أردوغان وحرب المتوسط.. تكتيك خبيث يضعف الجيش التركي
بوادر الخلاف بين أردوغان والجيش التركي طفت إلى السطح منذ وصوله إلى السلطة في 2002
تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتلويحه بالمواجهة العسكرية ضد اليونان بسبب غاز شرق المتوسط، لا تعدو كونها تكتيكا خبيثا يستفيد من رخاوة الموقف الأوروبي لفرض سياسة الأمر الواقع ضد اليونان جراء ثروات المتوسط، كما يهدف إلى إضعاف الجيش التركي.
تلك الخلاصة كشفتها تطورات الأزمة المتفاقمة بين أنقرة وأثينا على خلفية التصعيد التركي بالمنطقة من خلال الاستمرار في عمليات التنقيب، في سياسة ترمي إلى الإيهام بخطر مواجهة عسكرية يدرك أردوغان أنها لن تحدث أبدا.
فما يحدث ـ وفق محللين ـ هو أن المعادلة الموجودة تظهر أثينا ومن ورائها فرنسا، بمواجهة أنقرة، فيما اختارت بقية البلدان الأوروبية إما القفز إلى محاولة الوساطة (مثل ألمانيا) وإما المراهنة على مفاوضات ستكون طويلة بلا شك، وهذا ما يوفر لأنقرة حيزا زمنيا كافيا للاستمرار في خططها.
تعزيزات على الحدود
خبر إرسال تركيا قوات إضافية إلى حدودها مع اليونان، والذي تداوله الإعلام الرسمي التركي بإسهاب مبالغ فيه، بدا أنه لا يؤشر على تصعيد جديد للتوتر مع أثينا، بقدر ما ظهر في شكل استعراض عسكري يحاول أردوغان عبره تحسين شروط التفاوض مع اليونان والاتحاد الأوروبي.
فوفق إعلام تركي، فإن رتلا من الدبابات غادر مواقعه قرب الحدود السورية متجها نحو ولاية أدرنة الحدودية مع اليونان، فيما جرى نقل 40 دبابة من قضاء ريحانلي قرب الحدود السورية، إلى ميناء مدينة إسكندرون، قبل نقلها إلى أدرنة.
تعزيزات يبدو أنها تمثل الحلقة الثانية من مسلسل أردوغان الاستفزازي، بعد تصريحات استبطنت تهديدا مباشرا لأثينا، قال فيها: "سيدركون أن تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تفرض عليها"، في إشارة إلى المناطق المتنازع عليها مع اليونان.
وأضاف أن تركيا "مستعدة لأي سيناريو والنتائج المترتبة عليه"، في لهجة مستفزة تلاها إعلان وزارة الدفاع التركية أن قواتها ستجري تدريبات عسكرية قبالة قبرص يوم أمس الأحد.
إضعاف الجيش
من جانب آخر يستفيد أردوغان من حروبه هنا وهناك سواء في ليبيا أو العراق أو التلويح بها في وجه اليونان، إضعاف قدرات الجيش التركي وتصفية قياداته المعارضين له- بحسب محللين.
لكن هناك بوادر خلاف بين أردوغان والجيش التركي طفت إلى السطح منذ وصوله إلى السلطة في 2002، ليصبح عاما بعد ذلك، رئيسا للوزراء ثم رئيسا للبلاد لاحقا.
خلاف يدرك أردوغان أنه مهما نجح في اجتثاث جذوره عبر تصفية القيادات العسكرية المناهضة له، فإنه لن يتمكن من السيطرة بشكل كامل على المؤسسة العسكرية، ما يضع عرشه على محك الانقلابات.
فالمؤكد أن وصول أردوغان للحكم لم يكن أبدا ليحصل على مباركة جيش تعرف قياداته ـ أو معظمها ـ لأن الرجل المعروف بتسلطه وقراراته غير المتوقعة، قد يغير مواقعهم في أي لحظة، خدمة لأهدافه.
نشاز نابع من تضارب الفكر الذي ينتمي إليه جيش متشبع بقيم الجمهورية لمؤسسها مصطفى أتاتورك، وبين أردوغان القادم من مدرسة دينية متطرفة، ومن حاضنة الإخوان الإرهابية.
وبناء على ما تقدم، يحاول أردوغان بشكل مستمر إضعاف الجيش عبر إنهاكه في حروبه الخارجية، وتشتيت اهتمامه في معارك وهمية قد لا تحصل يوما، لكنه تكتيك قادر على وأد روح التمرد ضده في مهدها، متوجسا من أن يعيد التاريخ نفسه وينجح الجيش في تسيير البلاد كما حصل في خمسينات القرن الماضي.
القوة العسكرية
وبمقارنة القدرات العسكرية لأطراف أزمة شرق المتوسط لا تشمل تركيا واليونان فقط، وإنما تفترض أيضا إلقاء نظرة على إمكانات الجيش الفرنسي، باعتبار أن باريس ستدعم أثينا حتى في حال حدوث صدام عسكري مع أنقرة.
تحالفات عسكرية في الأفق قد تجرد تركيا من "القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية" التي قال أردوغان إنها تجعل بلاده قادرة على "تمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تُفرض عليها".
موقع جلوبال فاير باور الأمريكي، المتخصص في تقييم القوى العسكرية للدول، ذكر أن الجيش التركي يحتل المرتبة 11 من حيث القوة بين جيوش العالم، فيما يحتل الجيشان الفرنسي واليوناني المرتبة 7 و33 تباعا.
ويبلغ إجمالي القوة العسكرية البشرية التركية 735 ألف فرد في حالة التعبئة العامة، بينهم 380 ألف جنود احتياط، مقابل 451 ألف لباريس، و750 ألف لأثينا.
فيما تبلغ الميزانية العسكرية التركية السنوية نحو 19 مليار دولار أمريكي، بينما تقدر ميزانية فرنسا بـ41.5 مليار دولار، واليونان 4.8 مليار دولار، بحسب الموقع نفسه.