معتصم.. قصة رضيع "عاد من الموت" في الغوطة الشرقية
عندما قُتل أبناؤه الثلاثة في غارة جوية على منزلهم في الغوطة الشرقية الأسبوع الماضي، رأى أبو ساريا أنه لا جدوى من حضور جنازتهم.
عندما قُتل أبناؤه الثلاثة في غارة جوية لطائرات النظام السوري على منزلهم في غوطة دمشق الشرقية الأسبوع الماضي، رأى "أبو ساريا" أنه لا جدوى من حضور جنازتهم، وأنه من الأفضل البقاء في محله بالمستشفى، ومحاولة إنقاذ حيوات أخرى.
وبعد أن انتهى سائق سيارة الإسعاف من عمله في وقت لاحق من ذلك اليوم وذهب ليواسي زوجته، التي نجت من الغارة، أرسل شخص ما صورة له، تظهر صبيا صغيرا يرقد على سرير في مستشفى وتتصل بجسده أنابيب، اكتشف أنه كان ابنه الأصغر، معتصم البالغ من العمر 18 شهرا.
- بالفيديو.. مراهق سوري يوثق مأساة الغوطة الشرقية بـ"السيلفي"
- هدنة أممية متعثرة في غوطة دمشق وسط آمال بانفراجة قريبة
"لم أستطع أن أصدق ذلك.. كنت مقتنعا بأنه ميت"، بهذه الكلمات بدأ السوري المكلوم حديثه لمراسل صحيفة "تايمز" البريطانية من الغوطة.
الأمر كان يبدو مستحيلا، فالطفل معتصم يعاني من الربو، وظل عالقا تحت أنقاض منزلهم لمدة ساعة قبل أن يتم انتشال جسده الضئيل.
لحظات معدودة حالت دون انضمامه إلى قائمة ضحايا القصف الأخير للغوطة الشرقية، الذين قدرت عددهم منظمة "أطباء بلا حدود" بنحو 630 شخصا وصلوا إلى منشآتها وحدها منذ 19 فبراير/شباط الجاري، بينهم 216 طفلا على الأقل.
ورغم أن وقف إطلاق النار، الذي قررته الأمم المتحدة السبت، خفف القصف قليلا، قتل أمس 22 شخصا، بينهم 7 أطفال وأسرة كاملة من 9 أفراد، وفقا لما ذكره مراقبون من المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقبل انتهاك الهدنة الأولى، عبر "أبو ساريا" (33 عاما) عن سخريته واستيائه، متسائلا: "أي وقف إطلاق نار؟ بينما تحلق الطائرات فوق رؤوسنا".
وفي الغارة التي استهدفت منزله الأسبوع الماضي، فقد "أبو ساريا" شقيق زوجته وابن أخيه البالغ من العمر 10 سنوات، فضلا عن أطفاله، الذين التمسوا ملاذا في الطابق السفلي عندما بدأ القصف.
وتوجه هو إلى موقعه في نقطة المعونة الطبية، قبل أن تأتيه شقيقته لتبلغه أن منزله تعرض للقصف فهرع عائدا إليه.
بكلمات تعبر حزنه، استأنف: "سقطت 3 براميل متفجرة على المبنى، أحدها سقط على مقربة من الطابق السفلي ودمر جدرانه، سمعت زوجتي تصرخ رأيتها هناك، لا يظهر منها سوى رأسها، وكان جسدها مدفونا تماما تحت الأنقاض.
وأضاف: "صرخت أطفالي، اذهب واعثر عليهم، لا أستطيع سماع أصواتهم، فبدأت أنا وأصدقائي الحفر وإزالة بقايا الجدار، وجدت بشار، لكنه كان ميتا".
كان بشار، (9 أعوام)، ابنه البكر، وزوجته المحررة من تحت الأنقاض، انتشلت ابنهما معتصم الذي توقف تماما عن التنفس، وأخبره زملاؤه أنه مات أيضا، قبل أن يعثروا على جثة ساريا، ابنه الأوسط البالغ من العمر 6 سنوات، في وقت لاحق، تحت الخرسانة المكسورة.
وبعد عودته إلى المستشفى واصل "أبو ساريا"، علاج الناجين، بينما جلب أصدقاؤه جثث أفراد عائلته.
وتابع: "لم أستطع النظر إليهم لفترة طويلة"، لافتا إلى أن العديد من الأشخاص الذين يعالجون كانوا أيضا أقارب.
وأردف: "شعرت بأن قلبي كان قاسيا مثل الصخر، نصحني زملائي بأن أترك كل شيء وأذهب لوداع أطفالي، لكنني قلت لهم: إنهم ميتون، يجب أن نعتني بالأحياء، ومن ثم أخذوهم لدفنهم".
لكن أحد الرجال المكلفين بدفن الجثث لاحظ إشارة على الحياة، وأخذ الطفل معتصم إلى المستشفى، وهو يعاني الآن من نقص الأكسجين، مع علامات تلف في الدماغ، بعد أن تمكن الأطباء من إزالة الحجارة من قصبته الهوائية، والحطام من رئتيه.
ومضى "أبو ساريا" قائلا: "لا يستطيع (معتصم) تحريك أي جزء في جسده إلا عينيه، ولا يتكلم، ولا يتذكر شيئا، وهو يحصل على التغذية من خلال الأنابيب".
واستدرك بالقول: "لكن الأطباء يقولون لي إنه سيتعافى، حتى لو كان الأمر سيستغرق 5 أو 6 أشهر، قلت إنني لا ألوم أحدا.. كنا 10 رجال فقط وكان هناك أكثر من 50 شخصا في المبنى، فقد العديد منهم أطرافه، وتعرضوا لإصابات في الرأس، والصدر، كانت هذه هي اللحظة الأكثر صعوبة في حياتنا المهنية".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعا، الإثنين، لهدنة يومية من الساعة التاسعة صباحا حتى الثانية ظهرا (من 07:00 إلى 12:00 بتوقيت جرينيتش)، وإتاحة "ممر إنساني" للسماح للمدنيين بمغادرة المنطقة، التي أسفر قصفها عن مقتل المئات منذ 18 فبراير/شباط الجاري.
aXA6IDMuMTQ5LjIzMS4xMjIg جزيرة ام اند امز