68 ألف حالة طلاق في الجزائر خلال عام واحد.. متخصصون يكشفون المستور
13 ألف جزائرية يخلعن أزواجهن في 2018، ما يمثل 19% من العدد الإجمالي لحالات الطلاق في البلاد.
كشفت الدالية غنية وزيرة التضامن الجزائرية، عن واقع الطلاق الأليم في الجزائر، الذي أجمع المتخصصون على وصفه بـ"ظاهرة تسير بخطوات ثابتة نحو زعزعة المجتمع الجزائري".
- منظمة حقوقية: 20 ألف اعتداء على النساء والأطفال بالجزائر
- 750 حكما مجمدا بالإعدام في الجزائر من 2008 إلى 2017
وذكرت وزيرة التضامن الجزائرية أن عدد حالات الطلاق في الجزائر خلال عام 2017 وصل إلى 65 ألفاً و637 حالة، فيما سجلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) أكثر من 68 ألف حالة طلاق في 2018 بزيادة قدرها 3 آلاف حالة، مقارنة بعام 2017، ما جعل الجزائر تحتل المرتبة الـ8 عربياً و73 عالمياً.
ظاهرة أخرى لا تقل خطورة كشفت عنها الوزيرة الجزائرية، تتعلق بارتفاع حالات الخلع في الجزائر، إذ ذكرت أن 13 ألف جزائرية خلعن أزواجهن في 2018، ما يمثل 19% من العدد الإجمالي لحالات الطلاق في البلاد.
واستناداً إلى المعطيات التي قدمتها الدالية غنية، فإن 48.6% من حالات الطلاق تمت "بإرادة منفردة" من أحد الزوجين، و15% برضا الطرفين، و19.8% عن طريق الخلع، و16% تطليقا مباشرا، مشيرة إلى أن حالات الطلاق لم تشمل الشباب فقط، بل تعدت وانتشرت في أوساط المسنين.
وأعادت الوزيرة الجزائرية أسباب تنامي ظاهرة الطلاق في المجتمع الجزائري إلى منصات التواصل الاجتماعي خاصة، معتبرة أنها كانت سبباً في "تأثر تلاحم الأسرة الجزائرية".
والملاحظ أن الأرقام الرسمية المقدمة، تؤكد تنامي ظاهرة الطلاق في الجزائر بشكل تصاعدي في السنوات الأخيرة، إذ انتقلت من 54 ألفاً و826 في 2012، إلى 54 ألفاً و985 في 2013، و57 ألفاً و461 في 2014، و65 ألفاً في 2015، وسجلت سنة 2016 العدد الأكبر في حالات الطلاق بالجزائر والتي وصلت إلى 70 ألف حالة.
ظاهرة الطلاق التي تتجه بشكل تصاعدي سنوياً، باتت هاجساً للسلطات الجزائرية، ودفعت المختصين إلى دق ناقوس الخطر من تأثير الأسرة المفككة على مستقبل المجتمع الجزائري.
ولفهم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تفشي هذه الظاهرة في الجزائر، خاصة ما تعلق منها بظاهرة الخلع، استطلعت "العين الإخبارية" آراء مختصين في القانون والاجتماع وأئمة الدين، عن الحقائق التي تدفع الأزواج إلى هدم مؤسساتهم الأسرية، والحلول الممكنة لمحاصرة هذه الظاهرة.
قانون الأسرة والاختيار المزدوج والثقافة الجنسية.. الثالوث المرعب
المحامي أمين سيدهم، كشف خلال اتصال هاتفي مع "العين الإخبارية" عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الطلاق بالجزائر، وقال: "عدد الملفات الموجودة على مستوى المحاكم الوطنية ومحاكم العاصمة تحديداً شهد ارتفاعاً مخيفاً، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الظروف الاجتماعية الصعبة التي تتخبط فيها العائلات الجزائرية، والضغوط اليومية التي تعود إلى ظروف اجتماعية أيضا، وأدت إلى تشتت المجتمع الجزائري بعد أن أصبحت الأسرة بدون معنى".
- حوادث الطرق تدهس الجزائريين.. 145 حادثا و12 قتيلا يوميا
- بين سقوط طائرة وانتشار وباء.. جزائريون يلقبون 2018 بـ"عام الكوارث"
وشدد على ضرورة "الانتباه إلى أمرين، الأول مصير الأطفال الذين يعتبرون الضحية الأولى للطلاق بعد أن يتحولوا إلى منحرفين محتملين، خاصة بعد تأكيد الكثير من الدراسات الدولية أن كثيرا من الأطفال ضحايا الطلاق يتوجهون مباشرة إلى الانحراف لانعدام حنان العائلة، وبالتالي فإن هذا التشتت يخلق في الأطفال تشتتاً نفسياً، أما السبب الثاني فهو ارتفاع نسبة الطلاق في أوساط المسنين أي أن الأمر لم يعد مقتصرا فقط على الشباب وهذا أيضا إشكال حقيقي".
وأعاد أمين سيدهم ارتفاع حالات الطلاق في الجزائر إلى "شبكات التواصل الاجتماعي التي خلقت مشاكل كبيرة في الأسر الجزائرية وما نجم عنها من خيانة زوجية افتراضية، إضافة إلى قانون الأسرة الذي كيفته الحكومة الجزائرية بشكل يجنبها انتقادات المنظمات الدولية دون مراعاة خصوصيات المجتمع الجزائري".
ولفت إلى أن "عزوف الشباب اليوم عن الزواج في الجزائر وارتفاع ظاهرة العنوسة ينتهي بالمشاكل التي يسمعون عنها أو يعيشونها في محيطهم الأسري أو مع أصدقائهم".
محامٍ آخر في محكمة الجزائر العاصمة، طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع، قال لـ"العين الإخبارية": "إن الأسباب الحقيقية والغالبة على حالات الطلاق والخلع تحديداً في الجزائر، والتي لا يمكن للوزيرة أو منظمة حقوقية أن تذكرها، هو أن الواقع المر يكمن في تابوهات لا يمكن للرسميين في الجزائر الحديث عنها، رغم أنها الحقيقة التي يجب الوقوف عندها".
وكشف عن أن "كثيرا من حالات الطلاق في المحاكم الجزائرية لها علاقة بانعدام الثقافة الجنسية عند الزوج، الأمر الذي يتسبب في نفور الزوجة ولجوئها إلى طلب الخلع من زوجها".
سليم الحمدي إمام مسجد بمقاطعة زرالدة بالجزائر العاصمة يرى أن "الظاهرة غير مرتبطة بعامل أو دافع واحد، بل نتيجة لمجموعة الأسباب".
وذكر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن من بين أسباب ارتفاع حالات الطلاق في الجزائر "قانون الأسرة الذي منح للمرأة حقوقاً أكثر مما كانت تطلب، ما جعلها تستغني عن حق قوامة الرجل عليها، إضافة إلى الاختيار المزدوج السيئ من الزوجين المبني على الإعجاب بابتسامة أو بجمال أو بجاه، وهنا يكمن الخلل الكبير، لكن بعد الارتباط والعشرة يظهر ما كان خافياً، إضافة إلى والفوارق الكبيرة في المستويات الثقافية والتعليمية ما بين الزوج والزوجة".
سامية بطوش المتخصصة الاجتماعية قدمت من جانبها جملة من الأسباب التي تقف وراء الارتفاع السنوي المذهل لظاهرة الطلاق في الجزائر وظاهرة الخلع في حديثها لـ"العين الإخبارية"، ووصفتها بـ"النتيجة أكثر منها بالظاهرة".
وترى بطوش أن "مشكلة الطلاق باتت معضلة في غالبية المجتمعات العربية والجزائرية تحديداً، وهناك أسباب كثيرة تتداخل في هندسة هذه الظاهرة، والطلاق في النهاية هو قرار بين الطرفين، إما بالتطليق أو بالخلع، وما حدث أن تركيبة الأسرة الجزائرية تأثرت بجملة من المتغيرات التي أصبحت تؤصل لمختلف أبعادها، أبرزها العولمة وما باتت تنتجه من أدوار جديدة للمرأة والرجل معاً، خاصة للمرأة".
وأضافت: "المرأة اليوم، وفي كثير من الأحيان تمتلك السلطة الاقتصادية، بل قد تتفاوت في ذلك وتكون ضعف الرجل، ومن ثمة فإن امتلاكها هذه السلطة الاقتصادية سمح لها بممارسة نوع من السلطة الاجتماعية في قرارات زواجها أو في قرارات انفصالها".
وأشارت إلى أن "حالات التنصل التي يقوم بها بعض الأزواج الرجال، وعدم تحمل مسؤولياتهم وترك كل المسؤولية على عاتق الزوجات أضحى يمثل هاجساً للمرأة، وبالنطر إلى تلك السلطة الاقتصادية التي امتلكتها وما ينتج عنها من سلطة اجتماعية أصبحت المرأة تفكر بأن الزوج في مثل هذه الأوضاع أصبح عالة عليها، لذا تعتقد أنه من الأفضل التخلص من زوج يفترض أن يكون قوّاماً لا عالة".
أما عن حالات الخلع، فقالت سامية بطوش: "ثقافة الخلع دخلت مع خلال قانون الأسرة الذي سمح للمرأة بأن تخلع نفسها من الزوج، وهو ما جعلها تصبح واحدة من الظواهر التي أعتقد أنها من الناحية السوسيولوجية دخلية على عقلية المجتمع الجزائري وعلى ذهنية الأسرة الجزائرية، وعلى منظومة القيم والأعراف الاجتماعية، وهو ما يجعل أيضا الخلع من ظواهر الانحرافات السلوكية عندما لا تكون في محلها".
ومن الأسباب التي عرضتها أيضا "حالات العنف التي تتعرض لها المرأة في الجزائر، والتي بقيت لسنوات مستورة وكشف عنها الغطاء اليوم، وسمح الخلع بالتخلص من جزئياتها".
واستبعدت سامية بطوش في المقابل أي دور لمواقع التواصل الاجتماعي في ارتفاع حالات الطلاق في الجزائر، وقالت: "شخصياً لا أعتقد ذلك، على الأقل من الناحية السوسيولوجية، ولا أعتقد بأنها تمارس مثل هذه السلطة أو التأثير على قرارات الطلاق أو الخلع، لكن يمكن القول إن ثقافة العولمة وما أفرزته من نزعة فردية ومن ابتعاد الأسرة عن علاقات التلاحم الاجتماعي، أسهمت بشكل كبير في إعادة بلورة مفاهيمنا ونظرتنا لعلاقة مؤسسة الزواج ككل".
التأهيل الأسري وتعديل قانون الأسرة.. وصفة لعلاج معضلة الطلاق
وعن الحلول، يرى الإمام سليم الحمدي في حديثه لـ"العين الإخبارية" أنها يجب أن تبنى على "إشاعة ثقافة الزواج وكيف يجب أن يكون مشروع شركة حياة، وبأنه من الجانب الشرعي ميثاق غليظ كما أن هدفه تكوين أسرة وتربية أبناء".
- إحباط 4 آلاف محاولة هجرة سرية من الجزائر خلال 2018
- 700 جريمة يوميا و954 حالة انتحار بالجزائر في عام واحد
ويقول المحامي أمين سيدهم لـ"العين الإخبارية"، إن محاصرة ظاهرة الطلاق في الجزائر يجب أن تنطلق أولاً "من تعديل قانون الأسرة وفق خصوصيات المجتمع الجزائري، ولا بد من توعية الشباب بأهمية الزواج وحقيقة المسؤولية التي تنتظرهم، وعلينا أن ننتبه إلى أننا نعيش أزمة أخلاق أيضا لأن كثيراً من العائلات الجزائرية لم تعد تنفذ مهامها، وبالتالي يجب توعية الشباب بضرورة بناء مؤسسة أسرية على أسس سليمة".
وترى المتخصصة الاجتماعية سامية بطوش في حديثها مع "العين الإخبارية" أن "تطويق أي ظاهرة يحتاج إلى عمل مؤسسي وجماعي، ولا يكفي أن يكون العلاج في مبادرات فردية، خاصة أن المؤسسات الرسمية ومؤسسات التضامن والأسرة مطالبة بتنظيم دورات التأهيل الأسري".
وأضافت: "يجب أن نتساءل قبل أي ارتباط عن هؤلاء الأزواج وهل هم مؤهلون أصلا ليدخلوا في علاقة زوجية؟ بالنظر إلى هذه التغيرات التي أصبحت تشكل الراهن الاجتماعي اليوم أم لا، لأن تحديات الأزواج في يومنا مختلفة عن تحديات أجدادنا وآبائنا، وما نحتاجه هو طريقة مواجهة هذه التحديات من خلال تكريس ثقافة التأهيل الزواجي والابتعاد عن العقد الاجتماعية التي ما زالت تلاحقنا، وللأسف البعض يعتقد أن المشاركة في دورة للتأهيل هو طعن في رجولته".
واختتمت: "هناك ضرورة لممارسة المؤسسة الدينية دورها من خلال محاولة الاسهام الحقيقي للتدين الصحيح الذي يقتضي تقوى الله عز وجل، وأصل الزواج والطلاق متعلق بالتدين الصحيح أو الخاطئ".