في حساب بسيط للجغرافيا نجد القوات النظامية باتت تسيطر ليس على سوريا المفيدة كما اُصطلح على تسميتها وإنما على مساحات لم تكن في حسبانها.
يسير الصراع في سوريا نحو الخاتمة بعد التطورات العسكرية الأخيرة التي قادت النظام وحلفاءه نحو السيطرة الكاملة على الغوطة وانسحاب الفصائل المعارضة نحو مدينة جرابلس في الشمال السوري.
حدث بارز رافق عملية السيطرة على الغوطة، وهو اتهام الدول الغربية لدمشق وموسكو باستخدام الكيماوي في دوما، ما تسبب بضربة ثلاثية شاركت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمواقع الجيش السوري في دمشق وحمص دون تغيير موازين القوى على الأرض كما كانت تتمنى المعارضة التي فقدت جلّ أوراقها على الساحة السورية لصالح النظام والتنظيمات المتطرفة.
لماذا لا تشخص المعارضة الأخطاء وتتحدث بشفافية عن الدور التركي وقبله القطري في تجيير المعارضة وإظهارها بوجه منبوذ من الدول العالمية باعتبارها تنظيمات إسلامية مؤدلجة باحثة عن مشاريع أبعد من حدود الوطن سوريا؟
في حساب بسيط للجغرافيا نجد أن القوات النظامية باتت تسيطر ليس على سوريا المفيدة كما اُصطلح على تسميتها وإنما على مساحات لم تكن في حسبانها في الوقت القريب، مثل الجزء الشرقي من مدينة الرقة والبادية الممتدة من تدمر وصولاً إلى مشارف دير الزور وكذلك على جزء ليس بالقليل في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا.
وبعد السيطرة على حلب جاءت الغوطة لتعيد المشهد إلى ما قبل 2012 عندما كانت هذه القوات تحاول التخلص من المعارضة المسلحة بسرعة كبيرة قبل فتح الجبهات عليها من كل المحافظات السورية، وهذا ما حدث بالفعل وشكّل انتكاسة لدمشق كادت تنهي الوضع لصالح المعارضة في عامي 2013 و2014 عندما سيطرت المعارضة على الجزء الشرقي من حلب وريفها الشمالي وحمص المدينة والريف الممتد وصولاً إلى حماة والرقة والغوطتين، وانتهى حراكها المسلح بالسيطرة على إدلب وأخذ زمام المبادرة عسكرياً.
في تلك الفترة عاشت المعارضة بشقيها السياسي والعسكري فترتها الذهبية، وكان لها الصوت العالي في حضور مؤتمرات السلام الخاصة بسوريا من عدمه، وتجلى ذلك بتسليمها مقعد سوريا في الجامعة العربية بدعم مباشر من قطر حينذاك التي استضافت القمة العربية عام 2013.
لا شك أنّ المعارضة كانت بحاجة للدعم العسكري وكانت تعول على الولايات المتحدة في ذلك، إلا أنّ إدارة أوباما وبعد تجربة دعم فصائل الشمال بقيادة جمال معروف التي تمكنت جبهة النصرة ومن لفّ لفيفها من هزيمته والاستيلاء على جميع المعدات العسكرية التي كانت بحوزته؛ بما فيها صواريخ تاو المضادة للدروع المحمولة على الكتف، تراجعت عن برنامجها في دعم المعارضة خوفاً من وصول السلاح الأمريكي للمتطرفين الذين استولوا على مساحات كبيرة في الشمال السوري بدعم من قطر وتركيا.
لم تقف الأمور عند إدارة أوباما، فالرجل غادر الأبيض وجاء الرئيس دونالد ترامب الذي وجّه ضربتين للنظام دون جدوى، فلا النظام سقط عسكرياً ولا المعارضة انتصرت، فقط للحفاظ على ما قاله ترامب إن الخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها وهي استخدام الكيماوي.
في الحقيقية لم تكن الولايات المتحدة السبب الرئيس فيما حلّ بالمعارضة ثمة دولة أخرى باعت واشترت في هذا الملف كثيراً وهي تركيا، وما حدث في حلب شاهداً رئيساً على الاتفاق ما بين أنقرة وموسكو وتسليم المدينة للنظام مقابل الباب شمال المدينة وجرابلس.
السؤال، لماذا لا تشخص المعارضة الأخطاء وتتحدث بشفافية عن الدور التركي وقبله القطري في تجيير المعارضة وإظهارها بوجه منبوذ من الدول العالمية باعتبارها تنظيمات إسلامية مؤدلجة باحثة عن مشاريع أبعد من حدود الوطن سوريا؟
واقع الحالي يلخص الإجابة عن هذا السؤال بثلاثة أمور هي:
الأول: هو هيمنة التيار الموالي لتركيا وفكرها الأيدلوجي على المشهد المعارض السياسي منه وكذلك العسكري (فصيل الأحرار وفيلق الرحمن المدعومان من تركيا وقطر أول من أبرم اتفاقاً مع النظام للخروج من الغوطة ويرجع ذلك للدور التركي والتنسيق مع الروس) ومواصلة بعض شخصيات المعارضة الفعالة مراعاة المصالح التركية وتقديم ذلك على مصلحة السوريين وتطلعاتهم، وهذا ما لم تستطع تغييره الأصوات المطالبة بدور عربي أكثر فعالية وسحب البساط من تركيا كمنصة القاهرة.
الأمر الثاني: تراجع الملف السوري على أجندات معظم الدول رغم التحذير من هول الكارثة التي يتعرض لها السوريون وانسحاب أغلب الدول المؤثرة وخلو الساحة بشكل شبه كامل لأنقرة، لتتفرد بتقرير مصير المعارضة السياسي في مستقبل سوريا باعتبارها الطرف الثالث الضامن لاتفاقيات خفض التصعيد مع إيران وروسيا اللاعبين الرئيسين على الأرض السورية.
الأمر الثالث: يكمن في أنّ جميع فصائل المعارضة واقعة في الحرج الكبير خصوصاً أنّ عائلات وقيادات هذه المعارضة أغلبها موجود في تركيا والصوت العالي لن يكون في صالحها ولكن هذا لا يعني عدم تحميل تركيا حالة الانكسار الكبير الذي وقعت فيه، الذي لم ينتهِ بعد، فإدلب ستواجه ذات المصير بالاتفاق مع روسيا لصالح إعطاء أنقرة المزيد من الامتيازات في الشمال السوري سواء قبلت دمشق ذلك أو رفضت، فسلطة القرار لم تعد بيد السوريين نظاماً ومعارضة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة