مشروع العفو عن المسجونين الأتراك شكل صدمة كبرى في الشارع؛ إذ نص على الإفراج عن جميع المجرمين فيما أبقى على السياسيين ومعتقلي الرأي
مع تفشي وباء فيروس كورونا في العالم، تعالت الأصوات الداعية إلى وقف الحروب والنزاعات، والعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار، والإفراج عن السجناء والمعتقلين، خصوصا في الدول التي تكتظ سجونها بالنزلاء خوفا من أعداد هائلة من الضحايا في صفوفهم.
وتركيا التي يقبع في سجونها أكثر من ثلاثمئة ألف سجين لم تكن استثناء، إذ إن الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والحريات سارعت، مع تفشي الوباء، إلى المطالبة بالإفراج عن هؤلاء السجناء والمعتقلين، قبل أن يسارع حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية المتطرفة إلى طرح مشروع عفو عن المعتقلين في البرلمان.
شكل مشروع العفو صدمة كبرى في الشارع التركي، إذ إن قانون العفو نص على الإفراج عن المجرمين المدانين بقضايا المخدرات والاغتصاب والتهرب الضريبي وغير ذلك من الجرائم، فيما أبقى على السياسيين ومعتقلي الرأي والصحفيين المسجونين بسبب انتقاداتهم لحكم أردوغان.
هذا الأمر أثار حالة من الغضب في الشارع التركي، ودعوات في الداخل والخارج بأن يشمل العفو السياسيين ومعتقلي الرأي، ومع عدم استجابة حكومة أردوغان لهذه الدعوات تفجرت في عدد من السجون التركية حالة من العصيان والتمرد، احتجاجا على عدم شمول العفو السياسيين ومعتقلي الرأي، وسط توقعات بأن تشتد حركة العصيان في الأيام المقبلة وتنتقل إلى باقي السجون، ولاسيما أن معظم هؤلاء المعتقلين لا توجد أدلة حقيقية تثبت إدانتهم بالتورط في الإرهاب أو أنهم على علاقة بتنظيمات إرهابية.
العفو الذي يشمل قرابة مئة ألف سجين، جلهم من مرتكبي الجرائم الجنائية، مقابل الإبقاء على سجناء الرأي والسياسيين، دفع بالأوساط المعنية بالحريات والحقوق إلى المطالبة بأن يشمل العفو الفئة الأخيرة، إلا أن السلطات التركية كانت حازمة لجهة رفض هذا المطلب.
من دون شك، الإرهاب هو من أخطر الجرائم التي انتشرت في السنوات الأخيرة في منطقتنا والعالم، ولكن ما سبق لا يعني أن الكثير من الأنظمة ولاسيما في تركيا لم تستخدم هذه التهمة لتصفية الخصوم السياسيين، فمنذ المحاولة الانقلابية المزعومة الفاشلة في تركيا عام 2016، شنت السلطات التركية أوسع حملة اعتقالات ضد أنصار الداعية فتح الله غولن، وكذلك الحركة الكردية وكل من يناهض سياسة أردوغان.
ووصل الأمر إلى حد اعتقال نواب الشعب المنتخبين، وهكذا يقبع الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي والمرشح الرئاسي السابق صلاح الدين ديمرداش في السجن منذ أكثر من ثلاث سنوات رغم قرار المحكمة الأوروبية العليا بالإفراج عنه، وكذلك عشرات النواب ورؤساء البلديات المنتخبون من مختلف التيارات السياسية التركية.
العفو الذي يشمل قرابة مئة ألف سجين، جلهم من مرتكبي الجرائم الجنائية، مقابل الإبقاء على سجناء الرأي والسياسيين، دفع بالأوساط المعنية بالحريات والحقوق إلى المطالبة بأن يشمل العفو الفئة الأخيرة، إلا أن السلطات التركية كانت حازمة لجهة رفض هذا المطلب.
ذلك دفع بالعديد إلى السؤال عن إصرار سلطات أردوغان على أن يكون العفو بهذا الشكل المنقوص، وإلى القول إن أردوغان يريد أن يفرج عن المجرمين ويبقي على السياسيين كي يلقوا حتفهم في السجون، خاصة أن تقارير عديدة تؤكد أن الظروف الصحية غير متوفرة في السجون للوقاية من تفشي وباء كورونا، إذ يؤكد المحامي التركي البارز أوغور بويراز (أن حزمة العفو هذه ليس الهدف منها إنصاف المظلومين وإنما إنصاف المتهمين المقربين من السلطة)، ولا سيما أن هذه الاتهامات تأتي في ظل أنباء عن تورط مقربين من أردوغان وحزب العدالة والتنمية في قضايا فساد كبيرة.
إجراءات أردوغان ضد المعارضة في زحمة مكافحة تفشي وباء كورونا، لم تتوقف على قانون العفو، وإنما اتخذت منهجا لإقصاء المعارضة عن ممارسة دورها في هذه المعركة، وما حرمان البلديات الواقعة تحت سيطرة المعارضة ولاسيما في إسطنبول والعاصمة أنقرة وأزمير من جمع التبرعات من المواطنين بعد دعوة أردوغان إلى ذلك إلا تأكيد على ممارسة الشمولية وعدم السماح لأحد بممارسة أي عمل سياسي خارج سلطته.
ولعل حسابات أردوغان هذه تصب في الصندوق الانتخابي بعد تراجع شعبيته وحزبه وسط الأزمة المالية والخوف من انهيار الاقتصاد التركي، دون أي اهتمام بمعركة الحفاظ على الأرواح في مواجهة تفشي الفيروس الذي لا يميز بين الأرواح بغض النظر عن هويتها العرقية والدينية والسياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة