التحقيقات تكشف عن تورط إيران بتغذية سوق المخدرات في العراق عامة والبصرة خاصة وانتشار تعاطي المخدرات بين الشباب وطلبة الجامعات والمدارس
شر البلية ما يضحك عندما تمتزج التراجيديا بالكوميديا في بلد يعاني من أزمات لا تجد الحكومات المتعاقبة لها أي حل، خاصة في ظل الفساد المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع، وآخر هذه الأزمات انتشار المخدرات وتفشيها في العراق، مما جعل رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي اختيارها كمادة للحديث في مؤتمره الأسبوعي، حتى قال العراقيون ساخرين: كنا نتمنى أن يلتزم الصمت إزاء هذه الآفة بدلاً الحديث عنها؛ حيث زاد الطين بلة عندما ذكر الأرجنتين، وما أثار استغراب وسخرية ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي هو تجاهله ذكر إيران، على الرغم من أنها المورد الكبير للمخدرات إلى البلاد، وحسب ما قال: "المخدرات تأتي من الأرجنتين إلى عرسال اللبنانية وتنتقل عبر سوريا وتدخل العراق، لتؤسس شبكات تستغل الشباب من أجل كسب أموال هائلة"، وهو تفسير اعتبره العراقيون مهزلة في حقهم وحق وطنهم وأبنائهم؛ لأن الجميع يعلم أن المخدرات تدخل إلى العراق من ايران، حتى أن قائد شرطة البصرة الفريق رشيد فليح أكد أن 80% منها يأتي عن طريق إيران.
ويتساءل العراقيون: مَنْ نصدّق، رئيس الوزراء أم قائد شرطة البصرة؟
يتساءل العراقيون والناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي: هل من المعقول أن يغير رئيس الوزراء بوصلة طرق الإمداد والمتاجرة العالمي الذي تشكل إيران عمده الأساسي باعتراف المسؤولين الإيرانيين أنفسهم إلى الأرجنتين؟ هل يغازل روحاني مع قرب زيارته إلى بغداد؟
يحاول عبدالمهدي أن يبرئ ساحة إيران من هذه الجريمة ويتهم الأرجنتين، وللسخرية والتهكم وضعوا اسم الأرجنتين على الخارطة بدل إيران.
في الواقع، بهذا التصريح يضرب رئيس الوزراء عصفورين بحجر واحد، أولاً إنه يبرئ ساحة إيران، يبرئ ساحة "الحشد الشعبي"، الحاكم الفعلي في الشارع العراقي، والمعروف أن المخدرات تصل من إيران في سيارات تتمتع بحماية خاصة من قبل المليشيات، لأن القوات الأمنية لا سلطة لها على الحدود، وباتت الحقائق تشير إلى أن المخدرات باتت مصدر تمويل للعديد من الأحزاب ومليشياتها، لما تدره من أموال ضخمة منذ تحول العراق إلى منطقة عبور، وهذا ما يشكل تهديداً على بلدان الخليج، لا سيما أن طهران تعمل على تمويل عمليات الحرس الثوري الإيراني من وارداتها، بإسناد من مليشياتها في العراق التي تسيطر على الحدود الجنوبية الشرقية المفتوحة مع إيران، وتجنبا لتعرضهم للاختطاف أو القتل أصبح تجار المخدرات الذين يسيطرون على السوق يتعاونون معها، وأصبح كل شيء بيدها بعد تحرير المناطق من داعش، حتى أنها أخذت بزراعته كما شاع مؤخراً، خاصة في محافظة صلاح الدين، وتحديدا بين مدينتي تكريت وسامراء، وقره تبه بمحافظة ديالي، ومزارع في أطراف محافظات السليمانية والقادسية وميسان، وباتت الأهوار معبراً للمخدرات من إيران إلى الداخل العراقي، عن طريق المشاحيف والقناني البلاستيكية، ويبدو أن هذه المليشيات قامت بمنع تداول الخمور من أجل الترويج لبضاعتها من المخدرات وحبوب الكبسلة والكريستال، خاصة الخشخاش الذي يُزرع في جنوب العراق، حسب قول النائب فائق الشيخ علي.
ومع ارتفاع وتيرة ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات بين الشباب وطلبة الجامعات والمدارس تكشف التحقيقات عن تورط إيران بتغذية سوق المخدرات في العراق عامة والبصرة خاصة، هناك تأكيدات أن المصدر الوحيد للمخدرات في العراق هو إيران، وهو أمر موثق، منها ما أصدرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان في 17 سبتمبر الماضي، من بيان قالت فيه إن العراق أصبح سوقا "رائجة" لبيع وتعاطي المخدرات بين فئة الشباب من الجنسين، بعدما كان معبراً، فيما ذهب النائب السابق والقيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي بالتأكيد على أن إيران وأفغانستان هما المصدران الأكبر للمخدرات إلى العراق، وأن هناك نحو 2650 معتقلاً من المتعاطين في السجون، لكن التجار يفلتون من العقاب كونهم مرتبطين بأحزاب سياسية، وبعضهم متورط باستيراد نصف طن من مادة "الكوكايين" من الإكوادور مخبأة في صناديق الموز وتم الإفراج عنه. هناك مافيات عراقية مرتبطة بمسؤولين وأحزاب، كما تمّ القبض على عشرات الإيرانيين خلال عمليات التهريب بعلم أجهزة الدولة.
مما لا شك فيه، إن غياب خطط الحكومة في معالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية، خاصة تفشي البطالة هو أحد أهم أسباب انتشار المخدرات.
حاول عبدالمهدي أن يعلق جميع مشاكل المخدرات على شماعة الأرجنتين، البلد البعيد، دون ذكر إيران لأنه مرتبط بأجندتها.
لم يكن العراق يعرف المخدرات قبل عام 2003، فيما بينت إحصائية لمستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في بغداد وجود 3 مدمنين على المخدرات من بين كل 10 أفراد، وأكدت إحصائية مكتب المخدرات ومتابعة الجريمة التابع للأمم المتحدة عن عدد تقريبي لنسبة المدمنين بين الشباب العراقي حسب تقاريرها، ولم يسجل غير حالتين كتجارة مخدرات فقط ما بين 1970 و1990، إلا أن مجريات البلاد تغيرت بشكل ملفت وسجلت أرقاماً خيالية، وتحول العراق إلى معبر ومستهلك للمواد المخدرة فيما كان في السنوات التي تسبقها يشكل معبراً لها فقط، وتتوقع الإحصائية الصادرة عن الأمم المتحدة أن العشر سنوات المقبلة ستفتك بالشباب العراقي في حال ظل الوضع على ما هو عليه؛ لأنهم يشكلون الغالبية العظمى من المتعاطين للمخدرات والمنحدرين من مناطق فقيرة.
ويتساءل العراقيون والناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي: هل من المعقول أن يغير رئيس الوزراء بوصلة طرق الإمداد والمتاجرة العالمي الذي تشكل إيران عَمَده الأساسي باعتراف المسؤولين الإيرانيين أنفسهم إلى الأرجنتين؟ هل يغازل روحاني مع قرب زيارته إلى بغداد؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة