رفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي بقيادة المحافظ ناجي إقبال سعر الفائدة ليصبح 17% بدلا من 15% يوم الخميس 24 ديسمبر الماضي
وهو معدل جاء أعلى من توقعات بعض الاقتصاديين بأن الرفع سيكون في حدود 1.5% فقط وليس 2% كما تم. وتوسعت الليرة في مكاسبها مقابل الدولار، حيث كان يتم تداولها بنسبة 0.9% أعلى بعد القرار لتصل قيمتها إلى 7.5779 لكل دولار.
وقد التزم البنك بتعهده بشأن قرارات رفع معدلات الفائدة للحفاظ على موقف متشدد حتى يمكن رؤية انخفاض دائم في معدل التضخم، نتيجة لمخاطر الليرة الضعيفة، والطلب المحلي وأسعار السلع بما في ذلك تكلفة المواد الغذائية.
ويرى البعض أن ما فعله البنك المركزي يعد شيئا جيدا، حيث قدّم دفعة أكثر قوة لمعدلات الفائدة عما كان يراه بعض الاقتصاديين، وهو ما يظهر أن البنك المركزي أصبح أكثر جدية بشأن التضخم، لأن البنك لم يقدم فقط على فعل الحد الأدنى الضروري بل تجاوزه، لكن يظل الحكم على هذه السياسة مرتبطا بمجمل السياسات التي تتبعها تركيا إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي داخليا وخارجيا.
وقد ورث محافظ البنك المركزي الجديد ناجي إقبال معدل تضخم يزيد على 10%، وسعر صرف ليرة متدهورا ونفادا للاحتياطيات من النقد الأجنبي، بعد أن دفع المحافظ السابق لفترة من الوقت نحو النمو السريع في الائتمان بالإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة، مدعوما من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي تذهب رؤيته الاقتصادية غير التقليدية إلى إلقاء اللوم في تأجيج التضخم على ارتفاع تكلفة الإقراض.
وكان ناجي إقبال قد أرسل إشارات متشددة قبل اجتماع لجنة السياسة النقدية حينما أعلن التزامه بتشديد السياسة النقدية طالما كان ذلك مبررا بتطورات الأسعار، والتزامه بزيادة الاحتياطيات من الأصول الأجنبية دون التأثير سلبا على الليرة.
وقد ظل الأتراك مترددين في تحويل مدخراتهم إلى الليرة، وهو ما يدلل عليه استمرار ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية خلال شهر ديسمبر، حيث يفضّل الأتراك اللجوء إلى الأصول ذات القاعدة الدولارية لحماية مدخراتهم، فحتى تاريخ 4 ديسمبر كانت ودائع المقيمين الأتراك بالعملات الأجنبية قد ارتفعت بنحو 19% هذا العام لتبلغ 231 مليار دولار، طبقا لبيانات البنك المركزي. وجاء هذا عقب القفزة التي حققتها تلك الودائع بنسبة 20% عام 2019، وذلك على الرغم من مناشدة الرئيس أردوغان مواطنيه استخدام العملة التركية في المعاملات والاستثمار.
وجاء قرار لجنة السياسة النقدية برفع سعر الفائدة بمقدار 2% لأن التضخم ارتفع خلال شهر نوفمبر بشكل كبير ليسجل 14.03%، وهو ما يزيد بنحو 1.5% على المعدل المتوقع، كما أنه يعد أعلى معدل للتضخم خلال خمسة عشر شهرا. وتعكس الأرقام الأخيرة ارتفاعا بمقدار 2.3% في أسعار المستهلكين والأكثر مدعاة للتشاؤم أن معظم الارتفاعات في الأسعار كانت في الاحتياجات اليومية للمستهلكين مثل الطعام، والمشروبات غير الكحولية والانتقال.
وفي الوقت نفسه، شهدت البلاد أزمة أخرى ربما أكثر قسوة هي أزمة في شكل انخفاض في سعر صرف الليرة. وبينما لا يعد انخفاض سعر صرف الليرة خبرا جديدا لأن الليرة تنخفض منذ سنوات، ولكن معدل الانخفاض كان أكثر درامية هذا العام مع بلوغ الليرة سعرا قياسيا منخفضا أمام العملات الرئيسية الدولية. فمنذ بداية عام 2020 فقدت الليرة نحو 30% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي وأكثر من 30% أمام اليورو. وقد أنفقت تركيا مما تحت يدها من عملات أجنبية هذا العام أسرع من أي بلد نامٍ رئيسي آخر إلى حد انخفاض هذه الاحتياطيات لأقل مستوى لها في 15 عاما، وكان ذلك في قلب ما يشهده سعر صرف الليرة من تدهور.
ويخشى المستثمرون من التقلب في السياستين النقدية والمالية، وهو ما حدث خلال السنوات الأخيرة. ويقول أحد الاقتصاديين إن البنك المركزي التركي ربما يرفع أسعار الفائدة أكثر في استجابة تقليدية لارتفاع معدل التضخم، ولكن في نهاية المطاف سيتدخل الرئيس التركي لمحاولة إعادة تحديد السياسة النقدية لكي تصبح أكثر تواؤما ومشجعة على النمو، حتى لو هدد ذلك بعدم استقرار الأسعار في المدى الطويل.
إضافة إلى ما سبق لا يمكن تجاهل العلاقة الجدلية بين الاقتصاد والسياسة، بحيث يؤثر كل منهما في الآخر سلبا أو إيجابا، فتحذر بعض الكتابات من الانجراف نحو التأثر بأي سياسات تصحيحية لدى أردوغان الآن. فإلى حد بعيد لن تعكس هذه السياسات احتياجات تركيا الفعلية. وبشكل عام، فسياسات السوق الحر لا تتعايش ببساطة مع الميول السلطوية لسياسات أردوغان، وهو ما يبرهن عليه استمرار ما تظهره هذه السياسة المرة تلو الأخرى من ابتزاز اقتصادي، واعتقال واسع النطاق للصحفيين الذين ينتقدون السياسات، وما يطلق عليه تطهير قطاعات الخدمات المدنية، والوسط الأكاديمي، والنظام القضائي من المنشقين. ولن تمضي البلاد في طريق إصلاح حقيقي طالما أن استقلال مؤسساتها تقوضه المحاباة والمحسوبية، وطالما ظل سكانها يحتفظون بمدخراتهم في شكل عملات أجنبية خوفا من انهيار سعر صرف الليرة بين عشية وضحاها، وبينما يقف الدين الخارجي عند أكثر من 50% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وتقول وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير لها صدر هذا الشهر: "يعد ضعف وتدهور محكومية تركيا رئيسيا في ضعف التصنيف الائتماني، وهو ما يرتكز عليه قرارنا بتخفيض تصنيف تركيا الائتماني عدة مرات منذ تم اعتماد النظام الرئاسي في منتصف عام 2018".
وتبين استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا، ومنها الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة متروبول وعرضت بعض نتائجه جريدة "نيويورك تايمز" يوم الأحد الماضي أن نسبة التأييد لأردوغان ولحزب العدالة والتنمية قد هبطت إلى أقل مستوى لها خلال الـ19 عاما التي ظهر خلالها الحزب في الحياة السياسية التركية، حيث هبطت هذه النسبة إلى ما يدور حول 30%. ويشير هذا الرقم إلى أن الحزب بتحالفه مع حزب الحركة القومية سوف يفشل في تأمين الخمسين في المئة التي يحتاج إليها أردوغان لكسب الانتخابات الرئاسية.
وكشف الاستطلاع أيضا عن أن عددا كبيرا من المؤيدين لأردوغان، ونحو 63% من إجمالي المستطلعين يعتقدون أن تركيا تتجه في الاتجاه الأسوأ وليس الأفضل .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة