كل موظف أو عامل هو جزء من منظومة وبيئة يعمل بها ويتفاعل معها، ولكل وظيفة نظام عمل مختلف.
وتتكون هذه البيئة من العوامل الإدارية والفنية والاجتماعية المحيطة بالموظف، وتؤثر هذه البيئة في الموظف تأثيرا كبيرا بالسلب أو بالإيجاب، حسب طبيعتها.
وقد أظهرت الدراسات المهتمة بعلم الإدارة أن هناك أنواعا من بيئة العمل، مثل بيئة العمل الفعالة والمنتجة وبيئة العمل السامة والطاردة للكفاءات.
وبالنظر في محددات بيئة العمل الفعالة والمنتجة نجد أنها تعتمد بشكل أساسي على الاستثمار في البشر، لأنه مهما بلغ التطور التكنولوجي لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري في العملية الإنتاجية.. فيما يتمثل هذا الاستثمار في تدريب القوى العاملة ورفع كفاءتها باستمرار وبناء ولاء خاص للشركة من قبل الموظف، وتقييم الموظفين لمعرفة مواطن القوة والضعف لديهم والعمل على الارتقاء بمستواهم المهني.
ومن المحددات أيضا لهذه البيئة توفير الظروف المناسبة للعمال، من حيث المكان الآدمي والمقابل المادي والتقدير المستمر على ما ينجزه، وإشراك الموظفين في صنع القرارات التي تخصهم، ولعل من أبرز هذه البيئات هو ما تطبقه شركة "جوجل" مع موظفيها، فهي تعد من أفضل بيئات العمل حول العالم.
وعلى النقيض، توجد –وبكثرة- بيئة العمل السامة والطاردة للكفاءات، وهي بيئة لا تحترم الموظف وتعتبره آلة منتجة فقط، نضع لها أهدافا ومهام شهرية أو سنوية لكي تتحقق، وغالبا يكون تحقيق هذه الأهداف شبه مستحيل، ما يجعل الموظف يدور في ساقية لإنجازها ولا يمتلك أي وقت لتطوير ذاته ولا تقدم له الشركة أي دورات تدريب في هذا الصدد.
هذا لا يعني عدم تكليف الموظف بإنجاز أهداف بعينها، ولكن يجب أن تكون هذه الأهداف مدروسة وواقعية، وتتيح له فرصة التقدم والتطوير الذاتي.
ومن أبرز سمات هذه البيئة أيضا عدم احترام الشركة لأوقات العمل، وتعتقد بعض الشركات أنه طالما أنت موظف لديها، فإنها تمتلك الحق في طلب مهام منك وقتما تشاء، وهي تغض الطرف عن أهمية التوازن بين الحياة العملية والاجتماعية.
وتتميز بيئة العمل هذه بالغموض والكتمان في رؤية وأهداف الشركة وكيفية تطبيقها ويرجع ذلك لضعف التواصل في الهيكل المؤسسي، فلمعرفة معلومات حول مشروع ما تعمل عليه يتطلب الكثير من الموافقات!
وتغلب على بيئة العمل السامة فكر التحزبات على حسب القرب والبعد من دائرة الإدارة العاليا، إذ تكون من الفائزين إذا كنت في الحزب المقرب من تلك الدائرة.
ويترتب على مثل هذه المسالك زيادة معدل الاستقالات رغم أن قرار ترك العمل من أصعب القرارات المصيرية للموظف.. فاعلم إذا رأيت شركة ما معدل استقالاتها يرتفع فبالتأكيد هي بيئة سامة، ويعود ذلك بضرر كبير على الشركة لأنها ستخسر أغلب الكفاءات بها مع أول فرصة مناسبة يحصلون عليها، وخسارة هذه الكفاءات يسبب ضررا لأي شركة، لأنها لكي تعوض هؤلاء الأشخاص ستحتاج إلى مزيد من الوقت والبحث لإيجاد بديل أو تضطر إلى تعيين عدد أكبر من الموظفين الأقل كفاءة لسد الفراغ الوظيفي، ويكون ذلك عبئا ماديا على الشركة.
وطبقا لبعض الدراسات الحديثة القائمة على مراجعات لموظفين وعمال على موقع Glassdoor الأمريكي، أنه في حالات كثيرة لا يكون الراتب هو الدافع الرئيسي لمغادرة الموظفين مواقعهم، وإنما بيئة العمل السامة والإدارة المتعسفة، فهناك كثير من الكفاءات ترفض مغادرة مناصبها لأخرى بمرتبات أعلى، وذلك لأنها تتمتع فيها بتقدير وتسلسل وظيفي متوقع وبيئة عمل مريحة تسمح لهم بالتوازن في الحياة، وذلك ما يسميه البعض "الولاء الكامل للشركة"، لذا وجب على الشركات الاهتمام بموظفيها قدر الإمكان، لأنهم ثروتها الحقيقية، وقوة إنتاجها وتنافسيتها في السوق تتوقف عليهم، لكي تصير العلاقة بين المؤسسة والموظف صحية وسليمة في ظل معايير بيئة عمل تدعو للإنتاج لا للهرب من المسؤوليات والشعور بالعبء النفسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة