بما أن أردوغان عازم على عدم التعلم من دروس الماضي، وأخطاء الحاضر التي يمارسها، وأوهام المستقبل التي لن يحققها.
الأخبار القادمة من شرقي البحر الأبيض المتوسط خلال الأيام الماضية ترسم معالم مغامرة جديدة للرئيس التركي أردوغان، ولأن المغامرة المرتبطة بالتدخلات والتهديدات التركية للجارة الغربية اليونان، فإن الاتحاد الأوربي معنيٌ بالمسألة ويدرس كل الخيارات للرد على تركيا.
وكون الخلاف التركي اليوناني يعتبر خلافاً تقليدياً وقديماً وله جذور تمتد نحو عدد كبير من المجالات الحدودية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية، فلابد من التوقف عند سؤال يطرحه الكثيرون هذه الأيام ومفاده، لماذا يسارع أردوغان لخلق كل تلك المشاكل وفي مختلف الاتجاهات ؟
والجواب الذي يتضمن محاور متقاربة، تختصره كلمة واحدة يقولها الأتراك الآن، ساسة وشعبا ممن يناهضون السياسة الخاصة بأردوغان: الرئيس التركي غارق في بحر أزمات انتخابية وشعبية واقتصادية وسياسية داخلياً، ويحاول الهروب إلى الأمام بغية حرف الأنظار عن طبيعة الانهيار الحاصل في بلاده.
والميزة السلبية التي يوصف بها أردوغان، أن الشعب التركي لفظه وتبرأ منه نتيجة المعاناة التي تسبب بها له، والعزف من قبل جوقة أردوغان على ما يسمونه العداء التركي لليونان، يقابله عزوف شعبي وإعلامي وحتى سياسي عن سماع هذه المعزوفة المعروفة الأردوغانية المملة.
فاليونان وكذلك قبرص دولتان تنتميان إلى الأسرة الأوربية، وخلق المشكلات معهما سيرتد بالسوء على تركيا الدولة وتركيا المجتمع، لأن النظام الأوروبي موحد إلى درجة كبيرة حيال مثل هذه المستجدات والتطورات، والعواقب ستكون وخيمة على أنقرة بحسب تصريحات وتلميحات زعماء القارة العجوز.
ونال بحر إيجه قصب السبق في الماضي، إذا ما تم استعراض الخلاف التاريخي بين تركيا واليونان، وجاءت قضية قبرص منتصف القرن المنصرم لتزيد من سوء طين العلاقات بين البلدين بلةً، ونشبت بين الجانبين حروب كانت أرض الجزيرة القبرصية مسرحاً لها، لكن أزمة شرقي البحر الأبيض المتوسط الراهنة لها أبعاد أخرى مختلفة.
البعد القانوني تحديداً هنا، يعتبر شاهداً على كل ما ذكر، فالمعاهدات ذات الصلة ليست في مصلحة تركيا، وبنود تلك الاتفاقيات العالمية تعزز أيضاً من قدرة اليونان على طرح القضية وبقوة في المحافل الدولية، ولهذا وقف وزير الخارجية اليوناني على أرضية موق قانوني صلب وهو يخاطب الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك قبل أيام.
ولن نُغفلَ الحديث عن النكبة الاقتصادية التي يعايشها المواطنون الأتراك اليوم، والتي لايمكن وصفها أبداً بأنها سحابة صيف، فالخناق يضيق عليهم ووصل إلى لقمة العيش، ومعدلات البطالة المتزايدة وسوء الإدارة للملف الاقتصادي أصبحت حديث المؤشرات الأممية الخاصة بتركيا وتقارير المنظمات الدولية المختصة.
والحرب التي ينشدها أردوغان مع اليونان، تعتمد على تزييف الأقوال وتزوير الحقائق، حتى وصل الحال بإعلام الإخوان الذي يوالي أردوغان أن يتحدث عن حرب بين المسلمين والكفار، عن صراع بين الهلال والصليب، وتلك أمور عفا عليها الدهر، ومفضوح من يتكلم عنها، وتشرح كنه التطرف الإخوانية والأردوغاني على حد سواء، داخل تركيا وخارجها.
وبما أن أردوغان عازم على عدم التعلم من دروس الماضي وأخطاء الحاضر التي يمارسها، وأوهام المستقبل التي لن يحققها، فإن استعادة أجواء الثقة معه أصبحت أمراً مستحيلاً بحسب تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، وردعه أمر يتحتم على الجميع المشاركة فيه وعدم المساومة عليه كما يقول رئيس قبرص.
ليبقى بعد هذا كله، فشل أردوغان الداخلي هو المعيار الرئيسي لرحيله عن عالم الحكم والسياسة في تركيا والمنطقة، فإشعال فتيل الحروب والاضطرابات في شرق أوروبا أو غرب ليبيا أو شمال العراق وسوريا وحتى بين أذربيجان وأرمينيا أمور لم تعد تنفع الرئيس التركي، وباتت وبالاً عليه وعلى حزبه الذي يزداد التصدع في صفوفه كل يوم .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة