ترفض تركيا التي دخلت خط الأزمة الليبية بقوة أي تسوية سياسية ممكنة من شأنها إنهاء الحرب التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
ذلك أن أنقرة تراهن على الفوضى ونشر الإرهاب بالدرجة الأولى لضمان مصالحها، خاصة بعد أن أبرمت عدّة اتفاقياتٍ مع حكومة ما تسمى "الوفاق الوطني" التي تحظى بدعمها وتتخذ من طرابلس مقرّاً لها.
وبالطبع لدى الجانب التركي أسبابه الخاصة لمعارضة التسوية السلمية في ليبيا، فقد قام بعقد صفقاتٍ عسكرية واقتصادية وتجارية مع "الوفاق" كالاتفاقيتين الأمنية والبحرية التي أبرمها الطرفان نهاية عام 2019 الماضي، إضافة إلى وجود اتفاقياتٍ سرّية بينهما. علاوة على وجود شركات تركية توقفت عن العمل وخسرت استثماراتها في ليبيا بعد انهيار نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
كما أن خسارة أنقرة في شرق البحر المتوسط وعدم تمكّنها حتى الآن من الوصول لاتفاق مع جيرانها، جعل من ليبيا الغنية بالثروات الطبيعية والنفطية هدفاً لها، وبالتالي لم تكن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفايز السرّاج رئيس "الوفاق" سوى خطوة أوّليّة لتحقيق حزمة من الأهداف التركيّة، وهو ما يعد اليوم سبباً رئيسياً لوقوف النظام التركي في وجه أي تسوية سياسية في ليبيا، على اعتبار أن إجراء أي انتخاباتٍ رئاسية أو برلمانية فيها قد يؤدي في نهاية المطاف إلى خسارة أنقرة للحكومة الحالية المطيعة لها والتي تنفذ أوامرها دون قيّد أو شرط، ما يعني تهديدا محتملا لكل اتفاقياتها مع طرابلس، إذا ما دعت الحكومة الليبية الجديدة لإلغائها.
ولذلك لا ترى أنقرة أي مصلحة سياسية أو عسكرية أو حتى اقتصادية في الوصول لحلٍّ سلمي للأزمة الليبية في الوقت الراهن، ولهذا السبب طالب الرئيس التركي من برلمان بلاده، تمديد مدّة بقاء وحدات من الجيش التركي على الأراضي الليبية لنحو عامٍ ونصف العام. وقد حصل بالفعل على الموافقة قبل أيام. كما أن بلاده أرسلت طائرتي شحن إلى قاعدة الوطية، فضلاً عن تمسّكه بالمرتزقة الذين جلبهم في وقتٍ سابق للقتال إلى جانب مليشيات السرّاج، حيث توقفت عودتهم من ليبيا، وفق ما أعلنت وسائل الإعلام، ما يعني أن أنقرة تقرع طبول الحرب مجدداً من خلال الجماعات التي تحظى بدعمها كمليشيات حكومة "الوفاق" والمرتزقة الذين يقاتلون معها.
وبالتالي، تكمن المصلحة التركية في ليبيا في استمرار الحرب فيها وهو ما تعمل عليه منذ سنوات، فهي لم تتوقف عن إرسال الأسلحة ووحدات الجيش والمرتزقة إلى المليشيات التي تدعمها رغم وجود قرارات دولية تحظر ذلك، وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً لبنود مؤتمر برلين، وكذلك خرقاً للمساعي الأممية للحلّ السلمي للأزمة الليبية، خاصة أن المليشيات المدعومة تركياً تلجأ دائماً للأكاذيب من خلال اتهام الجيش الوطني الليبي بخرق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بينهما منذ أشهر، إلى جانب استمرار وسائل الإعلام المؤيدة لتركيا بالعمل على تشويه صورة الجيش الليبي، وفي هذا كله نيّة تركيّة واضحة بإطالة أمد الأزمة الليبية وعرقلة حلّها سلمياً.
ومن هنا يمكن التأكيد على أن بعثة الأمم المتحدة التي ترعى الحوار الليبي بين طرفي النزاع في البلاد، لا يمكنها أن تسجّل بسهولة أي تقدّم في عملها مع وجود القوات التركية ومرتزقتها داخل الأراضي الليبية، حيث لا يمكن الحديث عن أي تسوية سياسية للأزمة في ظل مواصلة أنقرة سياسة تأجيج الصراع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة