هل أسهمت "المدارس المجتمعية" في الحد من الأمية؟.. "العين الإخبارية" تجيب على السؤال الصعب
قبل 31 عاما أنشأت الحكومة المصرية ما يعرف باسم "مدارس التعليم المجتمعي"، لدعم حصول الأطفال الأكثر حرمانا وتهميشا على فرصة تعليم حقيقية.
التجربة الجديدة التي دشنتها مصر جاءت بالتعاون مع منظمات دولية مثل "يونيسف"، ومؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها "مصر الخير"، بهدف اعتماد وتوسيع نطاق نموذج التعليم المجتمعي.
التعليم المجتمعي هو الأنشطة التعليمية التي تستهدف تحسين جودة التعليم وتنفذ من خلال شراكة فعالة وإيجابية من المجتمع ومؤسساته، لضمان استمرارية هذه الأنشطة، فضلا عن تضافر الجهود الأهلية مع الحكومية لتقديم تدخلات ومساهمات عينية وغير عينية لإحداث تحسين في جودة العملية التعليمية .
ويتيح التعليم المجتمعي الفرصة للطلاب المتسربين من التعليم أو ممن لم يلتحقوا به من سن 6 إلى 14 عاما، على أن تكون الدراسة مجانية تماما لا رسوم للدراسة أو الكتب الدراسية.
"العين الإخبارية" تسلط الضوء على مدارس التعليم المجتمعي بعد مرور 3 عقود على بدء التجربة، وتنقل رؤية وتقييم خبراء تربويين للتجربة.
دور فعال للمدارس المجتمعية في مصر
الخبيرة التربوية الدكتورة هبة الصباحي، قدمت نبذة مختصرة عن المدارس المجتمعية، التي رأت أن دورها فعال للغاية وتحتاج إلى الدعم للاستمرار.
وقالت الصباحي لـ"العين الإخبارية"، إن المدارس المجتمعية أنشئت في مصر عام 1992 بهدف القضاء على التسرب من التعليم الذي ظهر في البلاد آنذاك نتيجة سببين لا ثالث لهما.
وشرحت الخبيرة التربوية : "بعد إجراء الأبحاث على الظاهرة تبين أنها تحدث إما بسبب اقتصادي حيث يكلف التعليم الأسر الفقيرة ماديا ما يدفعهم للإحجام عن تعليمه وإرساله للعمل لكسب المال، والسبب الثاني هو بُعد المسافة بين المدرسة الحكومية والمنطقة التي يقطن فيها الطالب وغالبا تكون نائية جغرافيا، فيمنع الأهالي أطفالهم من التعليم".
وأوضحت عضو لجنة المرأة للشراكة الأورومتوسطية ومؤسسة مبادرة "علمك وطنك"، أن الحكومة أنشأت هذه المدارس في المناطق النائية والتي تشهد نسب تسرب من التعليم مرتفعة، وتكون عبارة عن فصل أو اثنين أو ثالث بحيث ينضم التلاميذ لها على شكل دفعات.
وأضافت: "يبدأ ضم الأطفال من سن 6 سنوات حتى 14 عاما، ويدرس لهم معلمتان تكونان على درجة عالية من التدريب على استخدام استراتيجية (التعليم التعاوني النشط)، وتمتلكان آليات قوية للتحكم في الفصل المختلف عمريا؛ لإيصال المعلومة للجميع باختلاف درجات استيعابهم ومهاراتهم".
وتابعت: "يدرس الطلاب منهجا مختلفا مبسطا معدا خصيصا لهذه المدارس، التي تعتمد على المعلم المدرب باستخدام جميع الوسائل التعليمية لاحتواء الطالب سلوكيا، بحيث ينشئ علاقة آمنة مع التلميذ، وبالتالي يصبح فهم الأخير أكثر سرعة".
وأكملت: "أيضا تعتمد هذه المدارس على النشاط وإعداد مشاريع تخرج، لأن هؤلاء الأولاد يتسمون بتعدد مهاراتهم، فضلا عن رغبة القائمين على هذه المدارس في تنمية وبناء الإنسان، وكل هذا يساعد الطلاب على التعبير عن أفكارهم بأمان وسهولة".
الخبيرة التربوية سلطت الضوء على جهود وزارة التربية والتعليم المصرية في هذا الإطار، موضحة أنها أنشأت قطاعا داخل الوزارة باسم "الإدارة المركزية لمكافحة التسرب التعليمي"، وهي إدارة قائمة على الاهتمام ومتابعة المدارس المجتمعية، وإعطاء مساحة أكبر للأنشطة باستخدام وسائل جذابة، وبالتالي انعكس هذا على أداء هذه المدارس وطلابها.
وأشارت الصباحي إلى دور المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في دعم هذا المشروع التعليمي والتربوي المهم، موضحة أن تكفلها بكل ما يتعلق بالطالب من أكل وملابس وكتب وغيرها ساعد على نجاح التجربة، لأن ولي الأمر لم يتحمل أي أعباء مادية ما سهل من استمرارية ذهاب الأطفال للتعلم.
الفتيات أكثر إقبالا على المدارس المجتمعية
الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية في مصر، رأت أن هناك نسبة إقبال جيدة على الانضمام للمدارس المجتمعية خاصة من الفتيات، حيث يكن أكثر انتظاما من الذكور للعديد من الأسباب.
وقالت عبدالرؤوف، لـ"العين الإخبارية"، إن من أهم مزايا هذه المدارس أنها تكون قريبة من المنطقة السكنية، وتتسم بتوفير الأمان لمرتاديها، لذا يأمن الأهالي على إرسال بناتهم، لكن الأطفال الذكور للأسف لا يذهبون غالبا لأن أهاليهم في حاجة إلى تشغيلهم بحثا عن المال.
ورأت الخبيرة التربوية، التي اضطلعت بمهمة الإشراف على إحدى المناطق الريفية في مصر، أن نجاح هذه المدارس يعتمد على استمرارية وجود دعم مادي يخصص لها، كما أن نجاح التجربة نسبي يختلف من إدارة لأخرى ومن محافظة لأخرى، ويتوقف على أمانة الإداريين المشرفين عليها.
وتابعت: "هذه المدارس كفكرة رائعة لأن الكثير من الأهالي يرفضون إرسال أبنائهم، تحديدا الفتيات، في سن صغيرة إلى المدارس الحكومية لبعد المسافة أو عدم القدرة المادية على تحمل تكاليف التعليم، ومع إنشاء فصول تعليمية قريبة من أماكنهم وتحمل التكلفة المادية سهل عليهم تعليم صغارهم".
المدارس المجتمعية ومحو الأمية الأبجدية وظيفيا
الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوي وأستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، رأى أن الهدف الأساسي من مدارس التعليم المجتمعي هو محو الأمية الأبجدية وظيفيا في الأماكن الفقيرة والنائية، خاصة للفتيات اللاتي يخضعن لقيود عائلية وتقاليد جافة.
وقال شحاتة لـ"العين الإخبارية"، إن الأمية الأبجدية لها مصدران، الأول عدم الاستيعاب الكامل لكل الأطفال الملزمين ببدء التعليم (6 سنوات)، خاصة في الريف والقرى والنجوع والأماكن النائية، وتشغيلهم كمصادر إنتاج للأسر الفقيرة في مصر، والثاني هو عدم جودة المناهج الدراسية في مرحلة التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي)، وهذا أدى إلى تسرب التلاميذ من التعليم.
وتابع: "هذان المصدران يتسببان في حدوث ما أسميه (الأمية العدو) التي ندفع مبالغ طائلة في محاربتها بعد ذلك عبر الهيئة القومية لمحو الأمية، وبالتالي من الأولى تسخير ما ينفق على هذه الهيئة في استيعاب التلاميذ في المرحلة الابتدائية وتحسين المناهج".
ورأى الخبير التربوي أن مدارس التعليم المجتمعي مهمة في الأماكن التي ينخفض فيها تعليم الفتيات تحديدا، حيث تساعد المنضمين إليها في اكتساب حرفة وبالتالي يرتبط محو الأمية الوظيفية بالأمية المهنية.
وبالنسبة لتقييم نتائج هذه المدارس، قال شحاتة: "لا يمكن حساب نتاج هذه المدارس بطريقة موضوعية، لأن من يعد النتائج هم القائمون على عملية محو الأمية، وبالتالي لابد من وجود جهة محايدة تحكم على نجاح التجربة من عدمه، مثل الهيئة القومية للجودة والاعتماد".
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز