أردوغان بعيد عن أبسط قيم وأخلاق الإسلام في سلوكه اللفظي وفي مظهره، ورغم ذلك يدعي لنفسه أنه النموذج لتنظيمات تنسب نفسها للدين الحنيف
لا تراه في أي مناسبة إلا منتفخاً كبراً وغروراً؛ مثل ديك شركسي يظن نفسه "طاووسا"، لا يقابل أيا من أقرانه أو زائريه إلا وهو يؤدي مشهداً تمثيلياً من تاريخ يعيد إحياء وجه سليم الأول؛ الذي وصفه المؤرخون والرحالة الأوروبيون بالعابس، والمتجهم، والقاسي. وإذا جلس في حضرة أي من ضيوفه، تراه وقد مدد جسده ليملأ الكرسي، فيفتح رجليه، ويمدد ذراعيه على مسندي المقعد، ويفرد ظهره لأعلى وينظر للكاميرا ويتجاهل الضيف. وهو الذي يدعي أنه يقدم نموذجاً لقيم الإسلام ومبادئه، ويتجاهل أبسط تلك القيم التي تنهى عن الكبر والغرور، وتحض على إكرام الضيف والتواضع.
حين تتأمل في مظهر أردوغان لا تجد تفسيرا لحاله الغريب إلا أن تقول: إما أنه يعيش حالة مستمرة من عقد المراهقة، دفعته لأن يهرب من واقعه ليحيا في سحائب أحلام اليقظة، التي قادته إلى قصور السلاطين، فظن أنه منهم، وإما أنه كان عاشقاً لمهنة التمثيل، فاختار دوراً يعاكس حاله ووضاعة تاريخه؛ فقرر أن يمثل دور السلطان، ثم فقد الذاكرة، ونسي من يكون، وعاش في الدور المسرحي، وظن أنه هو الأصل والحقيقة والواقع.. والأقرب إلى الحقيقة أنه شخص يعاني من عقد الطفولة، ويحاول أن يهرب منها بأي ثمن، فقد كان لنشأته المتواضعة، وبساطة حاله، والمهن التي احترفها في شبابه، حين كان يبيع "السوبيا" والبطيخ للمارة في الطرقات.. هذه النشأة المتواضعة، إما أن تخلق إنسانا عظيما مثل "لولا دي سيلفا" بطل البرازيل وصانع نهضتها الذي كان يفخر بأنه عمل في طفولته مساحاً للأحذية، وإما أن تخلق مريضا بالعظمة، معقداً من تاريخه، يتصنع لنفسه شكلا ودورا ومكانة ليعوض بها كل مشاعر النقص والدونية المتجذرة في أعماق وجدانه مثل أردوغان.
كل ذلك يحدث لأن أردوغان لم يكن، ولن يكون رجل دولة، لأن أول شروط رجل الدولة أن يتمالك أعصابه، ولا يكون أبدا سريع الغضب مثل أردوغان
وحين يتكلم أردوغان تراه وقد تحول إلى "معلم" يدير مقهى شعبيا في مدينة قديمة، يرفع صوته بصورة مزعجة، تسحب الهواء من المحيط، وتنشر فيه التوتر والصراخ، فمع خروج كلماته البذيئة تنتفخ أوداجه، وتجحظ عيناه، وتمتلئ شفتاه باللعاب، ويتحول وجهه إلى اللون الدموي، الذي يعكس ما في نفسه من غضب وحقد وتوتر، صوت أردوغان يفضح تاريخه، ويكشف عن مكنون نفسه، فهو لم ينل قسطاً من تعليم حقيقي، إلا لماما من دروس الخطابة والوعظ التي لم تكن له هدفا ولا غاية. صوت أردوغان يعكس مركب العقد التي يعاني منها منذ صغره، ولم يستطع أن يتحرر من آثارها رغم طول الزمن الذي قضاه منعما في هيلمان السلطان، وقصور آل عثمان، فصوته وكلماته تقول إنه شخص ضعيف مغرور، منكسر ومتكبر، مملوء بالغطرسة والجبن، تتصارع في نفسه كل قوى الضعف، ويحاول التغلب عليها بالبذاءة والصراخ، تراه يتعالى على القريب والقرين، ويتواضع أمام القوي بصورة هزيلة، ومواقفه مع القيصر الروسي خير دليل.
أما لغة السياسة عند أردوغان فقصة أخرى، فهو لا يستطيع أن يعالج الأمور كرجل دولة، ولا يستطيع أن يتناول القضايا في شقها الموضوعي، أو يتناول الخلافات مع الدول الأخرى بصفتها خلافات بين كيانات كبيرة هي الدول، ولا يستطيع أن ينظر للعلاقات بين دولته والدول الأخرى كعلاقات بين دول. تراه دائما لا يستطيع أن يخرج من جلباب المعلم الذي يدير مقهى في حي شعب في مدينة قديمة، دائما يقوم بشخصنة كل شيء، وكل قضية، وكل علاقة، ودائما يخاطب رؤساء الدول والحكومات الذي يدخل في خلاف معهم بصورة شخصية، فيسبهم ويشتمهم، ويهينهم، ويهددهم.. إلخ، رغم أنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء".
من لوازم اللغة السياسية عند أردوغان، في تعامله مع حكام الدول الذين يدخل معهم في خلاف، عبارات لا ترد إلا على ألسنة الفتوات والمعلمين أرباب الحرف مثل: "اعرف مع من تتكلم.. أنت لست من مستواي.. اعرف مركزك ومقامك.. سوف نعاقب فلانا أو فلانا.. لن نقف مكتوفي الأيدي.. سنؤدب فلانا.. وقد كانت أشد عبارات أردوغان فظاظة حين وجّه خطابه للرئيس الفرنسي ماكرون بقوله: "أنت الميت دماغيا"، وذلك تعليقاً على وصف ماكرون لحلف الأطلنطي بأنه "ميت دماغيا"، وقد اعترضت الخارجية الفرنسية على هذا الأسلوب. وكذلك تعليقه على سفر المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش العربي الليبي حين ترك موسكو اعتراضا على صيغة اتفاق سياسي يتعلق بليبيا، وليس بتركيا، خاطبه أردوغان قائلا: "إن الجنرال المتقاعد حفتر فر هارباً وسنلقنه درساً"... كلها عبارات تعامل حكام الدول بصورة شخصية، وليس بصفتهم ممثلين لدولهم، وبلغة لا تخرج عن أسلوب أبناء الشوارع.
كل ذلك يحدث لأن أردوغان لم يكن، ولن يكون رجل دولة، لأن أول شروط رجل الدولة أن يتمالك أعصابه، ولا يكون أبدا سريع الغضب مثل أردوغان، الذي يدعي تمثيل الإسلام ويخالف أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالبعد عن الغضب، وكذلك من أهم خصائص رجل الدولة أن يتحدث بلغة دبلوماسية مقننة راقية، ومن المستحيل أن يتجاوز حدود الأدب، والله سبحانه وتعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الحجرات 11) .
أردوغان بعيد عن أبسط قيم وأخلاق الإسلام في سلوكه اللفظي وفي مظهره، ورغم ذلك يدعي لنفسه، ويدعي له الآخرون أنه النموذج والقدوة لحركات وتنظيمات وأحزاب تنسب نفسها للدين الحنيف، وهذه الأحزاب وأردوغان من الإسلام براء لسوء أخلاقهم، وما اقترفته أيديهم من دماء المسلمين في سوريا وليبيا وغيرهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة