مائدة "شم النسيم".. طقس مصري فرعوني عمره آلاف السنين
الأطعمة نفسها التي يتم تناولها في شم النسيم اليوم هي الأطعمة نفسها التي تناولها الفراعنة لكن الفارق أنها قديماً كانت تحمل مغزى دينياً.
تختلف مائدة شم النسيم عن أي مائدة أخرى، فهذا العيد يمثل طقسا مختلفا لدى المصريين وترجع مائدته في معظمها إلى معتقدات وطقوس فرعونية قديمة تمسّك بها المصريون عبر آلاف السنين حتى يومنا هذا.
الباحثة في علم الفولكلور، الدكتورة عائشة شكر، توضح أن مائدة شم النسيم ما زالت تجذب المصريين، ويتم الإعداد لها قبل العيد بأيام، موضحة أن المائدة تختلف من محافظة لأخرى.
الأطعمة نفسها التي نتناولها اليوم هي الأطعمة نفسها التي تناولوها قديما، لكن الفارق أنها قديما كانت تحمل مغزى دينيا، وعندما اختلفت العقائد وصار المصريون يدينون بالرسالات السماوية احتفظوا بها وحافظوا عليها.
المحشي والبط
وتقول: "في الريف يفضلون تناول المحشي بأنواعه المختلفة مع البط أو الديك الرومي، أما في القاهرة والجيزة فيفضلون تناول الأسماك المملحة والبصل، وفي المدن الساحلية تناول الأسماك بأنواعها".
كان وما زال شم النسيم عيدا قوميا لجموع المصريين على اختلاف عقائدهم، احتفلوا به معا رغم اختلاف عباداتهم وآلهتهم قديما، كما يحتفل به المصريون اليوم رغم اختلاف عقائدهم.
وترجع بداية الاحتفال بشم النسيم إلى ما يقرب من 5 آلاف عام، أي نحو عام (2700 ق.م)، وبالتحديد أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية، ويحتفل به الشعب المصري حتى الآن.
الشاي والمرمرية
وتوضح "شكر" أن مائدة شم النسيم في المحافظات المختلفة ارتبطت بالبيئة، ففي العريش اعتادوا الخروج على الشواطئ للاستحمام والخروج قبل شروق الشمس وشرب الشاي والمرمرية - وهو نبات يشبه النعناع - ويتم الاحتفال يوم الأربعاء وليس الإثنين، ويسمى "عرعر أيوب"، ويعتقدون أنه اليوم الذي شُفي فيه نبي الله أيوب.
الأسماك والفسيخ
وتضيف: "منذ بداية الاحتفال بشم النسيم والفسيخ من أهم ما يتناوله المصريون في هذا اليوم، فهو من الأسماك التي يحملها نهر النيل المقدس، وكان المصريون يعتقدون أن أكل السمك المملح مفيد في وقت معين في السنة، وأنه يقي من حميات الربيع".
وفي جنوب مصر حيث الصعيد، يتناول المصريون هناك الملوحة، وقبل بناء السد كانوا يصنعون العرائس ويلقونها في النيل قرباناً إلى الآلهة.
البصل والخس
أما البصل فقد كان - كما أوضحت الدكتورة عائشة - يشفي من الأمراض ويطرد الأرواح الشريرة، حسب عقيدة المصريين، لذلك كان يعلق كحزم على مداخل المنازل، كما يفعل المصريون حتى وقتنا هذا في شرفات بيوتهم.
ولأنه عيد الخلق فكان للخس مكانة مميزة في هذا اليوم، حيث كان النبات المقدس للإله "مين" إله الخصوبة والتناسل، وقد أثبتت التجارب العلمية اليوم أن زيت الخس ينشط القدرة الجنسية.
وكان المصريون يعتبرون أن نضج ثمرة "الحمص الأخضر" وامتلاءها هو إعلان عن قدوم الربيع، ومن هنا سميت ثمرة "الملانة"، في إشارة إلى الامتلاء.
الفطير
أما في محافظة الدقهلية، بدلتا مصر في الشمال، فيفضلون تناول اللحوم البيضاء والفطير.
ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاحتفال بشم النسيم ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفا في مدينة هليوبوليس "أون".
البيض الملون
وترى عائشة شكر أن البيض الملون فرض نفسه على مائدة شم النسيم، وانتقل إلى معظم أنحاء العالم حتى أطلق عليه الغربيون "بيضة الشرق". وقالت إن البيضة هي رمز الخلق في نظرية الخلق عند القدماء المصريين، ويتم تلوينه وزخرفته في الأصل في ليلة الرؤية.
وكان المصريون ينقشون على البيض قديما دعواتهم للإله وأمنياتهم، ثم يضعونه في سبت، ويعلقونه في الأشجار، حتى إذا أشرق رع (إله الشمس) يوم شم النسيم يتلقى الدعوات والأمنيات ويحققها لأبنائه المصريين.