صناعة الترفيه العالمية تمضي بسرعة 800 جيجابت بالثانية.. ماذا عن العرب؟
شركة تكنولوجيا الاتصالات والخدمات "إريكسون" ترجح أن يشاهد 10% فقط من الناس التلفزيون على شاشة تقليدية بحلول عام 2020
تمضي صناعة الترفيه في الوطن العربي بلا أفق واضح ولا خطط استراتيجية طويلة الأمد، إذ يشير الحراك الإنتاجي، من ناحية الحجم والنوع، إلى أن صناع الدراما اليوم يعملون بمعزل عما يجري في العالم حولهم، غير مدركين للتحول الرقمي السريع الذي تشهده وسائل الإعلام والترفيه، وما يترافق مع ذلك من تغيير في سلوك المشاهدة وطريقة تقديم المحتوى، وتوقعات المستهلكين بهذا الخصوص.
- تقرير أمريكي: الصين في طريقها لتكون عاصمة الترفيه في العالم
- فوربس: جزيرة ياس بأبوظبي تعيد رسم خارطة السياحة الترفيهية
وبحلول العام 2019، من المتوقع أن تصل ملكية الهواتف الذكية العالمية إلى 4.6 مليار، ووفقا لشركة PwC، ليكون لدى أكثر من ثلثي سكان العالم اشتراك في خدمة الإنترنت عبر الهاتف النقال بحلول العام 2023، وبدورها ترجح شركة تكنولوجيا الاتصالات والخدمات "إريكسون" أن يشاهد 10% فقط من الناس التلفزيون على شاشة تقليدية بحلول عام 2020، بعد أن وجدت في دراسة أجرتها أن نحو 70% من المستهلكين يشاهدون التلفزيون والفيديو على هاتف ذكي، وبحسب إريكسون، فهذه النسبة تعد ضعف ما كانت عليه قبل 5 سنوات فقط.
النسب السابقة ورغم ضخامتها من المرجح أن تتغير خلال وقت قصير وعلى نحو مذهل، مع انتشار خدمة الجيل الـ5 لشبكات الخليوي 5G على نطاق واسع، بعد أن تمكنت مجموعة من شركات صناعة الهواتف الذكية من تطوير هواتف تدعم شبكات الجيل الـ5.
ومن المحتمل أن تصل سرعة الإنترنت عبر شبكات 5G إلى 800 جيجابت في الثانية، وفق ما تؤكده مصادر إعلامية تكنولوجية متقاطعة، أشارت إلى هذا المعدل من السرعة سيتيح لعشاق الترفيه إمكانية تنزيل 33 فيلماً عالي الوضوح في ثانية واحدة فقط، أي أننا مع انتشار شبكات 5G في العالم وبلوغها تلك القدرات فائقة التصور، سنكون على موعد مع أساليب جديدة ومبتكرة في صناعة الترفيه، قد تتجاوز بكثير ما نعتقد اليوم أنه متقدم وفريد وغريب.
عصر الشاشات الصغيرة
إزاء كل هذه الحقائق والخطوات العالمية المتسارعة لمواكبة هذا التطور الدراماتيكي، لا معلومات كثيرة بين أيدينا تؤكد أن ساحات صناعة الترفيه العربية، معظمها لا كلها، معنية بامتلاك التكنولوجيا المناسبة، للتعامل مع هيمنة الحلول الرقمية والبث المباشر في صناعة وسائط الترفيه، وصولاً إلى تقديم محتوى يساير هذا التحول الموعود في سلوك المستهلكين وتجارب تقديم خدمات الترفيه.
الكلام على هذا النحو لا يعني أننا نتجاهل وجود محاولات عربية خجولة قدمت على صعيد إنتاج محتوى درامي مخصص للبث عبر الإنترنت، ولا يمكن بكل الأحوال إسقاط المنصات الرقمية التي سارعت لإنشائها محطات التلفزيون الكبرى، رغم ما تطرحه سياساتها في بناء المحتوى من إشارات استفهام، كما تجدر الإشارة أيضاً إلى الجهود التي يبذلها البعض في شركات الكبرى وحرصه على الاستفادة من قوة حضور منصات خدمة بث الترفيه عبر الإنترنت في الساحة العربية، ومنها على سبيل المثال اتفاقيتا الشراكة التي عقدتها مطلع العام الجاري مجموعة MBC وشبكة OSN، على حدة، مع منصة عملاق بث الترفيه عبر الإنترنت في العالم "نتفلكس"، في إطار رغبة هذا الأخير في التوسع في آسيا.
إلا ما أنجز عربياً في هذا الاتجاه يبقى في النهاية متواضعاً، وهو مجرد تجارب فردية، حتى لو كانت تجرى في كنف مؤسسات كبرى، وبالتالي يبقى السواد الأعظم من دوائر صناعة الترفيه العربي، منشغلاً بتلبية متطلبات شاشات السينما والتلفزيون، ولم ينتبه إلى أن الشاشات التقليدية مهددة خلال سنوات بالاندثار إلى حد كبير، وأنها حتى لو استمرت ستكون الحلقة الأضعف في منصات الترفيه، وعليه لا بد أن يلحظ العاملون في صناعة الترفيه بالمؤسسات العربية، ضرورة عملهم الخاص بالشاشات التقليدية اليوم، يحتاج أن يرافقه إعداد دؤوب لمحتوى آخر يلبي فنياً بالشكل وأسلوب الطرح والمضامين، اشتراطات العرض على شاشات أصغر بكثير، تفرض نفسها في وقت قريب، وتكون سيدة المشهد الترفيهي، وربما تكون الوحيدة بأيدي المستهلكين.
سيادة الإنترنت
قيادة التكنولوجيا للثورة الرقمية ساهمت في الانتشار السريع لخدمات بث الترفيه عبر الإنترنت، والتي أتاحت لمشتركيها مشاهدة محتوى ضخم من الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية والترفيهية، والتحكم في مكان وتوقيت مشاهدته، من خلال توافرها في الهواتف الذكية والحواسيب وكل الأجهزة المتصلة بالإنترنت بما فيها التلفزيون، ومن أشهر هذه المنصات، Netflix و Amazon" و HBO Go و Hulu و Eros Now، إضافة إلى خدمة Disney+ المتوقع انطلاقتها مطلع العام 2019، أما مشهد خدمات بث الترفيه عبر الإنترنت عربياً فيبرز فيه المنصات الرقمية التابعة للمحطات التلفزيونية الكبرى مثل منصة "شاهد" المجانية و"شاهد بلس" المدفوعة التابعتين لـMBC، وخدمة WAVO المقدمة من OSN، ومنصة Awaan التابعة لمؤسسة دبي للإعلام، وخدمة TV.AE التابعة لشركة أبوظبي للإعلام، إضافة إلى منصات ومشاريع خاصة مثل WatanFlix في سوريا و icflix في الإمارات، وسواها.
وخلال السنوات الأخيرة شهدت المنصات المختصة بتقديم خدمة الترفيه عبر الإنترنت تزايدا في عدد المشتركين، يسهم بدوره في ارتفاع كبير بنسبة نمو تلك المنصات، على نحو يتوقع المتابعون أن تصل عائدات تدفق الفيديو عبرها إلى 70.05 مليار دولار بحلول عام 2021.
ويتسيّد اليوم عملاق البث الأمريكي Netflix مشهد خدمات بث الترفيه عبر الإنترنت، إذ يصل عدد مشتركيه إلى نحو 137 مليونا بجميع أنحاء العالم، وهو رقم استطاع تحقيقه خلال نحو عقد من الزمن، وبنسبة نمو متزايدة، إذ نجح على سبيل المثال خلال الربع الأول من العام الحالي فقط باستقطاب 7.4 مليون مشترك جديد، وفقاً لـCNN، وبزيادة أرباح نسبتها 60% مقارنة بمعدل الأرباح في الفترة ذاتها من العام 2017.
وفي مقال سابق نشرته "العين الإخبارية"، بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعنوان "هواتف الآسيويين نموذجا.. هكذا تبني Netflix إمبراطوريتها"، شرحنا كيف يبني العملاق الأمريكي قاعدة مشتركيه، وفق منحى تطويري تتحكم فيه بيانات المستهلكين ونتائج دراستها، وأوردنا مثالاً على ذلك خطة اشتراك خاصة بمستخدمي الهواتف المحمولة حصراً، تتيح للمشتركين إمكانية تشغيل المحتوى وتنزيله ومشاهدته من دون الاتصال، كانت Netflix أطلقتها مؤخراً بناء على دراسات لها أظهرت أن استخدام الهاتف المحمول في مشاهدة المحتوى الترفيهي أعلى بكثير بين أبناء جيل الألفية من الجيل الذي سبقهم.
واختارت Netflix الأسواق الآسيوية لتكون نقطة انطلاق لمشروعها الجديد ابتداء من الهند وماليزيا، بعد أن أظهرت دراسات بياناتها أيضاً أن ما يقرب من 74% من إجمالي عدد مرات تشغيل الفيديو على الهواتف المحمولة كان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مقابل نحو 55% في أمريكا الشمالية وأوروبا.
لعل غياب المنحى التطويري المرسوم وفق نتائج بيانات المستهلكين، كان السبب في عدم بلوغ المنصات الرقمية العربية معدلات النمو بالنسب ذاتها التي تحققها Netflix وسواها، وهنا نتكلم عن النسب لا الأرقام الأضعف من مقارنتها أساساً بعدد مشتركي تلك المنصات العالمية.
ضعف النمو النسبي، كما أسلفنا، يمكن رده بالغالب إلى سياسة التعامل مع منصات الفيديو العربية، والتي تفتقر إلى كثير من أسباب المنافسة التي تميزها عن سواها، سواء في تقديم محتوى خاص بها أو في شكل تقديمه، نتيجة لغياب دوائر الدراسات الاستراتيجية في تلك المنصات، والتي يفترض أن تدرس بشكل مستمر بيانات المستخدمين، وسلوك المشاهدة عموماً، وتفضيلاتها وصولاً إلى تحسين الخدمة وتوسيع قاعدة مشتركيها.
سباق محموم
اليوم تستمر صناعة الترفيه العالمية حولنا في تحسين مستوى خدماتها وابتكار أساليب في تقديم محتوى يتيح تجارب ترفيه مدهشة لمستخدميها، تعمل مؤسسات تقديم خدمات البث عبر الإنترنت على تحقيق الأفضل في هذا السياق عبر توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعلم الآلي، وتوليد الصور بالحاسوب (CGI) وتجارب الواقع الافتراضي (VR) في محاكاة بيئات خيالية وواقعية وسواها.
وتمضي تلك المؤسسات في مشاريعها التطويرية وهي مسكونة بهاجس المنافسة المحموم، إذ تتقاطع جميعها عند الجمهور المستهدف وطبيعة المحتوى المقدم له وشكل الخدمة القادرة على جذبه، لذلك يسارع الجميع إلى اتخاذ خطوات تضمن تقديم تجارب ترفيه مبتكرة، تعزز العلاقة بينهم وبين مشتركي خدماتهم بما يضمن رفع درجة ولائهم، ومن تلك الخطوات نذكر على سبيل المثال، عمليات الاندماج بين الشركات الكبرى وصفقات الاستحواذ استراتيجية كما هو الحال في الاندماج الأخير الحاصل بين عملاقي هوليوود Disney و Fox المفترض أن تدخل حيز التنفيذ الفعلي مطلع العام 2019 .
أيضاً من الخطوات الهادفة لاستقطاب المشتركين، تطويع المحتوى الذي تقدمه تلك المؤسسات وتنسيقه على نحو يتناسب وعرضه مع شاشات أصغر، وما فعلته Netflix في خدمتها الجديدة على أجهزة المحمول خير مثال على إعادة تنسيق المحتوى.
أما الخطوة الأهم التي لا بد لكل شركة تعمل في خدمة البث عبر الإنترنت أن تنجزها إن كانت ترغب في المنافسة، المسارعة إلى رفع نسبة المحتوى الأصلي الذي تقدمه من أفلام وعروض تلفزيونية أصلية حصرية، لجذب المزيد من المشتركين، وهذا ما تسعى اليوم Disney لتنفيذه في خدمتها الجديدة Disney+، رغم أنها تمتلك إرث 100 عام من المحتوى الترفيهي القادر وحده على جذب المشتركين.
ذلك التحدي الكبير الذي تخوضه شركات خدمة بث الترفيه عبر الإنترنت، لا يمكن أن تظل دوائر صناعة الترفيه العربية بمعزل عنه، ولا بد أن تواجهه انطلاقاً من بحث جدي بشأن كيفية إنشاء تجارب مبتكرة مخصصة للمستهلكين، وهو ما يمكن تحقيقه بالفعل عبر توفير محتوى خاص في نوافذ العرض الموجودة اليوم، والتفكير الجدي بصفقات اندماج كبرى في سوق خدمة الترفيه عبر الإنترنت، تساعد في ضخامة المحتوى وتنوعه وقوته الإنتاجية، وتوسيع قاعدة المشتركين وقنوات التوزيع، مع ضرورة إيجاد مراكز دراسات استراتيجية تعنى بعمليات تطوير المحتوى وشكل تقديمه، استناداً إلى دراسات لتطور سلوك المشاهدة وعادات المستهلكين.
aXA6IDE4LjE4OC4xMy4xMjcg جزيرة ام اند امز