط الأوراق بعضها ببعض إلى هذا الحد، لكن الانتهازية بين الفكرة الضيقة والتكتيكات الصغيرة هي العنوان الرئيسي، وتندرج تحته عناوين فرعية على رأسها عنوان "حبل الكذب القصير".
ولأن حبل الكذب قصير، فإن فضح قطر يتوالى فصولاً، وما ورد في حوار السفير الروسي غيض من فيض، وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً، ويأتيك بالأخبار من لم تزود، ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتاً، ولم تضرب له وقت موعد.. وكان العظيم طرفة بن العبد يعيش في البحرين، على مقربة من قطر، وكان شاعر حكمة وأسئلة كونية ووجودية وهو في مقتبل العمر، الحكمة العربية في الخليج العربي، منذ أقدم الدهر، آباؤها الشرعيون، وهذا الذي يمكث في الأرض، أما الزبد، زبد القرضاوي وعزمي بشارة، والتدين الكاذب، والعلمانية المفتراة، والعروبة المغشوشة بسموم الحمدين وتميم وأقزام "الجزيرة"، فيذهب جفاء، وبئس المصير.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة