عموماً سنلمس تغيراً واضحاً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية،
بالنسبة للفلسطينيين دونالد ترامب مثله مثل هيلاري كلينتون، مثل أي رئيس أمريكي سابق، أو بعبارة أخرى إن الجمهوريين مثل الديموقراطيين. لا خلاف بينهم حول القضية الفلسطينية، والقاسم المشترك بينهم هو الانحياز الكامل ل«إسرائيل» والالتزام بأمنها وبقائها، ودعم سياستها في الأراضي الفلسطينية من تهويد واستيطان، وفي ظل كل الإدارات الأمريكية منذ نشأة «إسرائيل» وهي تحظى بتأييد أمريكي في مجلس الأمن. الثابت الوحيد في السياسة الأمريكية هو «إسرائيل»، وما عداها من ملفات عربية وإقليمية بما فيها فلسطين قابلة للتغيير والتبديل. هذه حقيقة من حقائق السياسة الأمريكية ليست مرتبطة فقط باللوبي اليهودي، بل بالأبعاد الأيديولوجية والعَقَديَّة والاستراتيجية التي تربط «إسرائيل» بالولايات المتحدة.
كل الإدارات الأمريكية تنظر إلى «إسرائيل» على أنها الولاية ال51. والسؤال ما هو الجديد مع دونالد ترامب الرئيس الذي لم يفز بالمال والصوت اليهودي؟. قد يكون هو الأفضل لدى اليمين «الإسرائيلي»، لكن هناك تخوفات من سياسته غير المتوقعة، خصوصاً أنه غريب على عالم السياسة، وليس ملمّاً بالقضية الفلسطينية، بمعنى مَنْ مِنْ مستشاريه سيقدم له المعلومة المغلوطة عن فلسطين وقضيتها وشعبها، والتي بناء عليها سيبني رؤيته وسياسته وقراراته؟. وهنا قد تلعب «إسرائيل»، من خلال مسؤوليها ومراكز البحث والفكر التي تسيطر عليها، هذا الدورَ في التأثير في قرارات ترامب، خصوصاً أن لديه كامل الاستعداد لذلك، بعدما كشف عن موقفه في استعداده لنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة.
في جميع الأحوال لن تحظى القضية الفلسطينية بالأولوية بالنسبة للرئيس الأمريكي مقارنة بالأولويات الأخرى، وهو ما قد يعطي «إسرائيل» مجالاً وفسحة واسعة للمضي في سياستها في الأراضي الفلسطينية، وطي ملف حل الدولتين إلى الأبد. ثم يجب ألا ننسى أن ترامب وأثناء حملته الانتخابية تجاهل تماماً شعباً اسمه الشعب الفلسطيني. ففي كل تصريحاته كانت «إسرائيل» هي الحاضر الأكبر، وتأكيد دعمها كشريك عسكري واقتصادي، وتأييد تحالفه القوي مع نتنياهو الذي سيكون أول من يقابله، وكما وعد فإن «إسرائيل» ستكون أول دولة خارجية سيزورها. ولم يقدم أية رؤية واضحة للدولة الفلسطينية، التي غابت عن برنامجه تماماً، بل ذهب في اقتراحاته المثيرة للجدل بأن وجّه رسالة إلى الفلسطينيين بترك أراضيهم للكيان، مقابل أن يمنحهم جزيرة بورتوريكو الأمريكية التي تبلغ مساحتها ألف ميل مربع كتعويض لهم. هذه الاقتراحات وإن كانت أقرب إلى الشطط والهزلية، لكنها بلا شك تشكل أحد محددات أفكاره ورؤيته السياسية تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما قد يبعث على القلق. وبقراءة سريعة لموقفه من عملية السلام في المنطقة فهو لن يخرج عن السياق العام الذي سار عليه من سبقوه؛ ولذا سيعيد تأييده لعملية تفاوضية مباشرة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وسيرفض ممارسة أي ضغط على الجانب «الإسرائيلي» فيما يتعلق بالمستوطنات التي يرى أنها حق ل«إسرائيل»، كما سيدعم بشكل مطلق فكرة الحدود الآمنة التي تحددها «إسرائيل»، وقد يتصدَّى للمحاولات الفلسطينية للانضمام للمنظمات الدولية ومحاولة فرض سياسة العزلة الدولية على «إسرائيل». وسيلوح بورقة المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، والتي قد تتوقف عند أي موقف أو قرار فلسطيني مناهض ل«إسرائيل».
هذه المواقف المبدئية للرئيس ترامب تحدّها أو تقلل من تأثيرها العديد من المحددات التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية، على اعتبار أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات وليست دولة الفرد الواحد، والمحددات التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود وأبرزها الالتزام بأمن «إسرائيل»، والمحافظة على إمدادات النفط بأسعار لا تضر بالسوق المالي العالمي الذي تقوده أمريكا، والحفاظ على الدول الصديقة والحليفة، والحرب على الإرهاب.
عموماً سنلمس تغيراً واضحاً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، رغم أنها تبقى قضية محورية، ويرتبط بها استقرار المنطقة وأمنها. وبالمقابل إن هذا التحول يفرض على الفلسطينيين إعادة تقييم خياراتهم وتحالفاتهم الإقليمية والدولية، والإسراع في بناء منظومة سياسية ديموقراطية متكاملة، وتفعيل كل خيارات المقاومة، والعودة بالقضية الفلسطينية إلى عمقها العربي والدولي.
*نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة