الأوروبيون يرون بوضوح أن أردوغان يمارس ضدهم لعبة ابتزاز قميئة عندما هددهم بفتح أبواب الهجرة إلى الاتحاد أمام مئات الآلاف من المهاجرين
دق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسمار الأخير في نعش رئاسته، ولكن ليس لأن مغامراته انقلبت وبالا عليه، وليس لأن اقتصاد بلاده عاد ليقف على شفير الهاوية، ولا حتى لأن معارضيه داخل تركيا يزدادون، بل لأنه بات بلا صديق يمكن أن يتكئ عليه. وهذا ما يجعل رئاسته أعجز من أن تحقق أي شيء، من الآن حتى نهايتها.
الأوروبيون يرون بوضوح أنه يمارس ضدهم لعبة ابتزاز قميئة عندما هددهم بفتح أبواب الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي أمام مئات الآلاف ممن يتكدسون في مخيمات اللجوء في تركيا. وهم يعرفون أنه يريد أن يستخدم هذه المخيمات أداة ابتزاز أيضا لتمويل مشروعه الإسكاني في شمال سوريا لإعادة توطين اللاجئين. وهو مشروع ما من غاية إنسانية فيه، إذ يريد أن يحيل أمواله الى شركات تابعة لحزبه وأن يخلق نوعا من مستوطنات خاضعة لتركيا داخل سوريا؛ شيء يشبه "الشريط الأمني" الذي صنعته إسرائيل ذات يوم في جنوب لبنان.
ولدى الأوروبيين معه مشكلات أخرى، لا يفتأ يفاقمها؛ من إبقاء قبرص مقسمة، إلى الاستيلاء على حقول الغاز في مياهها الإقليمية، إلى توسع الحدود البحرية لتركيا على حساب اليونان وقبرص معا.
والأمريكيون يتذكرون اليوم كيف باعهم وهددهم بإغلاق قاعدة إنجرليك، عندما تمسك بصفقة إس 400 مع روسيا، وسعى إلى أن يستخدم علاقاته مع الرئيس بوتين كأداة ابتزاز ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
والروس اليوم ينظرون إلى طموحاته العثمانية بعين العجب، حتى لكأنه يبدو لهم كأنه رجل خارج من القبر، بأوهام لم يعد لها مكان، ولا هذا زمانها أصلا. فقرروا أن يلقنوه درسا يقول: إن البيادق في لعبة الشطرنج قد ترقى إلى "وزير" إلا أنها لا ترقى إلى ملوك. فمن الواضح لهم، أن أردوغان بات يلعب، بتلميحاته الغبية عن القرم ودعمه لأوكرانيا، لعبة أكبر منه.
هكذا انتهى أردوغان، بلا صديق يمكنه أن يتكئ عليه، وكثر من حوله الكارهون. ولقد أصبح السؤال مشروعا: عندما تنتهي رئاسته إلى جنازة، فمن ذا الذي سيخرج في تشييعها؟
والدول العربية برمتها (عفوا، باستثناء النشاز منها) تنظر إلى حملاته في سوريا وليبيا بعين الضيق والغضب، لأنه يمارس اعتداءات صريحة، ويتدخل بقوة السلاح فيما لا يعنيه. وهو زاد الطين بلة بإرسال مرتزقة من جماعات الإرهاب التي يركن إليها في سوريا لكي تدافع عن سلطة تهيمن عليها جماعات الإرهاب في طرابلس.
وفي تركيا نفسها فإنه يعتقل عشرات الآلاف من مواطنيه على أساس الشك وهستيريا الخوف الذي ينتابه من خصمه اللدود عبدالله غولن. وأقالت سلطته مئات الآلاف من موظفيها، العسكريين والمدنيين، بتهمة المشاركة في انقلاب عام 2016، دون أن يلاحظ المفارقة في أن انقلابا يشارك فيه كل هذا العدد من البشر، لا يمكنه أن يكون انقلابا كغيره، بل ثورة.
وتعتقل سلطاته كتابا وصحافيين وأدباء، لمجرد أنهم وجهوا نقدا لأعماله التسلطية، وأصبح من حقه أن يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ليس في أي عمل ذي قيمة إيجابية، بل لأنه أكثر رئيس في التاريخ الذي توجه له إهانات، ويلاحقها في المحاكم.
وبدلا من أن ينقسم حزبه إلى حزبين، فلقد تفتت إلى ثلاثة، في دلالة على عمق الشروخ التي صنعها فيه.
ولئن اتبع سياسات اقتصادية بدت كأنها تنموية، فقد انتهت إلى جبل من الديون، لا تملك الحكومة ولا الشركات معالجتها إلا بمزيد من الديون. وهذه بمفردها قنبلة يرى الأتراك إنها إذا انفجرت، فإنها لن تبقي ولن تذر.
ولئن عادت الليرة إلى الوقوف على حافة الهاوية من جديد، فلأن السياسات الاقتصادية الخاطئة لا بد في النهاية أن تفتح أبواب الجحيم على كل بيت.
وهو الآن يحصي الجثث بين مرتزقته وجنوده في سوريا وليبيا. وعندما طلب دعم الحلف الأطلسي، قالوا له: لا دخل لنا بما تفعله. وقدموا بيانا فضفاضا للتضامن، أساسه، أن تركيا لا تتعرض لتهديد.
وقال له الرئيس بوتين: "نحن لن نخوض حربا مع أحد". وكانت بمثابة رسالة ضمنية إلى الأطلسي، أن اضبطوا هذا المهووس.
هكذا انتهى أردوغان، بلا صديق يمكنه أن يتكئ عليه، وكثر من حوله الكارهون. ولقد أصبح السؤال مشروعا: عندما تنتهي رئاسته إلى جنازة، فمن ذا الذي سيخرج في تشييعها؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة