مرة جديدة يضرب الإرهاب الأعمى مصر وإن كانت ضربته الأخيرة جاءت لتعكس حالة من عدم المقدرة على اختراق ركائز الأمن المصري
مرة جديدة يضرب الإرهاب الأعمى مصر، وإن كانت ضربته الأخيرة جاءت لتعكس حالة من عدم المقدرة على اختراق ركائز الأمن المصري، الذي يقوم بجهود جبارة لملاحقة العناصر الإرهابية في داخل حدود القطر المصري، ولهذا جاء الهدف متحركاً عبر عبوة ناسفه أو مخبأة بمعرفة أحد عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، في غالب الأمر.
لم تمض دقائق على إعلان الداخلية المصرية إلا وكانت وسائل الإعلام القطرية صحافة وإذاعة وتلفزة ومواقع تابعة وسوشيال ميديا تنقل خبراً واحداً بالنص، وكأنه توزيع إدارة الإعلام في زمن جوبلز النازي.. "الأمن المصري يقتل 40 مواطناً معارضاً" هكذا قالت قطر، ومتن الخبر يحوي أفعالاً تشكيكية من عينة "زعمت وادعت".يستلفت النظر في هذا الإطار بعض المشاهد المثيرة، منها ما يتصل بالداخل المصري ومنها ما هو موصول بالإقليم المشتعل وأصابع الشر فيه، لا سيما من قبل قطر وإعلامها الكاذب والفاجر بشكل غير معقول ولا مقبول، ناهيك عن السياقات الدولية للإرهاب والرعاة الأمميين له.
لتكن البداية قبل الدخول في عمق المشهد المصري من خلال نظرة أوسع على الإرهاب حول العالم، لا سيما ونحن على عتبات عام جديد فقد تغيرت الهيراركية التقليدية، حيث كان من اليسير متابعة الخلايا العنقودية للإرهاب، كما الحال في تنظيم القاعدة على سبيل المثال، لكن الوضع السابق قد تغير، وأحد أفضل المفكرين الذين يوضحون مآل الإرهاب في الوقت الحاضر وطريقة تفكيره "ألكسندر لاكروا"، الكاتب والصحفي والروائي الفرنسي، والذي يشغل منصب مدير تحرير موقع مجلة الفلسفة في باريس.
يطلق لاكروا على أنساق الإرهاب القديمة وصف الشركة الصغيرة التي كانت تدار بمفهوم تقليدي، كما الحال مع القاعدة حين خططت ونسقت لضرب نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/آيلول 2001.
لكن واقع الحال ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين يشير إلى اندثار ذلك النسق، وظهور فكر "الذئاب المنفردة"، ويدلل على صدقية حديثه بتصريحات "أبي محمد العدناني" المتحدث باسم داعش لمريديه حول العالم، حين أرشد تابعيه إلى أنهم "إن لم يتمكنوا من تفجير قنبلة أو إطلاق رصاصة فإنه يمكن للإرهابيين الذين يدورون في فلكه أن يضربوا رؤوس من وصفهم بالكفار من الإنجليز والفرنسيين والأمريكيين بالحجارة أو طعنهم بخنجر أو دهسهم بسيارة ".
في هذا السياق يضحى من الصعب بمكان حتى على أقوى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية حول العالم كشف ما ينتويه أحد هؤلاء، ذلك أن زمان محاكم التفتيش في العقول والضمائر قد ولى، وهذا ما أثبتته عمليات إرهابية عدة لأفراد لم تكن لهم سجلات جنائية أو إرهابية يمكن متابعتها.
حدث ذلك في الداخل الأمريكي، كما ضرب في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من مدن أوروبا، وحتى المدن الروسية بدورها لم تنجُ من ذلك الإرهاب الجديد.
حادثة أتوبيس الهرم تلفت الانتباه إلى النوايا الشريرة التي تحملها جماعات الإرهاب غير المعروفة عناصرها بالنسبة لمصر في هذه الأيام، لا سيما أن البلاد تستعد لاحتفالات أعياد الميلاد حسب التقويم القبطي، عطفا على استقبال عام ميلادي جديد، وجميعها تأتي على مقربة من إجازة منتصف العام الدراسي، وفي أوج استعادة مصر لحركة السياحة الخارجية، وليس أجمل من شمس مصر الدافئة ولا أثمن من كنوزها التاريخية ومعابدها ونيلها من متعة للناظرين من السائحين والمقيمين، وهنا يضحى السؤال "هل هي المؤامرة المستمرة ضد مصر في ثوبها الجديد؟".
مرة أخرى نكرر أننا لسنا من أنصار نظرية المؤامرة العاطفية، لكن شيء ما في تاريخ مصر الحديث يستدعي أن نتوقف أمامه بهدوء، لا سيما أنه كلما يقدر لمصر نهضة حديثة نجد هناك ضربات ومواجهات تسعى إلى إجهاضها كي تبقى مصر في حالة وسطية بين الموت والحياة، فهم لا يريدون لها أن تقوى ويشتد عودها وتزهر أوديتها وصحاريها، ولا يقووا على سقوط مصر لأنهم يعرفون قدرها وقيمتها كصمام للأمان في شرق أوسط ملتهب وبالقرب من أوروبا المهددة بالمهاجرين واللاجئين القادرين على إغراقها بطوفان بشري لتسقط من جديد كما أسقطها القوط في القرن الخامس الميلادي.
حدث ذلك في زمن محمد علي الذي تحطمت تجربته في حربه مع اليونان، وإنهاكه عسكريا بعد أن تكسر أسطوله وتشتت قواه، وتكرر الأمر مع رجالات مصر في الفترة الليبرالية، فكانت الوقيعة بينهم وبين القصر لتبقى مصر منشغلة بصراعات داخلية عن ارتقائها سلالم المجد.
وحين جاء عبدالناصر بمشروعه الاجتماعي والاشتراكي للدولة ذاك الذي مكنه من بناء قطاع عام وبنية تحتية أغنته عن معونات ومساعدات الخارج، وبدأت مصر في ريادة وسيادة في الداخل والخارج وعلا نجمها في عالم دول عدم الانحياز، كان الصراع المصري الإسرائيلي ومعركة 67 خلف الباب تشتهي أن تتسيد على الجميع، وهو ما قد كان، وأدى إلى تأخر نجاح المشروع النهضوي المصري عقودا طوالا.
هل يكرر التاريخ نفسه مع مشروع الرئيس السيسي لإقامة مصر كدولة عصرية تحقق إنجازات حقيقية على الأرض بعد أن تخلصت من طغيان عصابة الإخوان؟
شيء ما يستدعي الربط بين نهضة مصر الآنية والإرهاب الذي أصابها منذ الثلاثين من يونيو 2013، حين طرد المصريون جماعة الإخوان، ولا تزال أجهزة الإعلام الدولية تحتفظ بتسجيلات لمحمد البلتاجي العضو النافذ في جماعة الإخوان وهو ينذر ويحذر ويربط بين توقف الإرهاب في سيناء في التو، واللحظة التي يعلن فيها السيسي الرجوع عما أسماه رجل الإخوان "الانقلاب".
في أعقاب حادث الهرم الإرهابي كانت قوات الأمن المصرية تقوم بمهامها التقليدية الوطنية في مطاردة الإرهاب والإرهابيين في عدد من محافظات مصر، ما بين القاهرة ومنطقة السادس من أكتوبر والعريش شمال سيناء، الأمر الذي نتج عنه مقتل 40 مسلحاً إرهابياً وضبط كميات من الأسلحة النارية والذخائر مختلفة الأعيرة، وعبوات ناسفة كانت معدة لإحداث سلسلة من الهجمات ضد مؤسسات الدولة، والمرافق السياسية، والكنائس القبطية في زمن الأعياد.
والشاهد أنه لم تمض دقائق على إعلان الداخلية المصرية إلا وكانت وسائل الإعلام القطرية صحافة وإذاعة وتلفزة ومواقع تابعة وسوشيال ميديا تنقل خبراً واحداً بالنص، وكأنه توزيع إدارة الإعلام في زمن جوبلز النازي.. "الأمن المصري يقتل 40 مواطناً معارضاً" هكذا قالت قطر، ومتن الخبر يحوي أفعالاً تشكيكية من عينة "زعمت وادعت وقالت"، بالإضافة إلى استدعاء أرقام لا تمت للحقيقة بصلة من جمعيات تدعي الحقوقية، ولا تجرؤ أن تشير لما يجري في داخل قطر، ولو بسطر واحد في تقاريرها المدفوعة مقدماً.
حين أشار الأستاذ أحمد الجار الله، رئيس تحرير صحيفة السياسية الكويتية، قبل أيام إلى أن الأزمة الخليجية بسبب قطر سوف تطول، فقد كان للرجل في الحق ألف حق، إذ أن الدوحة مستمرة في استخدام الإعلام ضد المنطقة العربية، وهو سلاح وإن كان أقل تكلفة من الصواريخ والدبابات والطائرات المقاتلة إلا أن فعله خطير في تمزيق النسيج الاجتماعي لأي دولة.
ستتجاوز مصر الإرهاب وتطأه بقدميها، وستبقى أكاذيب قطر موردها للتهلكة في الحال والاستقبال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة