كل الاحتمالات مفتوحة أمام هذه الشخصية التي لن تتوقف عن جر منطقة شرق البحر المتوسط إلى صراعات عسكرية.
قبل الدخول في سياسات أردوغان الاستفزازية في شرق المتوسط، أعيد تذكير القارئ بذلك الوصف الشهير الذي أطلقه وزير خارجية فرنسا السابق "برنارد كوشنير" في العام 2010م، عندما قال حرفيا "رجب طيب أردوغان رجل عنيف ودموي"، ومن الطبيعي أن رئيسا بهذه الصفة سوف يظل يعتاش على خلافات الآخرين من حوله، ويشعر الرئيس التركي أن تكتلا سياسيا ضده ينشأ في شرق المتوسط تشكله دول من بينها اليونان ومصر فرنسا، ولذلك هو يتصرف بكل استفزاز مع المنطقة.
تركيا أردوغان تحاول تحقيق طموح في شرق المتوسط ولكن بمنهجية فردية لا تجد حتى الدعم من أحد، بل إن الكثير من الدول تعارض هذا الطموح وخاصة الدول الكبرى، مما وضع الإتحاد الأوروبي في موقف موحد أمام تركيا وهي عضو في حلف الناتو، الرئيس أردوغان يشعر بالارتباك والقلق ليس في شرق المتوسط فقط، وإنما في كل المواقع التي يتدخل فيها ويثير فيها المشكلات، وهذا ما يطرح سؤالا مهما حول حقيقة مستقبل هذا الرئيس والمسار الذي يتخذه مسببا الكثير من المشكلات للأمة التركية.
الرئيس التركي يخلط الأوراق على البحر كما خلطها على اليابسة، ففي ليبيا وقع اتفاقية لرسم الحدود البحرية نهاية العام 2019م، معتقداً أن ذلك قد يمنحه حق السيطرة البحرية، ولكي نفهم هذا المسار لا بد وأن نتعمق في شخصية الرئيس التي وصفها وزير الخارجية الفرنسي بالشخصية الدموية العنيفة، وهذا يعنى أن كل الاحتمالات مفتوحة أمام هذه الشخصية التي لن تتوقف عن جر منطقة شرق البحر المتوسط إلى صراعات عسكرية، وخاصة أن تركيا لديها تاريخ طويل من الأزمات السياسية التي صنعتها مع جيرانها وعلى رأسهم اليونان حيث تمتد خلافاتهما لمئة عام مضت.
المياه التي تبحث فيها تركيا عن النفط أو الغاز في عرض البحر وتسبب فيها المشكلات، منطقة يبلغ عمقها في البحر ١.٨ كم، والتنقيب في مثل هذا العمق صعب ويكاد يكون مستحيلا على دولة مثل تركيا التي لا تمتلك التقنية الكافية للإنتاج من البحر بمثل هذا العمق، هذا إذا ما كان هناك نفط أو غاز تحت قاع البحر في هذه المنطقة، وهنا يأتي السؤال الأخير حول الخاسر النهائي من مغامرات أردوغان وتدخلاته في عدة مناطق، فهو يذكي الأزمة في سوريا ويشعل أخرى في العراق وثالثة في ليبيا ورابعة مع اليونان وأوروبا وخامسة مع التاريخ الإسلامي بطموحات سلطوية.
أردوغان الحالم بعودة النفوذ العثماني يواصل تصعيده الخاطئ، وسوف يجد نفسه قريبا أمام استحقاقات سياسية واقتصادية وشعبية لن يستطيع تفاديها، وهذا متوقع الحدوث وبنسبة كبيرة، وخاصة أن هذا الرئيس يتصور أنه اللاعب الوحيد في المنطقة ويستطيع أن يفرض إرادته على القوى الدولية والإقليمة، ليس هناك شك بأن خير المعلمين هو التاريخ، وخير المؤدبين هو التاريخ، لذلك فإن كل ما ينتظره بالتأكيد العالم ليس انتصاراً تركيا، فما ينتظره العالم هو الكيفية التي سوف يسقط بها هذا الرئيس في معترك السياسة، وإلا سيستمر الشعب التركي بدفع الثمن بلا شك وهذا مالا يريده لهم أصدقاؤهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة